قُدِّمت مسرحيَّة “غدا…وهناك” ضِمن فعاليَّات مهرجان الهيئة العربيَّة للمسرح (الدورة14)، دراماتورج مريم السوفي، ومن إخراج التونسي نعمان حمدة الذي يتميَّز باشتغاله على العروض المسرحيَّة حداثية الطابع.
تدور أحداث قِصَّة المسرحيَّة حول أشخاص كانوا مدعوين لحضور احتفالٍ بعيد ميلاد، وعندما التقوا في الحفل اكتشفوا أنَّهم أصدقاء منذ زمن، إلَّا أنَّ الغريب أنَّهم لا يعرفون بعضهم بعضًا… رغم أنَّهم أصدقاء ويعرفون بعضهم بعضًا…وفي المكان المتوقع للحفل… إلَّا أنَّهم ظلوا يشعرون بالغُربة وحالة نفسيَّة واجتماعيَّة، ويعيشون حالة الانفصال وهم غير قادرين على التَّواصُل الجسديّ أو البصريّ أو الاجتماعيّ، وأنَّ هناك جدارًا وهميًّا يفصل بينهم.
كان الممثِّلون”يتمسرحون” في أداء أدوارهم دون اندماج؛ فكل ممثِّل له استقلاليَّته في الفضاء المسرحيّ الممتد…وكان للإضاءة دور مهم لمتابعة (الممثِّل) وسط الفضاء المُتَّشح بالسَّواد… وكان الممثلون هم أبطال العرض…دون ملاحظة أنَّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين الممثِّلين؛ فالأداء التَّمثيلي يسير في خطوطٍ متوازية، تسهم دون اندماج الممثِّلين في أدوارهم.
إنْ كسر تابوه المسرح التقليديّ، والبحث عن أشكال جديدة تتمرَّد على المألوف يُعدُّان من ملامح مسرح الجعايبيّ التجريبيّ، وظهرت (الإضاءة) كمحورٍ مهمٍّ لتحريك الممثِّلين، الذين كانوا يؤدُّون أدوارهم بأسلوبٍ تمثيليٍّ راقص… بأسلوبٍ حداثيٍّ، يكسر المألوف، ويقدِّم رؤيةً بصريَّةً ترتكز على الفعل من خلال الاعتماد على الممثِّلين، والابتعاد عن الدِّيكورات المعتادة.
تميَّز العرض المسرحيُّ بوجود جماليَّاتٍ على امتداد الفضاء المسرحيّ، إذ تمكَّن المخرج حمد من استغلال “عمق المسرح” حيث شاهدنا فلول مجموعةٍ من الممثِّلين يتمركزون في عمق المسرح، ويجوبون المسرح ذهابًا وإيابًا، وفق رؤيةٍ جماليَّةٍ استعراضيَّة، تقترب من آفاق الرُّؤية السينمائيَّة…احتوى العرض على دلالاتٍ عديدةٍ عبَّرت عن واقع الإنسان المعاصر الذي يعيش في حالة انفصالٍ عن ذاته؛ فرغم وجود النَّاس حوله، فإنه ظلَّ يشعر بالغُربة.
عانى العرض من الإسهاب والحوارات السَّرديَّة الطويلة التي جعلت مُدَّة العرض تطول، فيما افتقرت بعض الحوارات إلى التكثيف الذي يتناسب مع حداثة الطَّرح والأداء التَّمثيليّ الرَّاقص، إضافةً إلى تعبيريَّة الأداء التي سبرت عوالم الشَّخصيَّات الدَّاخليَّة، كذلك ظهور “الإضاءة” التي كانت ترافقها وسط الظَّلام الذي ساد المنصَّة، مع استمرار تدفُّق الحوار السَّرديّ للحديث عن حياة المدعوين وتفاصيل حياتهم وإحساسهم بالغُربة…للتعبير عن حياتهم وأنَّهم يعانون من العُزلة والغُربة الذاتيَّة.