لست بمعرض التحليل وتصنيف المعطيات ومحاولات إعادة تركيب بنية العمل المسرحي وإدماجها في فورمات لكي تكون على مقربة من الادراك العام، انما انا معني بالمسح البصري للايقونات المشهدية والسينوغرافية التي فرضت نفسها في اتون اطارات تختزل قصصا بثتها مجموعة القافات التي هزت المبني والراسخ في الوجدان واقتلعت منه جذور المكنون المتأصل بالرضا عما كان ابان عسرة المخاض والنزيف الفكري والمستمر ضمن صيرورة عقدة التسلط والانوية ومركبات النقص البشري التي تستفحل تبعا لتحول الذات الى الروبوتية والفعل الآلي، لقد الهمنا مهندس ثورة الذات وجلادها ( د. ياسين الكعبي) كيفية بث الحياة الجديدة للمنجز المسرحي وتقريبه من المتلقي عبر حرفية تشغيل الادوات في محترف صناعة الجمال، وحرك فينا البحث عن نقاط التوافق والاختلاف في تجاذبات احاسيسنا وافتراقها ودمجها في بنائية افتراضية تؤسس لمدرسة واتجاه فكري مليء بالتساؤلات والحيرة في سبيل إعادة إنتاج صيغ أخرى للسلوك تتوافق مع المخبوء بفعل التحريك الذاتي وليس بفعل ارادة وجبروت السلطة.
لقد صنع من خلال مجاميع الحكاية مركبا معقدا خلط بتداخلية هارمونية كل العناصر اللسانية (النصية) والسميائية (الفرجة المشهدية) والصوتية (اللفظية والموسيقية).
اولا: المقاربة اللسانية:
لقد تجاوزت جمل وتراكيب النص كل آليات التواصل بالتوظيف التداولي لبعض المفردات، وشكلت عملية نسج مفرداته تسلسلا مرتبطا بالزمن ومنطق الأحداث ليشكل عن سبق اصرار (الأصل في بناء العرض المسرحي).
وليس اجمل من توليف المقتبس مع التأليف مع المسموع ليصبح كسيناريو من النصوص المركبة، التي يضاف إليها ارتجال الممثلين انطلاقا من فكرة مسبقة ربما كان متفقا عليها، وبحق فلقد كان النص مقاربة ادبية جمعتها حرفة النص باختلاف توجهاتها (الكلاسيكية، السوسيولوجية، السيكولوجية، اللسانية)
ثانيا: المقاربة السيميائية.
يتوجب مقاربة العرض المسرحي من خلال ما تراه العين.
فالديكور كان ضروريا للعرض وقد الغى فرضية العنصر الزائد. لكونه كان فعالا ووظيفيا طيلة مديات التجلي والهذيان الذي امتد قرابة التسعين دقيقة وحركة الممثلين بينت روعة التزامنية مع الحوار وتتبعه في كل الفضاء ولقد تجسد الابهار بأوج عظمته في لعب الممثلين وتفاعلهم مع الخطاب العام والهمهمات التي يصدرونها، ومدى تفاعلهم مع الشخصيات التي يؤدونها ومدى تقمصهم لهذه الشخصيات ومدى التعبيرية الجسدية التي يظهرونها وقدرتهم على ضبط لحظات الكلام والصمت، ووقت الحركة والوقوف ومدى تناغم وتجاوب الممثلين فيما بينهم.
اما الاضاءة فكان يمكن أن تلعب دورا مهما، في تشكيل السينوغرافيا سيما وان العرض كان تجريبيا بامتياز، وكان من الممكن الانتباه الى تركيبها، ألوانها قوتها و بشكل أدق الانتباه إلى ثنائية الضوء والظل ومدى تأثيرها في الملمح المعروض غير ان هناك حاجة لتطويرها وتعميق الدربة على بقها وتشضياتها في الفضاء المسرحي.
ثالثا : المقاربة الصوتية:
ليس من شك ان الاصوات تلعب دورا مهما اضفاء التعبيرية اللازمة لمضمون الخطاب المسرحي. من حيث الالقاء وفصاحة الاداء الصوتي من حيث مخارج الحروف وضبط النطق بالكلمات ومدى ضبط المقاطع الجملية مع المضمون المعبر عنه. والالقاء والتلوين لكونه يساهم في التعبير عن الحالات النفسية المختلفة. لقد كان صوت كل ممثل يعكس جوهريته، وتماثله مع الشخصية المقدمة. اما الاداءات الجماعية، فقد ابهرنا كونها متناسقة بروعة، علاقتها مع مضمون العمل المسرحي ككل، اما الموسيقى وارتباطها بالعرض وتطوره، فقد اسهمت في تشكيل الفرجة المسرحية، لم تترك لنا فرصة الا وقد قد عمدتها بالدموع.
اركان واعمدة الابهار المسرحي (د. شذى سالم – خالد احمد مصطفى – مازن مصطفى ) مشخصون، محترفون رواة وشواهد على العصر احياء. كبار، تجارب فنية تستحق ان ينحت لها تماثيل تتزين بها اروقة المنهج الاكاديمي التجريبي، فراشات سلام وابداع.
مجاميع الفرح القادم من اقاصي كلية الفنون طلبة التربية الفنية، ذلك المصنع الذي ارسى دعائمه. د. ياسين عبر ورشته ومحترفه المسرحي الكبير الذي يستحق ان يتم تناول افاقه في اطروحة دكتوراه، مجاميع خلدت لنفسها البنية الهندسية واستطاعت ان تحقق التوازن بين الضغط العمودي الذي يظهر في اتقانها الهائل للشكل. وبين التدفق الأفقي للاداء الفردي وراقت لي اداءاتهم المتجسدة في قالب رقصة المينويت الأنيقة السريعة وحين تفاجؤنا بلحن غاضب عنيف من خلال حركاتها المبهرة . محبات الى د. ياسين الرائع لمساهمته في تطهيرذواتنا عبر سيمفونية الوجع التي عزفها اساطين كلية الفنون الجميلة.