استطلاع وتحقيق الصحفي وضمنه التقرير الصحفي
عن المهرجان الوطني للمسرح الدورة 23، تطوان
1ـ استهلال مدخلي:
في رأي أن المهرجان الوطني للمسرح يصل الآن إلى مرحلة التقييم نحو التقويم الحقيقي، سيما وقد قطع ربع قرن من سيرته ومسيرته، هذا وبحكم انتمائي بقوة الحضور والتتبع والانتماء إلى الجسم الفني والمسرحي تحديدا على عدة مستويات، كممارس وفاعل وإعلامي ومتتبع ذكي، وعشت وعايشت بذلك مراحل فنية، وتعايشت مع مجايلات فنية، أصبحت فيها شاهد مرحلة من الداخل، تم بحكم حضوري للدورات الأولى المؤسسة للمهرجان الوطني بمكناس وباقي الدورات بشكل متقطع، لكن بتتبع إعلامي متواصل لأحداث المهرجان بدء من مكناس وصولا إلى مرحلة التحول بتطوان، لذلك وجدت نفسي ألجأ إلى إعداد هذا الاستطلاع والتحقيق الصحفي من مدخل التقرير الصحفي للدورة 23 من المهرجان، والتي أظهرت بملامح معينة وقوية أن المهرجان الوطني للمسرح مكسب وطني كبير ينظر إلى ذاته ويتطلع لاستمراريته الحقيقية.
2ـ زاوية المعالجة الإعلامية:
لمقاربة هذا المهرجان اخترت ثلاثي ممثل في أكبر الأجناس الإعلامية التي تتطلب خبرة وممارسة ميدانية، (الاستطلاع، التحقيق والتقرير الصحفي)، وسأبسط هنا لماذا اخترت هذه الثلاثي الإعلامي، التقرير الصحفي الذي يعتبر إخباريا في عموميته وهو عبارة عن بناء متكامل ومترابط الأجزاء له بناء داخلي منطقي يحكي عبر كرونولوجية وبذلك يشكل التقرير وحدة متكاملة بحيث يتعذر توضيح مضمونه دون أخذه ككل أو كوحدة متكاملة، وتوجد أربع أنواع من التقارير الصحفية، تقرير الأخبار، وهو مباشر يعتمد على مهارة المرسل وآلياته، وتقرير التحقيقات وعادة ما تكون هذه التقارير متأثرة بعامل الزمن الذي هو خاصية إعلامية لكن من الممكن أن تبعث فترة التحقيق ومن الخبر في الماضي، في علاقة مع زمن خبر شبيه أو له علاقة به ومن تم تكون أهمية تقرير التحقيق ولقائه مع تقرير الخبر، وهناك تقرير التحليل الذي يقدم رؤية متعمقة لحدث كبير مدعم بحقائق مؤكدة وحية تستعين بمراجع ومصادر ولا يعتمد هذا التحليل بالضرورة على رأي الأغلبية بل يعتمد ترافعا قد يقنع به الأغلبية، ويلج في هذا المجال حتى مقالات الرأي التي تعتمد التحليل والتقرير وحتى آليات التحقيق، لذا يقال عن مقالات الرأي أنها مشاريع للأجناس الإعلامية الكبرى.
ويأتي الاستطلاع الصحفي الذي يعد من القوالب الإعلامية التي تصف الأحداث والمجريات اليومية والراهنة وبأسلوب سرد يصور ويقرب المعنى لتصبح الأخبار قصة ورواية وكأن القارئ ينزل معك ميدانيا إلى عالم الاستطلاع لذا تبقى نهاية الاستطلاع مفتوحة، لأنه ينفتح على إشكالات أخرى تستدعي تتمة البحث والاستكشاف القضية أو القضايا التي سلط عليها الضوء من وجهة نظر صاحب الاستطلاع وزاويته، لتترك باقي الزوايا للآخرين، وبهذا يمارس الاستطلاع الصحفي مقاربة الإعلام الرصدي التوصيفي الذي ينطلق من خبر أو قد يحدث خبرا، واستطلاعنا التحقيقي يضم الجانبين معا لأن الحدث الثقافي الذي سنتناوله هنا والمتمثل في المهرجان الوطني للمسرح الذي يصل إلى عمر 25 سنة من خلال 23 دورة، والذي تنظمه وزارة الثقافة المغربية،يستحضر ثلاث أجناس إعلامية؛ إذ ينطلق من التقرير الصحفي نحو الاستطلاع والتحقيق الصحفي، هذه الأجناس الإعلامية التي تتعامل مع الخبر باختلاف الرؤى والتصورات على المستوى البنائي والإجرائي، مع استحضار الرأي والرأي الآخر والتقييم التقويمي، لمخاطبة الخبر أو التكامل معه أو البحث خلفه وبينه وأمامه وأحيانا زعزعة الخبر واستخراج الخبرية منه ومن خلفياته ومن محيطه ومن جوانبه، خدمة للخبر في آنيته وماضيه ومستقبله وعمقه وما أنتج وما سينتج.
