” إن الممثلين مثل السحرة يحافظون على أسرار حرفتهم ويدفنوها معهم”
ربما يتسأل البعض قلقاً : لماذا اختارت (منوشكين) مسرح الشمس؟ ولماذا هذه التسمية : هل هي عنوان صوري ؟ أم هي تسمية مترجمة إلى أسلوب عمل؟ أم هي نار تلتهب بنا لتبضيء الحاضر بصراعات الماضي وتشعرنا في أحدث تجاربها المينوشكينيه ألمؤلمه(الحب والموت)* أننا شركاء في كل الجرائم وكل ما يحدث حولنا.. لماذا الديمقراطية في الإخراج ؟ وتقديم عمل مسرحي لا يعتمد على النص المكتوب.
تساؤلات كثيرة أسقطتها هذه التسمية (مسرح الشمس) التي جاءت من منظور مغامر ومغاير لسياسة جديدة في العمل والإنتاج المسرحي الذي أثبتته (منوشكين)على مدى عشرين عاما من العمل الدوؤب وهي تبني مؤسسة ديمقراطية في ترسانة قديمة للأسلحة اختارتها لتكون موقعاً لمسرحها الذي ضم جماعة مسرحية لا يتجاوز عدد أفرادها الأربعين, وهؤلاء شكلوا فيما بينهم ” جمعية تعاونية عامله في الإنتاج المسرحي” رافعين شعار (المساواة التامة في العمل) الذي أخذ مأخذاً ديمقراطيا في عروض الفرقة التي أنفقت شهوراً طويلة في ملاحظة ورصد ظروف العمل في المطاعم الباريسية الكبيرة بعد أن حقق لها (المطبخ)* نجاحا نقدياً وجماهيرياً كبيرا , وهي تنشر أعضاءها (الممثلون) في كل مكان عندما يبدأ المتفرجون في التقاطر على المسرح : بعضهم يستقبل الجمهور أو يقدم الأطعمة والمشروبات في بهو الاستقبال على طريقة (منوشكين), والبعض الأخر يشتغل بأعداد الديكور أو أصلاح الملابس , والبعض الأخر يقوم بطهي الأطعمة في المطبخ , والبعض الأخر يقوم بأعمال التنظيف , والبعض الأخر يقوم بأعمال الكنس والغسل مقابل مرتب شهري تمنحه (منوشكين) بالتساوي ضمن فلسفتها التي تحرص فيها على تحية المبكرين للعرض المسرحي وهي تقدم لهم الطعام في غرفة ملحقة بساحة العرض لتكون (الشاهد الأول) للعرض المفعم بطقوس شعبية جماهيرية تدعو فيها إلى فضح أسرار آليات العملية المسرحية أمام الجمهور الذي يجول ويصول بمطلق الحرية في أرجاء المكان , وهذا في حد ذاته ليس ضرباً من ضروب (الفذلكة المسرحية) أو حيلة زائفة لخداع المتفرج, بل هو يمثل تعبيراً صادقاً عن فلسفة المشاركة الجماعية التي أثبتتها (منوشكين) في بيت قديم عبارة عن ترسانة قديمة للأسلحة اختارتها لتكون موقعاً لمسرحها الذي تحرص فيه كل الحرص على أن يدرك المتفرج من مسرحها , أن الخط الفاصل بينه وبين الممثلين والأحداث الدائرة ليس سوى خط وهمي واهن , وهذه الفلسفة تتفق مع دعوة (بيتر بروك) ألقائله (علينا أولا إن نقنع المتفرج أن عملنا يخلو من التحايل والخديعة , وأننا لا نخفي عنه شيئاً , عليناً أن نضع ما في أيدينا أمامه, وأن نثبت له أننا لا نخفي عنه شيئا ) عكس النظرية القائلة ( أن الممثلين مثل السحرة يحافظون على أسرار حرفتهم ويدفنوها معهم ) .. كذلك هي فلسفة تتفق مع (أرتو) وقرينه المسرحي بعد أن استلهمت أساليب جديدة من (كوميديا ديلارتي) و(مسرح النو), (والبونراكو),و (الكاثالي)الهندي, ومن منهج (كوبو) الذي جعل الممثلون ينخرطون في تدريبات ارتجالية نصف يومية وفي أماكن مهجورة (منعزلة). إذن لماذا مسرح الشمس في فرنسا ؟ ولماذا لا يكون في العراق؟ أليس (الشمسُ شمسي….والعراق عراقي) كما يقو ل الشاعر …. ألم يقل السياب (الشمس أجمل في بلادي من سواها…..والظلام حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق). لماذا (أريان منوشكين) الفرنسية ؟ لماذا لا تكون (شذى سالم) أو(عواطف نعيم )العراقية إلا يحتاج مسرحنا اليوم إلى صيغة مماثلة تنظم علاقة الممثل بالمخرج , والفنان بالمؤسسة ..ألسنا دي…. مقراطيون ؟ السؤال : أين نحن من هذا ؟ أين نحن من (ارتو) وقسوته, ومن(بيتر بروك) ومكانه الخالي, ومن فقر غروتوفسكي المسرحي؟. أين نحن من(بيرو البرازيلي) وقهره المسرحي؟، ومن (كاترينا بوزيانو) وزيغ الصورة ؟. أين نحن من (حميد محمد جواد) و(صلاح القصب)ومسرح الصورة ؟ هل هذا يعني تأكيدا لما قاله الشاعر (الصمت …. تاج المرأة , لكنه ليس بالمثل تاج الرجل), أم هذا يعني أن ظهور مخرجة مسرحية مبدعة ومعترف بها لم يكن بالأمر السهل ….
وفي الختام ليس لي سوى أن أردد (طلعت الشُميسه على وجه …………….).