مقالات

قراءة نقدية متكاملة لمسرحية ما تقول لي……ما نقول لك”/ محمد الزيات

(النسخة المغربية من تخريف ثنائي ليوجين يونسكو) من إعداد الفنان عبد الجبار خمران وإخراج بوسرحان الزيتوني مع تحليل عناصرها الأدبية والمسرحية، والنقاط القوية والتحديات، وأثرها في السياق المحلي:

 

مقدمة

النص الأصلي: “تخريف ثنائي” للكاتب الروماني-الفرنسي يوجين يونسكو، من مسرح العبث، يُركّز على العبثية في العلاقات الإنسانية، كيف تستمر الخلافات البسيطة حتى مع وجود الأزمات الكبرى، وكيف أن اللغة والحوار قد لا يوصّلان المعنى الحقيقي أو يكسِران الفجوة بين البشر.

عناصر التكوين المسرحي

الفكرة والمحور

المسرحية تدور حول زوجين يُناقشان كل شيء: اختلافاتهم تبدأ من الأمور التافهة مثل الحديث عن “السلحفاة” و”الحلزون” هل هما من جنس واحد أم لا، وهل الجو بارد أم حار حسب الشعور، وحتى الخلافات حول ما يجري بالخارج من ظواهر الحرب.

تتفاقم الأحداث إلى أن يتدمر البيت حرفيًا، لتنهار الجدران، ويصبح الزوجان في الشارع، تقريبا وسط أصوات الجنود والدبابات، في تداخل بين التفاصيل اليومية والحرب الكونية.

اللغة والأسلوب

الاعتماد على الدارجة المغربية إلى جانب الترجمة من النص الأصلي، لخلق تواصل محلي مع الجمهور، مع الحفاظ على روح مسرح العبث في اللغة (اللغة غير المنطقية أحيانًا، التكرار، التضاد…).

الأسلوب العبثي يظهر في الجدالات التي لا تقود إلى حلول، في الحوار العقيم، وفي أن الزوجين يواصلان الخلاف بالرغم من أن السياق أكبر من قدرتهما على التأثر.

البُعد الزمني والمكاني

المسرحية تبدأ في داخل البيت، في حياة يومية تبدو طبيعيّة رغم الخلافات، لكن تتسع المنظور تدريجيًا ليشمل السباق الزمني للحرب — الصوت، الجنود، الدبابات، الدمار كلها تدخل في المشاهد.

الانسحاب التدريجي للأمن الداخلي (البيت) إلى الخارج، إلى الفضاء العام: البيت ينهار، الجدران تسقط، هذا الانزياح يعكس انتقالًا من العنف الرمزي إلى العنف المادي، من الخلاف الداخلي إلى حالة الانهيار السياسي/الاجتماعي.

الأداء والمسرحيات الفنية

السينوغرافيا استخدمت لتجسيد الانهيار الفيزيائي: سقوط الجدران، البيت الذي يُدمَّر.

الموسيقى والأصوات المختلفة (جنود، أصوات دبابات، نيران) تدخل كمكوّنات صوتية تعزز التوتر والواقع الخارجي الذي لا يمكن تجاهله حتى لو حاول الزوجان التركيز فقط على خلافاتهما الصغيرة.

نقاط القوة

1. التوطين اللغوي والثقافي: استخدام الدارجة يجعل النص أقرب إلى الجمهور المغربي، ويزيد من تأثيره المحلي؛ يساعد على فهم الرموز والتلميحات بصورة أكثر تلقائية.

2. التقريب بين العبثي والعنف الواقعي: المزج بين الحوار التافه/العبثي والخطر الحقيقي من الحرب، يجعل التجربة المسرحية ذات بعد مزدوج—كأنها مرايا لما يعيشه الإنسان في الحروب أو الأزمات: رغم الخطر، لا زال الناس يولّدون الخلافات، يُراوغون التفاصيل.

3. البُعد المفهومي والأيقوني: سقوط الجدران، الأصوات، الجنود، التناقضات بين الداخل والخارج، بين الشعور بالحر والبرد، كلها رموز قوية تعبّر عن الاغتراب، العدمية، الانهيار المفاجئ للأمن النفسي والمنزلي.

4. التفاعل مع الجمهور: حسب التقارير، الجمهور تفاعل بشكل إيجابي مع العرض، خاصة مع السخرية والطرح الفكري والجمالي.

5. التحديات والقيود

ـ تمثيل العنف الخارجي وإظهار الحرب: تصوير الحرب/الجنود/الدبابات وأصواتها على المسرح يتطلب موارد تقنية جيدة (إضاءة، صوت، مؤثرات)،

ـ وهدا ما تحقق بالعرض المسرحي

السياق والأثر

في السياق المغربي، العرض يُعد من المساهمات المهمة لمسرح العبث، وهو نوع ليس مألوفًا دائمًا في التوزيع أو الإنتاج. التجربة تُظهر قدرة الفرق المحلية على استثمار نصوص عالمية وتقديمها بلغة محلية.

المسرحية تطرح تساؤلات حول كيفية عيش الأفراد في أوقات الأزمات: كيف تؤثر الحرب أو الخوف على العلاقات اليومية؟ هل تجعل الناس يركزون على الخلافات الصغيرة ويتجاهلون الواقع الخارج؟ هذا الأمر له علاقة وثيقة بالذاكرة الجماعية، وقد يثير تأملات عند الجمهور حول تجارب محلية — سواء في الحروب، النزاعات، أو حتى التوترات الاجتماعية.

من الناحية التعليمية والنقدية: العرض يتيح فرصًا للتدريس حول مسرح العبث، عن يونسكو، عن الأسلوب، وعن كيف يمكن نقل النصوص العالمية إلى السياقات المحلية مع الحفاظ على عمقها.

استنتاج

مسرحية “ما تقول لي…..ما نقول لك” ….عن تخريف ثنائي تُعد تجربة مسرحية قوية ومهمّة على الساحة المغربية: تبين أن النص العبثي يمكن أن يُترجم محليًا بطريقة توائم التحديات الثقافية واللغوية، وتربط بين العالمي والمحلي. العرض يتميز برؤيته الفلسفية والجمالية، بالمفارقات التي يبدعها بين الخلافات اليومية والعنف الكلي، بين الداخل والخارج.

لكن مثل هذه النصوص تحتاج إلى جمهور مستعد للتفكير، للتساؤل، وربما للتسامح مع التشويش واللا وضوح، لأنها لا تقدّم حلولًا جاهزة، بل تطرح الأسئلة. كما أن الجانب التقني والإخراجي ساهم بشكل كبير لايصال الفكرة، وقد كان متماشيًا مع حجم الرمزية الموجودة في النص.

Related Articles

Back to top button