رحلة عبر دهاليز السلطة وعذابات رمسيس
صدر ضمن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة (سلسلة رقم 73) نص مسرحي”اشكون انت؟!” للكاتب المغربي المرموق محمد الأشعري.
تعد مسرحية”اشكون انت؟!” رحلة مُثيرة للتفكير عبر دهاليز السلطة وعذابات رمسيس بوصفه شخصية غامضة ومركبة. لقد صنّف الكاتب محمد بهجاجي في تقديمه للمسرحية هذه التجربة ضمن مسرح “البورتري” ذا الطابع الإشكالي، ذلك أن المسرحية مستوحاة من شخصيات السلطة التي تعيش الجنون المدمر، من أوديب (سوفوكل) وأوبو (ألفريد جاري) إلى رمسيس. تعتمد المسرحية على لعبة المرايا وتبادل الأدوار، وتُقدم تحليلاً جارحاً وهذياناً وسجالاً ذكياً بسخرية سوداء.
استخدم الأشعري تقنيات تجريبية مُختلفة عن مسرحيته السابقة “العيون الزجاجية”، مستلهما تقنيات كتابة النص المسرحي المعاصر. تُثير المسرحية تساؤلات حول مصير رمسيس، تاركةً النهاية مفتوحةً للتأويل. هل مات رمسيس حقًا؟
محمد الأشعري، الذي يُعدّ من أبرز الأصوات الشعرية في المغرب، له العديد من الأعمال الإبداعية، تشمل دواوين شعرية ومجموعة قصصية ورواية “القوس والفراشة” التي فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011. شغل الأشعري منصب وزير الثقافة في المغرب من 1998 إلى 2007، وله مساهمات بارزة في الحراك الثقافي العربي والمغربي بخاصة.
تُعدّ مسرحية “اشكون انت؟!” تجربة فنية مُثيرة للتفكير، تُعيد النظر في شخصية رمسيس وتُسلّط الضوء على عذابات السلطة ونهاياتها ومآلاتها التعيسة.
للإشارة، قدمت فرقة “مسرح أفروديت” سنة 2012 مسرحية “شكون انت؟!” لمحمد الأشعري، وقد شكلت الورقة التي أعدها الكاتب عبد الكريم الجويطي جوهر تصور إخراج العمل، ف«عبر لعبة مرايا وتبادل للأدوار ومن خلال التحليل الجارح والهذيان والسجال الذكي وبسخرية سوداء تضعنا مسرحية ” شكون أنت؟! أمام بورتريه لشخصية رمسيس الغامضة المركبة، إنه فرعون صغير خبر وتدرج في الدهاليز المظلمة للحكم، وتمكن من أن يحول لفترة زمنية طويلة حياة الآخرين إلى جحيم دون أن يفلت من مكر التاريخ الذي يجعل من الوحش الماسك بالسلطة الظالمة أول ضحاياها، إنه الخواء العظيم لرجل أدى بإتقان مشهود دور الجلاد والمخبر والمنظر لدروب إذلال أمة برمتها، والبارشوك، والمنفس، والفزاعة، والموضوع الأثير للكراهية الوطنية لعقدين، وصاغ على هوى سيده وهواه مصير وطن في أدق تفاصيله. “حياة مرونة في كارطونة” كما ورد في المسرحية، ولعل هذه الكرطونة هي المسرحية نفسها. تلتقط المسرحية بالأساس هذيان وتنطع رمسيس وهو يوشك أن يضيع في العتمة ورغبته في أن يتحول إلى أسطورة. إنها مسرحية التخوم، والنهايات التعيسة، مسرحية العذاب والفصام ومطاردة الضحايا لجلادهم. ولكن هل مات رمسيس حقا؟!»
هكذا يزاوج الأشعري في نصه المسرحي بين مستويات متعددة في اللغة، حيثالمراوحة بين المونولوغ المسرحي والحوار. بين الأنا ومتاهاتها. بين تماسك بنية النص وتصدع شخصيات ذاهبة إلى حتفها. ذلك أن النص يتيح إمكانيات خلق ديناميات متعددة داخل العرض المسرحي عبر بناء مشاهد متنوعة تستقي قوتها التعبيرية من تعدد هذه المستويات. ليتحول الاشتغال على النص إلى اشتغال على وحدات داخل النص كمشاهد تأويلية لمجموع الحالات والمواقف التي يقدمها. ولاعتبارات الخيارات الفنية التي تم اعتمادها، فإن الجانب البصري والتشكيلي أساسي في الصياغة الفنية للفرجة يقود إلى جعل العرض المسرحي مشروعا سيميائيا منفتحا على القراءات المتعددة. إلى درجة تذويب الخصوصية المحلية والسياق التاريخي للأحداث عبر الانفتاح على ما قد يكون كونيا. ذلك أن المؤلف في الظاهر ينطلق مما هو محلي بينما في العمق ينشغل بما يهم الإنسانية المعاصرة بعيدا عن حدود جماعة أو وطن.