3ـ بين يدي المهرجان الوطني للمسرح:
تأتي الدورة 23 من المهرجان الوطني للمسرح في مرحلة أواخر السنة، وهي المرحلة التي عرفت زحمة في تنظيم المهرجانات المحلية والجهوية والعربية والدولية خصوصا في الرقعة الوطنية وحتى الوطنية منها، على مستوى المسرح والسينما وبعض الفنون الرقمية وغيرها، ومبرر ذلك لكي يتم العد للدورة ولا تضيع زمانيا، لذا حددت الفترة الممتدة من 8 إلى 15 دجنبر 2023، لتنزيل هذا الدورة، في مدينة تطوان المستقر الثاني للمهرجان الوطني للمسرح والذي انطلق به منذ سنة 2015، مع الدورة 17 للمهرجان الوطني للمسرح.
تقول فلسفة المهرجان، أن هذا الحدث الثقافي الوطني يعد من ضمن استراتيجية الوزارة التي تهدف إلى دعم المسرح في إطار الصناعة الثقافية ودعم الكفاءات الفنية المنخرطة في هذا المجال على مدار العام، وكذا تشجيع ممارسة الفنون المسرحية في الأوساط الثقافية؛ لذا يعتبر المهرجان الوطني للمسرح الذي ينظم بتطوان أهم حدث مسرحي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل ـ قطاع الثقافة ـ مديرية الفنون بشراكة مع إقليم تطوان.
ولأن المهرجان الوطني للمسرح أصبح مكسبا للأجيال المسرحية الحالية والمستقبلية، نرى أن رهاناته الأتية ستكون أكبر؛ إذ من الممكن أن يتطور أكثر ليصبح مؤتمرا مسرحيا فوق العامة يؤسس للديبلوماسية الثقافية الموازية يحتفى به بالإبداع المسرحي والمبدعين من كل الأجيال وباجتهاداتهم ومنجزهم، ويصبح ملتقى للإبداع والإنتاج والصناعات الثقافية وهندستها والتداول ورسم خرائط للمستقبل، سيما وهناك تجارب بدأت تتأسس بفكر مختلف عن فعل المهرجانية إلى بناء المشهدية والتوثيق لتاريخانية متطورة للمسرح المغربي.
4ـ مقاربة المنجز المهرجاني، وفق الأجناس الإعلامية الثلاث:
راكم المهرجان الوطني للمسرح، الذي تنظمه وزارة الثقافة المغربية، مع تحولات الاسم وتغييراته مع عدة وزارات وصولا إلى مرحلة وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، حصيلة من المحطات، هذه المحطات التي تشخص لعدة تحولات سياسية وحكومية ومهنية وأساسا فنية وغيرها كما أنها تشخص لأحداث وواقع ونتائج وتقييمات للدورات السابقة، خلقت من خلاله تراكما يعتمد في التخطيط لمستقبل أفضل لهذا المهرجان؛ إذ مر المهرجان من عدة تجارب على جميع المستويات منذ التأسيس والانطلاق إلا الآن، كما مر تدبير شأنه منعدة فعاليات تمثل بشكل مباشر الجهة المسؤولة وزارة الثقافة وانتماءاتها الحزبية المختلفة يمينا ويسارا ووسطا وتكنوقراطا وغيره، كما مرت هذه الوزارة من التدبير الإداري لمسؤولين في مديرية الفنون وقسم المسرح برؤاهم وتصوراتهم وكفاءاتهم المتنوعة وخلفياتهم الثقافية وغيرها، ونفس الأمر يقال عن بعض المستشارين الفاعلين والمتفاعلين وغيرهم، الأمر الذي ورث فيه المهرجان مرافقين مهرجانيين انتهت مرحلة مسؤوليتهم ولم تنته مرحلة القرب من المهرجان بشكل من الأشكال؛ إذ في كل دورة يجدون أو توجد لهم مهمة وتأثير مباشر وغالبا غير مباشر؛ لذا حري بالمهرجان أن يجدد دمائه، كما تدعوا الضرورة الاهتمام أساسا بلجنة اختيار العروض وستبرر هذه المادة الصحفية المتداخلة الأجناس لماذا؟..
كل هذه المحطات بمكوناتها مورست خلالها مختلف التجارب والرؤى، ونزلت في محطاتها عدة إيديولوجيات من هنا ومن هناك من داخل التجربة ومن خارجها، تتقاطع مع مصلحيات والتزامات وتصورات أفراد وأحيانا جماعات، كما مرت التجربة من عدة حساسيات وتجارب وخلافات وتراكم خبرات، وحتى إخفاقات وأخطاء، وهذا أمر طبيعي كون التجربة تغنى من الداخل، ومن الخارج ومن التراكم ومن الديناميكية ولأن المهرجان يصل إلى عده 23، وعمره 25 سنة؛ إذن فهو بذلك يبلغ سن الرشد، سيما وقد قطع ربع قرن من التواجد والتجديد والاجتهاد، وحري بنا أن نجني نتائج مرحلة نضجه وتجنب مراحل قحطه..
