قراءة لعرض “لير يحاكم القدر” للفرقة القومية للتمثيل تاليف واخراح الفنان والكاتب منير راضي العبودي
كان الراحل الكبير الفنان الخالد ابراهيم جلال يقول:” أن العرض المسرحي بمثابة العرس للمخرج وللعاملين فيه”
ونحن نقول كلما تظافرت جهود الخيرين من اجل اضاءة جذوة من المعرفة والتسامي في الحضور الاخلاقي المهذب في خطاب المسرح الذي يوجه لقطاع مهم من شريحة المجتمع كلما كان عرسا يترك أثرا في الذاكرة .
لير يحاكم القدر المحنة التي تواجهها كمشاهد هي هل تتعامل معها كنص عالمي ترك اثر في ذاكرة المسرح العالمي والعربي والعراقي على وجه التحديد والحكاية المعروفة أم اضاءة لزوايا كثيمة ممكن الاستفادة منها كاسقاط حداثوي كما يسمونه, فالكاتب منير راضي الذي يجتهد كثيرا في الاختيار للموروث العالمي وينتقي منه افكاره الفلسفية ليعمق الشعور بزوايا قد تكون بمتناول اليد كما يقولون ولكن الحاجة الماسة لها كاسقاط موضوعي لما نعيش به في عالمنا الحديث . وليس بعيدا عنا تجربته في مسرحية (أنا ماكبث )التي تمت محاكمته باسقاط حداثوي لطيف ولكنه تمكن فيها من مزاوجة خزين معرفي من كلمات عبد الرحمن الشرقاوي وحوار المؤرخ..هنا يقول منير راضي ان الملك لير لم ياخذ وقتا طويلا لفهم مشقة وقهر عقوق الابناء وحتى بؤس الشعب الفقير وعندما صعد الى الجبل عاريا صدق تلك الكذبة التي صدقها وهي انه يستحق الحب لانه فقط لير الملك وليس الاب ,,هذه الزاوية التي لعب عليها منير راضي والتي اعتقد نجح فيها بجرس موسيقي جزل من لغة فخمة تحققت على لسان ممثليه منهم الرائع المتميز صاحب التجربة والخبرة في الصوت والالقاء (الممثل جاسم محمد), شاركه بالعب الموفق جدا الفنان الجميل (احمد محمد صالح) ومحافظتهم على الايقاع وعلى تثوير الحالة الانسانية بين الغضب والانفعال والعودة الى حوار العقل وهذا لم يكن يتحقق لولا محبة الممثلين لان يكونا افضل من يكون في تجسيد اللغة العربية في موسم دائرة السينما والمسرح لهذا العام
المساحة بين المؤلف والمخرج الاشكالية الوحيدة في هذا العرض .. اين المؤلف من المخرج (في كل الاعمال التي يقوم المؤلف بالاخراج للنص, ثمة حلقة مفقودة التي نطلق عليها خيال العقل الاخر) لسنا ضد ان يكون المؤلف مخرجا لنصه كونه يعرف كل المجسات التي يريد اضائتها والتاكيد عليها . ولكن في اعمال فيها كم من الافكار الفلسفية تحتاج لمخرج اخر قد يتفق مع المؤلف وقد يختلف وهي ظاهرة صحية لاعمال يكتبها الفنان منير راضي (وجهة نظر غير ملزمة بالطبع )
نعود الى التمثيل كلما كان الممثل حاذقا يتحمل مسؤولية الحرف ومخارج الحروف وطريقة ايصال المعنى وتلك لعمري تجربة تستحق الوقوف عليها , ثمة حسنة قد نحسبها للمخرج باختيار زمن العبيدي واسراء ياسين وهاجر عماد ليغذي بهم خشبة المسرح العراقي بتجربة صعبة تعتمد الجسد ومخارج الحروف والاسترخاء في الحركة. كانت جهودهن وسعيهن للارتقاء بالعمل رغم التعب الذي ظهر عليهن وفقدان الايقاع في بعض المشاهد الا انهن سوف يشار لهن بالمستقبل كوجوه تستحق ان ياخذن مساحتهن المناسبة . كانتا رائعتين ولا ندري هل هذا تاثير المخرج ولمساته ام العدوى من الكبار جاسم محمد واحمد محمد صالح ..كانت سياحة جميلة في الحفاظ على تهيئة عرض يليق بكاتب ومخرج وكاست عمل متفاني كما علمت ابتداءً من السينوغرافي الرائد سهيل البياتي الذي اعاد بنا تجارب مسرحية واقعية بنكهة لذيذة للاسف لم يستفد منها المخرج , اقحام الرقص ومساحته لم تعطي تاثير كبير على مبنى النص واحداثه رغم جمالية الرقصة(كرقصة) وهذه شهادة لمسلم علي ماري المدرب , اختيار الموسيقى وتنفيذها كان جميل وداعم للكثير من المشاهد (هشام عبد الرحمن وحسين زنكنة),,الاضاءة ليس فيها شيء يدعونا ان نقول كانت جيدة ؟
تحية لكل العاملين في هذا العرس الثقافي وعلى راس الهرم المخرج المؤلف الذي استطاع ان يمسك بخيوط اللعبة دون ان يكون هناك ترهل او ملل الا في بعض المشاهد وتحية لجاسم محمد وزميله احمد محمد صالح لهذا الانضباط العالي والاسترخاء حتى نهاية العرض .نامل ان تكون التجارب القادمة اكثر تفائل كما فعلها المخرج مع (كورديليا ) في نهاية العرض .
د. عزيز جبر الساعدي / العراق