تأتي خطوة إعداد الهياكل في أي مؤسسة في سلم التخطيط في مرحلة لاحقة.. إذ تكون الصورة التدريجية العامة بالشكل التالي:
- الرؤيـة.
- الأهـداف.
- الإحـراءات والهيكلـة.
- التقويــم.
مع الاختلاف الطفيف بين شكل وآخر من أشكال التخطيط للنموذج الذي طرحناه.
ولذلك عندما نتحدث عن الهيكلة التنظيمية للمسارح في هذه الندوة فإننا يجب أن نتعدى بديهية المراحل الأولى من التخطيط للمنشأة المسرحية، وإلا فلا ينبغي الخوض في التنظيم الهيكلي بلا رؤية ولا أهداف واضحة. ولذا أرى أن أبني الطرح على أساس وجود قاعدة رؤيوية واضحة للمنظمة المسرحية وبالتالي نقيم وضع الهيكلة وشكلها المطلوب.
وفي الواقع الذي نلمسه في مؤسساتنا المسرحية تتلاطم أمامنا صورة غامضة لطبيعة هوية المسارح العربية والخليجية بشكل أخص مع احترامنا لكل الجهود المبذولة.
ففي الواقع تحاول معظم المسارح أن تطرح كل ما في جعبتها من فنون المسرح لترضي جميع الأذواق والثقافات والأعمار، فنجد المسرح يخوض مرة في التجريب وأخرى في الكوميديا التجارية وأخرى في مسرح الطفل وأخرى في مسرح الشارع وأخرى وأخرى.
فهل المطلوب من كل المؤسسات المسرحية أن تفعل كل شيء في فن المسرح نوعا وكما؟ وكأننا نحن من سينقذ العالم من كل شيء؟
هذا المنظور هو الذي يدفع مؤسساتنا المسرحية إلى أن تضع خططها على أساس التنوع والتصدي لكل الفنون المسرحية فتقتحم ميادين مسرح المهرجانات والمناسبات والأعياد والصيف والربيع والإجازات ويتصدى المخرج الواحد لأكثر من نوع بثقة كبيرة، وكأن لمهم أن نسد الفراغ!!
وبالتالي تقوم المسارح بتنظيم هياكلها المسرحية على أساس التنظيم الإداري البحت بغض النظر عن الرؤية الصلبة والتي غالبا ما تكون غائبة عن المسرح، فهناك لجان متعددة لتنظيم الحالة الإدارية وليس الحالة الفكرية، فنؤسس لجانا للتدريب ولجانا للثقافة ولجانا للعضوية ولجانا لمشاهدة العروض وتقييم النصوص ومسرح الطفل وغيرها، والسؤال على ماذا تم بناء كل تلك اللجان؟
وأرى أنه من المهم الرجوع إلى ما كتبه محمود الماجري في كتاب “مسارات نحت الذات في المسرح التونسي” أو “مغامرة الفعل المسرحي في تونس” لمحمد المديوني، لنقرأ ذلك العمق التقييمي لشكل المسرح وتطوره وترقيه.
وحتى نضع الحروف على النقاط، سنحاول طرح العديد من الأسئلة وهي نفسها الخطوط التنظيمية التي نحاول الإسهام بها لبلورة شكل منظم للمؤسسة المسرحية.
مـا هـو حجـم المؤسسـة المسرحيــة؟
هل المؤسسة المسرحية هو مسرح وطني له موارده المادية والبشرية الضخمة أو هو مسرح أهلي ذو ميزانية صغيرة محدودة أو هو مؤسسة تجارية صغيرة الحجم بدون موارد مالية.
هذا السؤال مهم جدا، حيث أن العمل بقدر المتاح ذكاء وحكمة، ولا يعني ذلك التنازل عن الطموح، ولكن التركيز هنا له أهميته القصوى في طريقة الطرح والتسويق والتخصص. هناك مسارح تشتكي من ضعف الإمكانات ومع ذلك تريد العمل في كل شيء وفي كل المناسبات، ولذلك تتنازل عن طوحات كثيرة حتى يتم تقطيع الكعك لجميع المخرجين طول خطة السنة.