للمهرجان الوطني للمسرح حقبتين بارزتين لايمكن أن يقرأ إلا من خلالهما، الحقبة الأولى تأسيسية ترصد زمن الانطلاق من مدينة مكناس، وما أدراك ما مدينة مكناس، والتي استقر فيها 16 سنة، منذ سنة التأسيس 1998، إلى سنة 2014، كانت الانطلاقة مع مرحلة وزير الثقافة حينها وابن الجهة، الأستاذ محمد الأشعري، هذا الوزير الذي تحققت في مرحته عدة فتوحات فنية مازالت مستمرة بلبوسات مختلف؛ إذ في مرحلته دشن الدعم المسرحي الذي أقام حينها بقطيعة مع مصلحة “لفناك” صندوق الدعم الثقافي، بوزارة الثقافة، هذا الدعم الذي مر بدوره من عدة مراحل هو الآخر، وخلق توافقات واختلافات ونقاشات، ومن فضائله حياة الفرق المسرحية التي انتعشت منها التي استمرت ومنها التي أفلت الآن، مع الإشارة أن مرحلة الوزير محمد الأشعري، تشهد على عشرية المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وهي المرحلة التي تأسست فيها نقابة المسرح المغربي، تعد هذه مرحلة قريبة في الزمن، من مرحلة هامة آخرى مازالت مستمرة بتشكلات أخرى وهي مرحلة وزير الثقافة محمد بنعيسى الذي تحولت الوزارة في زمنه بظهير من وزارة الشؤون الثقافية إلى وزارة الثقافة وتأسست مديرية الفنون في زمنه والمديريات الجهوية كذلك، كما أقيمت المناظرة الوطنية للثقافة المغربية بتارودانت سنة 1986، وهو الذي دشن المعهد العالي للفني المسرحي والتنشيط الثقافي، ذاك الصرح الأكاديمي والمهني الذي أسس لمرحلة حقيقية للمسرح المغربي بجيل تلمس طريقه وواجه واقعه وأتبت نفسه ويقود الآن المرحلة بقوة العلم والمعرفة والمهنية، وطلبة الأمس هم الآن يديرون شـأنه وإدارته ولهم مهمة إعداد المجايلات الخلف، التي ستقود المستقبل، هذا المعهد الظاهرة في المسرح المغربي والمفصل بين مرحلة الهواة ودور الشباب وممارسة التكوين والمسرح بالمعاهد الأجنبية إلى مرحلة الدرس المسرحي والفني الأكاديمي، أحدث المعهد بظهير شريف تحت رقم 2.82.706 بتاريخ 18 يناير 1985 وكان حينها تحت وصاية مباشرة مع وزارة الثقافة وما زالت علاقة بشكل من الأشكال وهو الآن في نفس الوقت صرح أكاديمي له علاقة بالتعليم العالي، وقد افتتح أشغاله سنة 1987، ويعود له الفضل في الرفع من شأن الفنون عموما، فنون الخشبة والسينما والتلفزيون والراديو وغيرها، وهنا أقدم التحية لجيل بأكمله وعلى رأسه مولاي أحمد بدري ومولاي أحمد مسعاية والمرحوم جمال الدين الدخيسي وعصام اليوسفي وغيرهم كثير وصولا إلى المبدعة والفنانة والإدارية الفنية والمخرجة والممثلة والمكونة، ومديرة المعهد حاليا ذ. لطيفة أحرار، ومحمد أمين بنيوب، وطارق الربح وجيل الأساتذة الذي تلقوا دروسهم بهذا المعهد ومازالوا يحملون الرسالة التكوينية والتدبيرية لشأن هذا المعهد وأفقه وآفاقه.
يسجل على مرحلة ابن عيسى وفتوحاته الحدث الفارق لسنة 1992، التي فجر فيه المسكوت عنه في المسرح المغربي، في برنامج تلفزي وكان اللقاء الملكي مع أهل المسرح وكان التصور العام للنهوض بالمسرح المغربي، وكانت الرسالة الملكية، ومن نتائجها ميلاد نقابة التي تناسلت إلى نقابات، وتجريب الفرق الجهوية المشروع الذي لم ينزل بقواعده بعد، وميلاد قانون الفنان لسنة 2003، ومكسبه الوحيد بطاقة الفنان بدون صلاحية حقوقية ولا اجتماعية، مع مرحلة الوزير الأشعري، وتم تطوير هذا القانون بنسخة 2016، في زمن الصبيحي بمتغيرات ومواد تنتظر زمن العفو، المادة عشرين نموذجا التي تنتظر نصا تنظيميا، في ظل هذه الترسانات والأجواء تحقق المهرجان الوطني للمسرح بإرث قبلي وحيني وبعدي ومزال الطموح مشرعا للأمام.
