في العصر الرقمي الذي بات فيه التطور التكنولوجي جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، يثير استخدام التقنيات الرقمية في المسرح تساؤلات وقلقا لدى بعض المسرحيين والجماهير، يُعزى هذا القلق في جزء كبير منه إلى عدم التمييز بين ما يُعرف بالمسرح الرقمي ومسرح التقنيات الرقمية، ولفهم هذه المخاوف ومعالجتها، من المهم تسليط الضوء على الفرق بينهما واستكشاف كيفية تسخير التقنيات الرقمية لتعزيز التجربة المسرحية بدلاً من تهميشها.
المسرح الرقمي يقوم على استخدام البرمجيات والذكاء الاصطناعي بشكل يغلب عليه الطابع التكنولوجي البحت، حيث يمكن أن يؤدي إلى تقليص أو إلغاء الدور البشري التقليدي للممثل، وفي هذا النوع من العروض، يتم الاعتماد على الشاشات والرسوم المتحركة والممثل الرقمي عوضا عن التفاعل الحي بين الممثل الحقيقي والجمهور، مما قد يُفقد العرض جوهره الإنساني وروحه الحية، وعلى العكس من ذلك، يُعد مسرح التقنيات الرقمية نموذجا مختلفا تماما، حيث يتم توظيف التكنولوجيا كأداة مساعدة لتعزيز حضور الممثل ودعم عناصر العرض المسرحي وهنا يبقى الممثل هو العنصر المحوري الذي تدور حوله جميع مكونات العرض، وتُستخدم التقنيات مثل الإضاءة الذكية، الإسقاطات البصرية، والمؤثرات الصوتية لإثراء الأداء المسرحي وإضفاء أبعاد إبداعية جديدة عليه.
ومع ذلك، هناك مخاوف قائمة بشأن إدخال هذه التقنيات إلى المسرح، بعضها مبرر والبعض الآخر غير مبرر، فالخوف المبرر ينبع من تجارب لم تُدمج فيها التكنولوجيا بشكل مدروس، مما أدى إلى طغيان الجانب البصري على الأداء الفني وإضعاف جوهر المسرح، أما الخوف غير المبرر فيرتبط بالرفض الفوري للتغيير، حيث يُنظر إلى التكنولوجيا كتهديد لتراث مسرحي يمتد لقرون.
ولتجاوز هذه المخاوف، يجب النظر إلى مسرح التقنيات الرقمية كوسيلة لتطوير اللغة المسرحية التقليدية وليس كبديل عنها، بحيث يمكن تحقيق التوازن بين الأداء الحي والتكنولوجيا من خلال تدريب المسرحيين على استخدام التقنيات بشكل مدروس ومبتكر، مع الحفاظ على دور الممثل كقائد أساسي للعمل المسرحي.
إذن فمسرح التقنيات الرقمية هو فرصة لفتح آفاق جديدة للفن المسرحي، حيث تتيح التكنولوجيا للمسرح أن يتطور دون أن يفقد طبيعته الحية، فضلا على ان الممثل سيظل دائما القلب النابض للعمل المسرحي، فيما تبقى التقنيات وسيلة لتعميق الأثر الفني وتوسيع حدود الإبداع.