عن مجلة الرؤية ـ الإمارات
لأن المسرح فعل سويّ وسليم يحرص على الإرتقاء بالذائقة الإنسانية والجمالية للمشتغلين فيه.. نستغرب حينما يتحول كل ذلك الرقيّ إلى فعل فساد، عبر من حولوا المسرح إلى سلعة تُباع وتُشترى يتم التقاول عليها من الباطن، بين موهوم يحلم بالحصول السريع على لقب مخرج، ومقاول من الباطن ضرب بخلقه المهني وشرفه المسرحي عرض الحائط..
لقد وصل المقاولون من الباطن إلى المسرح.. يفسدون ويشوهون كل جميل، يخرّبون الجهود التي تبذل قصارى ما تملك من أجل منح “أبو الفنون” رفعته ومواصلة أداء دوره كأداة للتنوير ومناهضة الفكر الرجعيّ والمتطرّف، فالفساد هنا هو أشدّ مضاضة من أي فساد.. كونه يخرج من تحت عباءة العاملين في مجال المسرح.. تلك العباءة الخالصة البياض.. الشديدة الطهر.. الغارقة في النقاء..
إن مقاولي الباطن موجودون في كل المجتمعات، والسلطات في ملاحقة مستمرة لهم تحاسبهم وتعاقبهم بالرادع من العقوبات، أما أن تدنس قدسية المسرح بفعل هؤلاء الفسدة، فهو الأمر الذي يحتاج إلى وقفة طويلة وعلاج آني وسريع يستئصل الفاسد والمفسد على حد سواء، قبل أن تنتشر العدوى فتصيب كامل الجسد المسرحي. فإذا كان الفساد ظاهرة يتم من خلالها انتهاك قواعد العرف الاجتماعي والمبادئ والنظم القانونية المتعلقة بالمصلحة العامة عن طريق سلوك طرق غير مشروعة للوصول إلى الأهداف الخاصة، تظهر أمامنا وتتشكل عدد من الأسئلة الهامّة هنا.. كيف تمكن ذلك المقاول وغيره من الرقص على حبال طموحات الشباب المسرحي في الوصول السريع المريح إلى زخرفة اسم من وهم على صفحات الخشبة؟ كيف أقنع مقاول الباطن ذاك ضميره بأن ما يفعله هو حق مشروع؟ كيف تمكن مخرّب المسرح وعدو الإنسانية من وأد بنات فكره حينما وضعهنّ في حفرة العرض والطلب لمن يرغب أو يدفع!؟ إن هؤلاء المقاولين من الباطن ومن سار على نهجهم الضالّ المضلّل، يدخلون ضمن قائمة السرّاق واللصوص والأفّاقين والمزورين والخونة وبياعي الضمير من الذين سيفضحهم التاريخ ويلعنهم.. كان الأولى بهم أن يمارسوا ألعابهم الشيطانية بعيداً عن المسرح في ساحات أخرى مشرّع لهم الغش فيها كصالات القمار والألعاب القائمة على النّرد وما شابه..
إنّ من سنّ هذه الدروب وعبّدها كعرّابٍ للفساد، يحمل وزره ووزر المسرحيين جميعاً في كل خراب يحدث في المسرح.. في كل اضمحلال يحصل في المستوى.. وفي كل اسم جديد يخرج علينا يدعي المسرح جزافا وهو بريء منه.. وكذلك.. هو مسؤول عن كلّ وهن يصيب مسرحنا العربيّ.. كما أن كل ذلك ينطبق أيضاً على المشتري، على ذلك الذي قبل على نفسه إبداعاً زائفاً بأن يضع اسمه فوق عمل لم ينجزه، فكم من زيف مسرحي انكشف بعد غياب مقاول الباطن لسبب أو لآخر..
أما الفرقة المسرحية فهي المسؤولة المباشرة والأولى عن هذا الفعل التشويهي، حينما شهدت على شقّي الزيف، المتمثلين بالطرف الأول ويقصد به (المزيّف) والطرف الثاني ويقصد به (المزيّف له) باعتبار أن الفرقة المسرحية جزء لا يتجزأ في كل منتج إبداعي يفترض به أن يكون صادقا شفافا ورصينا.. كونها المنطقة التي يقع فيها الفعل المسرحي.. حينما تغاضت عن جريمة الفساد تلك وتسترت عليها.. وكذلك باركتها.!
إن وقفة مسرحية جريئة وشجاعة.. تتحمل مسؤولياتها تجاه “أبو الفنون”.. كفيلة بردع مقاولوا الزيف من الباطن صنّاع الغش والتزوير وفضحهم على الملأ.. ثم محاسبتهم عن كل ما اقترفوه بحق أنفسهم وبحق ذلك المخلوق الإنساني النبيل.. المسرح..