مع المهرجان الوطني للمسرح وزمنيته بمكناس تحققت فتوحات كبيرة إذ ساهم المهرجان في دينامية مرتبطة بتاريخ المدينة وجامعتها وفضاءاتها التاريخية مسرح لحبول نموذجا، وصولا إلى بناء المركب الثقافي المنوني، المكسب الذي ربحته المدينة، مرورا بالقيمة الاعتبارية لفعاليات المدينة نذكر منهم عراب الباحثين الدكتور حسن لمنيعي والدكتور عبد الرحمان بن زيدان وتاريخ فرقة مسرحية من الهواة اسمها رواد الخشبة وباقي الرواد الحديتين وصولا إلى فرقة بوسلهام الضعيف وباقي الشباب الذي مروا من تجربة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ومبادراتهم، وكل الذين يقودون الساحة الفنية الآن بتصورات كبرى، هذا ووفق معطيات شاهد ومشهود، نسجل أن التجربة عرفت عبر دوراتها سنوات عجاف وأخرى أعوام فرج يغاث فيه الناس، هناك سنوات التواصل المتبادل والرضا من الطرفين الجهة المنظمة وفعاليات المجال المسرحي، وسنوات قحط كلها خلافات بين المنظمين والفعاليات نموذج رسالة عبد الحق الزروالي للمهرجان الوطني للمسرح في إحدى دوراته بمكناس تنديدا بشخص محدد دكره باسمه في بلاغه الذي سماه”ضاع مسرحي في حماكم يا أهل مكناس”، وهناك إخفاق آخر قادته فعاليات كانت ضمن لجنته ومكوناته السابقة وكاد أن يعصف بإحدى الدورات؛ إذ انشق أهل الميدان إلى مشارك ومقاطع وتم تبادل التهم، في زمن وزير الثقافة بنسالم حميش، الذي لم يتم مرحلته وعصفت به رياح التغيير لأنه سمع لصوته وصوت مستشارته فقط، وقد تحمل مسؤولية وزارة الثقافة في حكومة عباس الفاسي (2009-2011)، وكانت نهايته مع إشكالية الدورة 13 من المهرجان الوطني بمكناس سنة 2011، وللتذكير بالمرحلة أسرد إليكم معطيات من مقال للأستاذ سعيد الناجي، وزعه على الصحافة المغربية جاء فيه: “هل كان المسرح المغربي في حاجة إلى عبثية أكثر من هذه، المسرحيون يقاطعون الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح بمكناس يومين قبل انطلاقها؛ ووزير الثقافة يعلن في افتتاح الدورة واختتامها أن بابه مفتوح لكل حوار” وزاد د. الناجي من تعجبه وقال: “فكيف يمكن أن نقبل مقاطعة الفنانين لجمهورهم؟” تم سرد موضوع الخلاف، المتمثل في دعم مسرحي جديد، أو معدل، تبنته وزارة الثقافة، بعد أن هيأت له من خلال اجتماع مستعجل مع الفاعلين نهاية أبريل 2011، وقاطعته النقابة المغربية لمحترفي المسرح. لماذا قاطعته؟ لا ندري. ورغم أن طريقة تدبير وزارة الثقافة من أجل بلورة القرار الجديد للدعم لم تكن صائبة ولا عاقلة، وبقدر ما بدا لنا منها نوعا من الفوضى، فإنني شخصيا لست من أصحاب المقاطعة، مقاطعة الاجتماع أو المهرجان، تم ذهب د. الناجي بعيدا، وتسائل: “ما هي الحسابات التي اشتغلت لتدفع إلى تبني الموقف “الاستئصالي” لمقاطعة المهرجان؟ أعتقد أن خفايا كثيرة ينبغي الكشف عنها في المقبل من الأيام” هذا وبعد مضي 12 سنة أظن أن الأسئلة بقيت معلقة، وزاد د. الناجي “لهذا يبدو لي صائبا السؤال الذي طرحه الدكتور عز الدين بونيت في رسالته المفتوحة إلى المسرحيين المغاربة: ” لنتذكر لماذا أسسنا النقابة؟ هل لتغيير مسارات استراتيجية في المسرح المغربي أم لاتخاذ قرارات متسرعة والدخول في معارك صغيرة؟ وكيف نفهم أن النقابة تبلور خطة وطنية لتأهيل المسرح شاملة ستناضل من أجل التعاقد حولها مع الدولة لتشكل نقلة نوعية في تاريخ المسرح المغربي، كيف نفهم أن النقابة التي تبلور خطة بمثل هذا الطموح الشامل أن تنْجَرَّ إلى معارك صغيرة مع الوزارة في لحظة انتقالية؟ لهذا، اعتبرنا أن قرار مقاطعة المهرجان لا يمكن أن يعود بالنفع على الحركة المسرحية، سوى بما يروج الآن من خطابات التخوين والتهريج والسباب وتبادل الاتهامات التي لن تفيد هي الأخرى، حين يتوهم البعض أنه يصنع اللحظة التاريخية في المسرح المغربي في وقت هو يهدمها دون قصد“..وأنا أبعث اللحظة من خلال هذا المقال وأسئلة مقاطعة المهرجان، كيف ولماذا ولصالح من؟ وماذا بعد؟ ! أتذكر أنه في تلك الفترة والمهرجان الوطني بمكناس، نظمت النقابة حينها المغربية لمحترفي المسرح، مهرجانا بالدار البيضاء في دورة وحيدة بديلة فقط، تحديا للمهرجان الوطني لتعويض الفرق مقاطعة المهرجان الوطني لكي تربحهم وتغيض وزارة الثقافة وتوجه رسالة إلى من طولب منه المقاطعة فقاطع النقابة وتقرب من الوزارة، أذكر أن تداعيات هذا الخلل عمرت خلافاتها مرحلة طويلة، وما زالت تداعياته خفية ونصرح بأن ذاكرتنا ليست مثقوبة، وأنه لدينا ذكاء نتفهم فيه كيف خلقت دروع من الفنانين لمصالح خاصة وقد تم التفاوض بها والترامي على المصلة الخاصة.