مـا هـو التوجـه الفنـي لمؤسســة؟
هل تتوجه المؤسسة للتجريب أو المسرح الجماهيري أو مسرح الطفل؟ والحقيقة أنه لا مانع من التنويع ولكن الأصل أن يرسم المسرح له الخط الأساس والأولوية لتوجه محدد تصب كل جهوده من أجله خاصة إذا كان المسرح محدود الإمكانات والموارد، فعندما نطالع المسارح الأوربية المميزة نشهد ظاهرة التخصص لديها بشكل بارز جدا، فهناك مسارح الشارع ومسرح للتجريب ومسرح العرائس ومسرح صامت، بل لإن هناك مسارح متخصصة في فن “مسرح الأصابع” Finger theatre فهل يوجد لدينا هذا الحس من التخصص، ولعل البعض يفضل كذلك أن يتخصص في ستانسلافسكي أو جروتوفسكي أو بريخت في المسرح الملحمي، أو مسرح آرتو وغيرهم، وإن كانت تلك المذاهب تم تجاوزها ودمجها وذوبانها مع غيرها، ومع احترامي لجميع مسارحنا في البحرين إلى أن أقرب المسارح لهذا الفكر هو مسرح الصواري الذي ظل صامدا على خط التخصص في مسرح التجريب من تأسيسه إلى الآن.
هـل هـو مسـرح هـاو أو متفـرغ محتـرف؟
هل ندرك حجم مشكلة التفرغ للمسرح كونه المصدر الأساس للفنان المسرحي ومصدر رزقه؟! نحن في العالم المشرقي والخليجي تحديدا نعيش حالة من الاستقرار الوظيفي يجعل الفن والمسرح في ثانوية أولوياتنا ولذلك لا يتفرغ الفنان المسرحي للمسرح كونه حياته ومصير رزقه، ولذلك يمارس المسرح للمناسبات والمهرجانات، ولا أعني بذلك التقليل من بعض التجارب المسرحية ولكن على مستوى تقييم مؤسساتنا المسرحية فإن العمل المبذول فيها لا يتجاوز شكل المؤسسات التطوعية غير المتفرغة. ومن المهم الرجوع لكتاب ” التمثيل خارج دائرة الاحتراف” لعوني كرومي.
هـل المسـرح يعمـل على ديمومـة المشـروع المسرحـي؟
ونعني بذلك العمل على تأسيس حالة مسرحية مستمرة طوال العام والأعوام وليس مشروع مسرحية تبدأ وتنتهي في موسم مسرحي واحد، فالمشروع المسرحي المتقدم هو ما نشهده في عدة مسارح عالمية وبعضها عربي في تطور الحالة المسرحية واستمراريتها ووصولها إلى العالمية بسبب هذه الميزة، وبرأيي المتواضع فإن الرواد لهذا الفكر في عالمنا العربي هم الفنانون التوانسة كالفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي مع تقديري لكل التجارب الأخرى التي لم أطلع عليها.
الخلاصــــة:
عندما نجيب على كل الأسئلة سندرك حجم التشتت الذي نقع فيه ونحن نرتب هياكلنا المسرحية ونعرف أننا غالبا ما نتوه في خارطة طريقنا المسرحي.
************************
* ملاحــظــة: هذا بحث أ. أحمد جاسم محمد الذي قدمه في الجلســة الثانية من اليوم الأول التي ناقشت موضوع ““البنية الهيكلية والإدارات والمرافق الرسمية للمسرح في دول مجلس التعاون” بالندوة الفكرية: «البنية الأساسية للمسرح في دول مجلس التعاون الخليجي» ضمن فعاليات الدورة 14 لمهرجان المسرح الخليجي التي احتضنها مدينة الرياض (10 ـ 17 سبتمبر 2024) ، وذلك يوم الخميس 12 سبتمبر 2024، بقاعة المؤتمرات (بإقامة المهرجان).