حيرة الناقد المسرحي بين التحليل الاكاديمي وأفق الابداع / د.عماد هادي الخفاجي

تظل حيرة الناقد المسرحي إحدى الإشكاليات الجوهرية في الحقل النقدي، خصوصا حين يجد نفسه إزاء عرض مسرحي لمخرج يتمتع بموهبة واضحة، لكنه قد لا يستوعب النقد الأكاديمي الموجه إليه، إما لانشغاله برؤيته الخاصة أو لابتعاده عن لغة التحليل النقدي المنهجية. وفي المقابل، قد يواجه الناقد مخرجا آخر يتخذ موقفا أكثر تحفظا تجاه النقد، حتى عندما يكون هذا النقد سعيا لتقويم التجربة واستجلاء مكامن التطوير فيها.
بين هذين النموذجين، يقف الناقد أمام معادلة دقيقة، فهو ينطلق من منهجية تحليلية تتناول بنية العرض وأبعاده الجمالية والتقنية وأثره على المتلقي، إلا أن استجابة المخرج قد تتفاوت بين الانفتاح على الرؤى النقدية والتفاعل معها، وبين التمسك برؤية ذاتية لا تتيح مجالا للحوار النقدي المثمر.
في هذا السياق، تتجلى أهمية النقد بوصفه جسرا للحوار بين الإبداع والتحليل، وبين التجربة المسرحية وإمكانات تطويرها، لان النقد المسرحي، في جوهره، ليس مجرد تفكيك للعمل أو تسليط الضوء على نقاط ضعفه، بل هو فعل ثقافي يعيد صياغة العلاقة بين الفنان والمتلقي، وبين النص والعرض، وبين الماضي والحاضر الفني، كما أنه مساحة لإعادة النظر في جماليات المسرح وتوجهاته الفكرية، مما يجعل منه جزءا أصيلا من تطور الحركة المسرحية لا مجرد انعكاس لها.
أما المخرج، فيتحمل مسؤولية كبرى في التفاعل مع النقد بوصفه أداة استكشافية تكشف أبعاد عمله الفنية، وليس حكما نهائيا على جودته أو قيمته، فالتاريخ المسرحي مليء بأمثلة لمخرجين استفادوا من النقد، لا ليعدلوا رؤاهم بالكامل، بل ليعيدوا صياغتها في سياقات أعمق وأكثر نضجا، وعليه، فإن العلاقة بين الناقد والمخرج ينبغي أن تكون علاقة تكاملية، يحكمها التفاعل البنّاء لا الصدام، والبحث عن آفاق جديدة للإبداع بدلا من الانغلاق داخل حدود التأويل الواحد، لان المسرح كفن حي متجدد لا يكتمل إلا بحوار مستمر بين المبدعين والنقاد والجمهور، حيث يتجاوز النقد دوره التقليدي في الحكم إلى دوره الأوسع في الإضاءة والاستكشاف، ليكون عنصرا محوريا في إثراء التجربة المسرحية ودفعها نحو آفاق جديدة من الإبداع والتجديد.