“يتوهم البعض أنه يصنع اللحظة التاريخية في المسرح المغربي في وقت هو يهدمها دون قصد” فقرة هامة من مقال د. سعيد الناجي، أتمنى أن تؤخذ كآلية تحليلية تحقيقية لما عاشه المسرح المغربي بعد ذلك، وبالخصوص ما عاشته الفرق المسرحية، إلى أن تأسست فيدرالية الفرق بعيدا عن النقابة قريبة منها، وكآلية قرائية لواقع تدبير وتسيير المهرجان الوطني للمسرح..
الحقبة الثانية انتقالية التحولية: حينما انتقل المهرجان إلى تطوان بقرار وزير المرحلة ومن معه وذلك سنة 2015، هذا التحول الذي ترك أثره واضحا عن اجتثاث رفضته فعاليات مكناس واعتبرته بيعا لتاريخ وقتلا لمرحلة، واستقبلته تطوان بتاريخها الكبير المسرحي والإعلامي والثقافي والفني وكأنها مصالحة مع هذه الجهة ومع الأعلام المؤسسة والمستمرة في الزمان والمكان، وتمركز المهرجان الوطني للمسرح بتطوان ومدن الجهة قرابة 9 سنوات مع 7 دورات، لكون المهرجان لم يقام في سنتي 2020 وسنة 2021 بسبب وباء كورونا، وقبل الدورتين الملغيتين احتفى المهرجان في سنة 2019 مع الدورة 21 بالهيئة العربية للمسرح، لأسباب نعرفها وقد لا نعرفها، كما احتفى بمرور 20 سنة على تأسيس هذا المهرجان الذي راكم عبر عقدين من الزمن دينامية تحولية من الممكن أن يقرء بها ماض وواقع ومستقبل المسرح المغربي، هذا وكان حري بنا هذه السنة 2023 أن نحتفي بربع قرن على المهرجان ونحتفي بيوبيله الفضي، ونقيم معرضا توثيقيا كبيرا يضم ملصق من كل مرحلة ودورة وتجميع ملصقات الفرق المشاركة وصور وأسماء الفرق الفائزة والمخرجين والمؤلفين وممثلين والسينوغرافيين والمكرمين وغيرهم، لكن للأسف لم يذكر هذا العد وذكرت لحظات للنسيان من السنة الماضية، ومن ملاحظات الدورة أنها أرادت أن تحتفي بفعاليات من المسرح العراقي الذي سيستضيف الدورة 14 من مهرجان المسرح العربي بعد المغرب، ولكن من اقترح كضيفي شرف معا لم يحضرا، وكتاب عن أثر المسرح المغربي في الإعلام العراقي لم يحتفى به ولم يوقع لغياب صاحبه، وهذا خلل في البرمجة لم تجب هنه الدورة 23.
آخر تجربة من المهرجان وآخر دورة كانت “22” عرفت اختلافا بينا بين أهل الميدان خصوصا بين الفرق المشاركة بأجيال مختلفة وكان توجيه اللوم للجنة التحكيم التي اتهمت بالتواطؤ وكان الاحتجاج عن النتائج في لحظة الاختتام، إلى درجة أن عضوة من اللجنة سربت المداولات التي تؤكد فشل اللجنة، هو الرهان الذي نجحت في الدورة الجديدة 23 مع لجنة تحكيم متجانسة تواصلا على الأقل مع تسجيل ملاحظة على قيمتها الفنية والمهنية،كما نسجل سلبا حضور تداعيات الدورة السابقة التي استحضرت خصوصا من الناحية الشكلية وكان الاسقاط الذي لسنا ندري مرجعيته والبعد منه، لكنها من الأكيد من زلات الدورة الجديدة، وعن تداعيات الدورة “22” طالبت تنسيقية الفرق والفعاليات المسرحية المشاركة في الدورة 22 للمهرجان الوطني للمسرح، بفتح تحقيق فيما وصل إليه المهرجان في دورته الأخيرة، ومحاسبة المسؤولين الذين تسببوا حسب وصفهم في تشويه المهرجان، حتى أصبح يسيء بشكل فادح للمسرح المغربي وصورته المشرفة في الداخل والخارج، وأظن أن الاستجابة لحقت مدير المديرية السابق ولم تلحق محيطه الذي دبج معه الخطة ومسحها فيه واستفاد هو منها كما يستفيد من الخطة الجديدة.
