يعد الحوار الداخلي عنصرا مساعدا لعناصر أي منجز إبداعي كونه مرآة العقل، ونافذة تطل على بواطن الشخصية وخفاياها، وما يدور من أفكار ووجهات نظر، أعتقد أن زمان (تكلم كي أعرفك) انتهى، لأن الشر أمتلك إمكانية الكلام والحجاج، وتسلح بالمنطق والبيان أكثر من الخير نفسه.
الحوار الداخلي هو الميدان الحقيقي لقراءة العمق الإنساني، والكشف عن العوالم الروحية، والمستوى الفكري والثقافي.
البحث في نص مسرحية الوثوب إلى القلب للكاتب “شوقي كريم حسن” تنقل معاناة سجين في سجون مديريات أمن الدولة، وأدركت أن العمل عبارة عن انثيالات سجين مع نفسه، تعاملت مع النص على أنه من نصوص المونودراما، رغم وجود شخصية، أخرى تلك محنة القراءة، في حوار خاص مع الكاتب قال:
ـ (إن هذا النص هو من فترة السجن، وأظن أن بدايتها كانت عبارة عن شخصية واحدة تعاني من أزمات مختلفة، ولا يمكن تفريقها، لكني عملت إلى التشظية حتى يمكنني دفع كمية الأزمات وكلها نفسية إلى أن تتحول إلى أفعال درامية) كونه يعمل على سبر أغوار الشخصية ولا يقف عند الخارج من الأفعال، لهذا كان الصراع داخليا، ومثل هذا الصراع يبحث في أعماق الذات، تارة يسال ما الذي يمكن أن أسيطر عليه وسط وحدتي المشاكسة؟، وتكثر الأسئلة كيف؟ وما معنى؟ ولم أنا دون سواي الذي صح عليه أن يدفع الثمن؟ وتارة يخاطب الأثمان التي تأخذ أعمارنا بديلا لوهم، وصمت يخاطب الوحشة التي تغادر الأفكار، ومن ماذا تتخلص؟ ولأجل ماذا؟ وليس ثمة باب يوصلك إلى الحقيقة مثل ما تريد، ويخاطب الصمت والخطوات ويخاطب الضوء، أتراك تسلك لترى أم لتشمت؟
وتنفتح حوارات الداخل إلى لا حدود وإنما في حراك ذهني ونفسي (المونولوج) يكشف خبايا فكرة.
وليكشف جوهر الشخصية، تشظيات تقذف هما يدور في داخله الإنساني، ويخاطب الجدار
ــ اعتذر أيها السيد الجدار، أنا جدًا آسف، كان علي أن أعرف أن الأحلام تكره الظلمة، لذا تغادر أوكار الراس.
الحوار الداخلي عملية ذهنية تعرض المتلقي بماض الشخصية وحضورها عبر الوعي الباطني حتى يصل الأمر أن يكون هو المرسل والمتلقي عبر المرحلة التي نوه عنها الكاتب، ربما كان علينا أن نتحدث عن مستويات الوعي عبر استحضار هامش من هوامش التاريخ قادر على منح الحوار قيمة أبعد من محتواها.
فهو يخاطب الجدار بعبارات (يحكي أيها الجدار السعيد، ذا الرأي الرشيد، الذي يعرف كل الأشياء عن الوجع والبلاء)
ميزة الكاتب “شوقي كريم حسن” إنه يشتغل دائما على تيار الوعي (أولا) يشرك بين الشخصية وذات الكاتب، ليمثل الحميمية والصدق والبوح و(الثاني) يعمل على الهم الخاص للتعبير عن الهم العام، هناك جدران/أبواب/صراخ/مغاليق/أقدام حرس/ (وثالثا) يسأل ويجيب هو عن أسئلته، ينصهر في منطق الآخر، تشابه الألم، الإحساس، المشاعر، هو يمتلك أفكارا
ـ لا بد أن تكّون عن كل ما يحيط بك، فقط نفسك هي التي يجب أن لا تبتعد.
في حال يتحمس هو الآخر إذ يعتبرها أفكارا غريبة ويعيد السؤال بوجه آخر
ـ كيف يمكن للإنسان أن يتخلى عن وجوده؟
كيف يمكن تحقيق ذاته؟ إن لم تكن ثمة ذوات تناصره وتقف إياه في معانٍ للأخذ والعطاء،
اغلب تلك الحوارات الداخلية تكون على محورين الأول ارتجاع فني يتحدث عن الماضي ويتجاوز بأفعال مستقبلية
ـ أرى أن العجز قد دمر في أعماقك إنسانك
ـ ما الذي يريده الإنسان أكثر من عيش رغيد وأمان وليال هنية
ليعود بالشخصية إلى الماضي لغرض إلقاء الضوء على أحداثهم، معتمدا على الذاكرة فالماضي هو الحرب، والحاضر هو السجن، والغد هو البحث عنه بين الميادين والسجون، ويتحقق هذا الاسترجاع عبر الحالات الانتقالية التي جعلت من تلك السجون الوجه الآخر للحرب ويضمن الانفعال حقيقة الموقف من انطباعات الذاكرة الواعية، وقوة الملاحظة، والحضور البارز لبعض المفردات الحادة مثل: الخوف، الرعب.
ـ الخوف كلمة لا تكفي، ونحن نعيش بين أحضان هذا الرعب.
القضية، ليس سردا ماضويا بقدر ما هو استنهاض مشاعر.
النص عبارة عن مذكرة تسجل كل هذا السن عبر شعرية تكوين الجملة، (حقائق عمياء/توقف الحديد عن النطق/ قمت احتجاجا)
ومع هذا العنف في الحوارات الداخلية، إلا أنه لم ينس الأحلام، المجال الخصم لاستنطاق الدواخل النفسية، والهواجس، والرؤى.
الحلم حوار داخلي، فكرة، صورة ذهنية تصور مشاعر وحوافز العقل الباطني.
ـ ومادام الله موجودا ومؤكد وجوده فلم هذه الذنوب التي تتكاثر كل يوم؟ لم هذه الشرور والآثام؟ أو لم يعد الإنسان يخاف الله؟
لكي يقترف كل هذه الجرائم البشعة، يعني لنا إن حلم “شوقي كريم حسن” هو استثمار الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وعدم الاكتفاء بالكلام، الإيمان يعصم الإنسان عن الذنب، هو يحلم بمجتمع لا تنبض فيه الشرور والآثام، يحلم بمجتمع يخاف الله سبحانه، ويستغرب كيف يؤمن الإنسان بوجود الله، ويقترف كل تلك الجرائم البشعة؟ يحلم أن لا يكون الإنسان شيطانا، الحلم يرتبط بالحياة الشخصية، بسر ما يحدث خلف الثكنات، مع التركيز على مساحات الصمت المريعة التي لها دور في بعث القلق والتوجس.
ـ الله سبحانه أضاء لنا الدرب فعرفت، وازدادت معرفتي إيمانا بحقيقة الإنسان.
اشتغل النص على الحوار الداخلي، فاختار المفردات، والصور، والأفكار بوعي، فكان نصا مسرحيا مؤثرا.