لعل الكتابة في المنظومة الادائية تشتط بنا إلى تجارب كان لها حضورا طاغيا في مشهد الوعي والذاكرة السوسيولوجية، تجارب كان لها حضورها النخبوي، ما يجعل من التأثيث للمقاربات امرا لا مفر منه ازاء غياب المحكات التي تمكن المختص من الغوص في أبجديات النقد المبني على القواعد الفنية والجمالية ما يجعل السياحة الجمالية المعرفية محكومة بالتداولية في تنميط القواعد التجسيدية للرؤى المرتبطة بالموضوعة الفنية التي تحتاج الى منبهات غير اعتيادية لبثها واثبات وجودها وصولا الى هدف الرقي بالذائقة الجمعية للمتلقي على المستوى الوجداني والمعرفي افقيا وعلى المستوى الفني والجمالي عموديا. ولعل الحديث هنا يبرز شخصية فنية فرضت نفسها بروح شمولية على المشهد الفينومينولوجي الاجتماعي بوعي وقدرات قل نظيرها (على مستوى الاداء الصوتي والاداء الجسدي ) تاركا الفاعلية التأويلية تسهم في تفعيل القدرة على بناء منظومة ذوقية جمالية لدى المتلقي والتي تستحق ان تستوعب الواقع باعتباره نمطا تشخيصيا يستند اليه في تحقيق المفاضلة بين التجارب المرافقة، انها شخصية الفنان (الدكتور احسان دعدوش) ذلك الدرامي الذي سبر غور كل الصيغ الدرامية البصرية والسمعية في سعيه الحثيث لدعم وتعزيز المعاني واثراء العاطفة عبر توظيف الدهشة من خلال الدقة العالية في التصوير لخلق واقع أكثر فاعلية وتأثيرا بالمتلقي وبمنطق سوبريالي يعتمد الفن من الناس والى الناس بحرية تلامس المنهجية الواقعية تارة وتتأطر بالشكل الغروتسكي تارة اخرى في ابداعية تتخلق من هارمونية التناقض التي تجتمع في بيئة درامية واحدة (حامض حلو انموذجا) والتي تشكل حالة تغريبية تعدد فيها الصور الشكلانية والادائية وبما تسمح للمجاز والفعل التغريبي ان يفعل فعله التأويلي في ذاكرة المتلقي مادته تلك المفردات والصور الحياتية البسيطة وبما يجعل المتخصص في حراك ومماحكة مفاهيمية لتفسير مواطن الابداع لديه .. ذلك الاداء المفعم والمشحون بالتنوع والثراء. بمعنى القدرة المبدعة على توظيف تقنيات ووسائل الاداء الكوميدي، فعلى مستوى (المبالغة) تراه يتعامل مع مفردات بسيطة لكنه يصنع منها هما دراميا كبيرا في مبالغة منهجية تعكس الدراية والحرفة وبطريقة مقنعة. اما بالنسبة الى (التكرار) فانه يشعرك بالرضا والقبول بهذا النمط الايقاعي على صعيد الكلمة والحركة والموقف، وفيما يتعلق باستخدام (الطرفة) فعلى الرغم من كون المنطق الكوميدي يجعل من استخدام الطرفة نمطا مقصودا لإضحاك المتلقي, الا ان (دعدوش) يجعل من الطرفة قضية يحاكم من خلالها اثرا مكانيا او زمانيا او حدثا يحمل بين جنباته لاشعورا جمعيا يتغلغل في داخل النفس لا يخلو من تناقضات في الإحداث وكسر للتوقعات تجعل المتلقي يمارس النكوص بحتمية وفعل النشوة من الاستذكار، وفيما يتعلق (بالتناقض) فلعلنا اقرب الى تلمس عدد الشخصيات وتنوعها ومؤطراتها التي تشتمل الصوت واللفظ والتقطيع والحركة.. الخ والتي تكشف لنا تقديم موقفين وسلوكين يعاكس أحدهما الأخر. اما بخصوص (التهكم) فليس هناك اروع من تحولات الاداء وضروراته التي تحيلنا الى الشخصية وابداعية تمكينها من قبله وكذا الامر الى ما يخص توظيف (التورية) التي تتضمن الاشتغال على منطقة والبقصد فيها منطقة اخرى وهو امر يميز الغالب الاعم من الاداء الدرامي للشخصيات التي قدمها ( الدكتور احسان دعدوش )
بقي ان نشير الى (اللفظ ) كمنظومة ادائية صوتية تتكشف فيها القدرة الابداعية له في هذا التلوين اللفظي العجيب الذي يجيده في تقديم شخصيات ( عبو ) ( ابو كرش ) ( المطيرجي ) ( الحلاق ) ( سعدون ) والعشرات من الشخصيات التي قدمها دعدوش باطار صوتي لفظي اجزم ان غيره لن يتمكن منها، حيث قدم ( التشابه ، الثرثرة ، التلاعب بالالفاظ ، قلب الالفاظ ، الزيادة ، النقصان .. الخ
استخدم (دعدوش) كل الامكانات الصوتية ليعبر عن الحالات النفسية والانفعالية والاجتماعية للشخصية في مراحلها المختلفة وفي مشاهد مختلفة، (الشخص العنيف) (الصوت المتردد المتقطع الضعيف) (الصوت المرح الواثق)(الصوت الحماسي السريع) الصوت الهامس) ( الهادي جدا)
لم يقف ( دعدوش ) عند حدود تجسيد كل هذه الأبعاد بمستوى مهاري تقني عل بدرجة عالية باستخدام الصوت وتكنيك الجسد والاحساس ولكنه أضاف روحاً مرحة لكل شخصية باغت بها المتلقي فضلا عن التأثير الكوميدي، فتراه يفكر في الشخصية بكل أبعادها الجسدية والنفسية والاجتماعية وكل تفاصيلها لدرجة انه أصبح يعطي الكثير من المشاعر والتفاصيل البسيطة للشخصية بشكل تلقائي ومتسق تمام مع الشخصية ومع مراحل تطورها. محبات لهذا الصرح الاكاديمي الجميل والذي يستفز فينا كل سهل ممتنع .( تم اقباس تقنيات الاداء الكوميدي من هذيان موضوعي للاخ العزيز د. كريم خنجر )