نددت التنسيقية في السنة الماضية بما أسمته “المماطلة المفتعلة من لدن مديرية الفنون، في تسريع المساطر الإدارية لتفعيل المشاريع الثقافية المقترحة لإنعاش المشهد المسرحي المغربي”، داعين المسرحيين المغاربة بالتحلي بروح المسؤولية ونكران الذات والتماسك بشكل متضامن يخدم المستقبل ووحدة الجسد المسرحي، كما ناشدت الإطارات النقابية بالتحرك والانخراط في تقويم الأوضاع، وأضافت تنسيقية الفرق والفعاليات المسرحية المشاركة في الدروة 22 للمهرجان الوطني للمسرح، انها تحمل كامل المسؤولية في مجموعة من الاختلالات والتراجعات لمدير الفنون، الذي جيء به لتصفية حسابات ضيقة في زمن وزير سابق، وشرع في ضرب مكتسبات المسرح المغربي ويعطي صلاحيات لشخصية مقربة منه، فعلا أتبث تجربة هذه السنة أن خللا كبيرا من ورائه المدير غير مأسوف عنه، كما نشهد أن دينامية هذه السنة من ورائها مدير خبير بالشأن الثقافي ومدبر لشأنه من عدة زوايا رجل ميدان وعلم ومعرفة وتجربة تسيير وتدبير.
وأنا أسرد هذه التحولات عبر المحطات التاريخية أساسا، اكتشفت من خلال الاستطلاع الصحفي وضمنه التحقيق الصحفي، عدة مفارقات غريبة، وجدت تبادل الأدوار، بين أعضاء لجنة اختيار العروض ولجنة التحكيم، ولجنة الدعم وبعض أعضاء اللجنة المنظمة أو المسيرة لفعاليات المهرجان الوطني للمسرح، إذ نجد هذا الاسم هذه السنة هنا وفي السنة المقبلة هناك وقبله كان في مهمة ما، حتى تجده في كل السنوات، وقد يعود لمهمة مر منها قبل سنتين أو ثلاث وهكذا دوليك، بل تجده في نفس السنة في لجنتين لا يهم أن تكونا متعارضتين أو متكامليتن المهم أن يكون، مع إضافة أسماء أخرى كانت في مهمة أخرى وهكذا دواليك وكأن المجال الفني لم ينجب غيرهم، بل أن بعض المسؤولين المباشرين عن التنظيم أو مستشارين مع السيد الوزير بالأمس هم اليوم منشطون أو أعضاء لجنة أو مشاركين فقط أو ضيوف يتفاعلون وقد لا يتفاعلون، وكم من مشارك ضمن فعاليات المهرجان إما بعرضه أو في لجنة التحكيم هو الآن له مهمة في مكونات اللجن المختلفة، تدبيرا وتسييرا أو تنشيطا أو مشاركة، وهناك القليل من بدأ عنده العد الأول في علاقة مع المهرجان كمشارك أو ضيف وحتى في لجنة التنظيم، من خلال هذه الدورة، وهناك فعاليات كثيرة هي الآن ضيفة شرف تلاحظ من بعيد ومن الأكيد أنها تقارن بالضرورة بين الأمس واليوم، بين الدورات الأخيرة أو الدورة الأخيرة تحديدا وبين دورات مكناس، ودورات تطوان، الإشكال ليس فقط في تبادل الأدوار، بل في فرض نمط تدبيري وتسييري ولو بشكل غير مباشر، وقد لاحظنا الرؤية الجديدة في الإدارة الفنية والتقنية التي غطت عن تدخل أصحاب هذه الأدوار، وبذلك انتصرت لتصور المهرجان الذي يستعيد زمنه ويؤسس لمرحلة تحولية تواكب المستجدات والطموحات، وعلينا مساعدتها في الدورات المقبلة لتنقية الأجواء.
بحكم المستجدات، كون الوزارة تعبر عن حسن النية وتستمع للنبض الفني والمهني والمسرحي تحديدا، عين مدير جديد لمديرية الفنون، وبالاستحقاق الإداري المعمول به، وهو الأستاذ هشام عبقري الخبير الفني، الذي كانت انطلاقته مع الأندية السينمائية بالدار البيضاء، ومع المؤسسات الثقافية البارزة الوطنية والأجنبية وهو مهندس ثقافي بامتياز دشن تفاعله الثقافي والفني منذ أواخر الثمانيات والتسعينات وكان رائدا للفن الحديث على مستوى التعبير الجسدي مع الفنون الشبابية الحديثة وباقي التعبيرات الموسيقية والأدائية والتعبيرية التشكيلية، شغل منصب مديرا للمسرح محمد السادس بالدار البيضاء، منذ أن افتتحه بالدار البيضاء، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، حيث أشرف ذ. هشام عبقري على إعداد هذا المسرح وتهيئه ليصبح أهم منشأة فنية بالعاصمة الاقتصادية، آخر مهمة قام بها هشام عبقاري وهو مدير هذا المسرح، أنه ساهم في إنجاح الدورة 13 لمهرجان المسرح العربي بالمغرب والذي نظم من طرف الهيئة العربية للمسرح، بتنسيق مع وزارة الثقافة، هذا ويعتبر هشام عبقري أحد الوجوه الثقافية المعروفة بالعاصمة الاقتصادية، بفضل علاقاته الطيبة والمهنية والواسعة مع المثقفين والفنانين وكافة المرتفقين والمسؤولين عن تدبير الشأن الثقافي والفني بجهة الدار البيضاء سطات، وعلى المستوى الوطني، يحظى ذ. هشام عبقري باحترام وتقدير كبير في هذا الوسط، وهو ما يؤهله لمهمته الجديدة بجدارة واستحقاق، ومن الأكيد أنه سينفتح على كل الفعاليات الثقافية والفنية والإبداعية عبر الوطن، وقد دشن انطلاقته الفعلية في المهرجان الوطني للمسرح الدورة 23 وكله طموح للدبير الشأن بديمقراطية وشراكة حقيقية مع المهنيين والمعنيين، بدون إقصاء ولا تصريف حسابات ضيقة، وقد عبر عن هذا بشكل غير مباشر في حواراته الجانبية في ردهات المهرجان مع كل الفعاليات، يظهر أن الرجل يحمل حلما كبيرا لصالح المجال والجمال.
عبر نقاش عابر عن أو مع فعاليات المهرجان الوطني للمسرح بين الأمس واليوم، من فنانين كبار وشباب ونقاد وأستاذة المسرح وفعالياته وصحفيين لهم اسهامهم الثقافي البارز والموجه أحيانا المصاحب بوعي وتباث، صرح لي معظمهم بالتحليل وإبداء الرأي بأدلته أن للدورة الجديدة 23 كل إمكانيات النجاح، لكون الوزير شاب وله طموحات التفعيل وانجاح تجربة المهرجان الوطني للمسرح ومن الأكيد قد وصله صدى مرجعياته الخلافية السابقة ومطلب الرفع من إيقاعه، كما أن للدورة مدير لمديرية الفنون له الخبرة والحكامة الجيدة وقدرة الإبداع والخلق للتطوير بدليل سيرته الفنية، كما أن المديرين الفني والتقني يمثلان الحساسية الجديدة ولهما الخبرة الكبيرة والانفتاح المعولم كل من جانب تخصصه الفني، هما خريجين للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي أستاذين بالمعهد حاصلين على شهادة الدكتوراه، أحدهم مخرج، د. محمود الشاهدي، مديرا فنيا للمهرجان والآخر سينوغراف، د. طارق الربح مديرا تقنيا للمهرجان، طارق الربح له مهمة إدارية في المعهد العالي للفن المسرحي، وقد كون الرجلين ثنائيا تنظيميا بمساعدة طاقم فني وتقني يعملون كخلية نحل ليلا ونهارا تحترم البرمجة وجودة الأداء الذي يوفر الأجواء الفنية والتقنية والنفسية ومتطلباتها ولوجستيكياتها ودقتها الزمنية؛ وبموازاة ذلك هناك لجن عملية تقوم بدورها في أحسن الأحوال، والدليل أن الكل كان مرتاحا ومتهيئا للتتبع والعمل والتفعيل؛ لذا يأتي هذا الاستطلاع والتحقيق الصحفي وضمنه التقرير، الذي يريد أن يقبض على القيمة المضافة للدورة 23 من المهرجان والمرتبطة بالضرورة بتاريخ المهرجان ومحطاته، والغاية لرصد لأجواء المهرجان لعلنا نقبض على روح المهرجان ككل وروحه الحالية واستشراف المستقبل، هذه الدورة التي أكدت بالملموس أنها دورة فارقة، وستبقى راسخة في جسم التنظيم وأنها المنطلق الحقيقي والإطار المرجعي، لتنظيم دورة مقبلة، وعليه اقترح جل من استفسرتهم عن أثر المديرين الجديدن للدورة 23 (الفني والتقني) للمهرجان، بأن نحافظ عليهما وإعطائهما كامل الصلاحيات لتنزيل رؤاهم للدورة 24، سيما والرجلين حولهما الإجماع وهما مبدعين مطورين حداثيين مواكبين لأحدث التقيات عبر العالم..
5ـ ر صد فعاليات المهرجان انطلاقا من لحظة افتتاحه مرورا بأهم فقراته:
حفل الافتتاح وكلماته ومقترحه الجمالي: تميز حفل افتتاح المهرجان الوطني للمسرح بتطوان، يوم الجمعة 8 دجنبر 2023، بحضور السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد، والسيد عامل إقليم تطوان، ومكونات من الفنانين يمثلون كل الأجيال وأهل الصحافة والإعلام والنقد والبحث العلمي، بفضاء سينما أبينيدا، شدد السيد الوزير في كلمته عن القيمة الكبيرة لهذه لتظاهرة الفنية التي تعرف تنوعا لافتا في برنامجها العام، مؤكدا في السياق ذاته على ما بات يشهده المسرح المغربي من تطور ملحوظ إن على المستوى الوطني وكدا على المستوى الدولي، حيث يقدم المسرحيون المغاربة أعمالا هامة جدا، سواء تعلق الأمر بالعروض المسرحية، أو بالدراسات النقدية الموازية لها، وكل ما يربط بين المبدعين والجمهور والمتفاعلين مع الإبداع والجمهور والمؤسسات الداعمة، ولعله الأمر الذي تأخذه الوزارة على محمل الجد من خلال دعمها المباشر لمجموعة من المشاريع المسرحية التي تتقدم بها الفرق المسرحية المغربية، أو محاولة تعميم بعض الأفكار التي لاقت نجاحا من قبيل فكرة النوستالجيا التاريخية التي احتضنتها الرباط كتجربة أولية، وتسعى الوزارة إلى تعميمها على مختلف مناطق المغرب، وهو ما يعني وفق تصريح السيد الوزير مواصلة المسيرة الإبداعية والثقافية التي يشهدها مسرحنا المغربي، والدعوة إلى تعاضد الجهود من أجل مستقبل أفضل.
كما أشار المدير الفني للمهرجان الأستاذ محمود الشاهدي في كلمة ترحيبه بالحضور النوعي، إلى أن هذه الدورة ستكون متميزة عن غيرها من الدورات السابقة، حيث الرهان أكبر، وذلك بإعادة الوهج لهذه التظاهرة المسرحية الوطنية، عبر تجويد ما كانت تعرفها من أنشطة، وإحداث أخرى، إلى جانب الانفتاح على بعض العروض الجديدة التي لم يعرفها المهرجان من قبل كعروض مسرح الشارع، ومسرح الطفل فضلا عن أنشطة مسرحية متعددة كتوقيع المؤلفات، ومعرض الصور، والورشات التكوينية وغيرها، مما يضعنا أمام برنامج حافل يستعيد من خلاله المهرجان وهجه، ويستعيد معه هويته البصرية التي ترتبط حصرا بدرع المهرجان..وفعلا كانت الكلمة معلنة عن مشروع تحقق وأشر على نجاحه من خلال برمجة نوعية في الشكل والمضمون..
التكريم وترسيخ ثقافة الاعتراف: يعتبر التكريم اعتراف وامتنان وتوجيه التحية والتقدير لكل الجسم الفني من خلال عينات تختار في كل دورة من الدورات، والغاية أن يقال لمن يعمل واصل رسالتك ويقال للشباب لكم دوركم والتحفيز حق لكل مجتهد، في هذا الإطار تم تكريم ثلاثة أسماء لامعة: الفنانة الممثلة المقتدرة جليلة التليمسي، والفنان والممثل الفكاهي والمخرج والمؤلف وابن الشمال عبد الكريم الجبلي، ثم الفنان الممثل المقتدر محمد خيي، هؤلاء الفنانين الذين لم يخفوا انفعالاتهم وأحاسيسهم المتضاربة جراء هذا التكريم. فشكرت الفنانة جليلة التلمسي الوزارة الوصية، وكل القائمين على المهرجان، وبالخصوص زميلتها لطيفة أحرار، معتبرة أن تكريمها هو تكريم لكل نساء المسرح، بينما شدد الفنان عبد الكريم الجبلي إبن المنطقة على استحضار رفيق دربه في مسيرته المسرحية المرحوم حسن الزيتوني، موجها بدوره الشكر الجزيل لكل من فكر في اسمه، في حين تطرق الفنان محمد خيي إلى وقع هذا التكريم على نفسه، وما يعنيه له، وما يفرضه أيضا من مسؤولية على الفنان باعتباره تكليفا قبل كونه تشريفا، مشددا في سياق كلمته على قيمة المسرح والمسرحيين الذين يصرون على خلق الحدث الجميل وتوفير الفرجة للجمهور المغربي، وشكر الثلاثي المسرح المغربي والقيمين على شأنه وكل أهله.
ثم انطلق المهرجان. بحفل فني خفيف وهادف، ومريح في نفس الوقت..تعرفنا فيه على لجنة التحكيم والتي تشكلت من أسماء لها اسهامها الفني المتنوع تضم في مكوناته: عمر فرتات رئيسا، وعضوية كل من إلهام الوليدي، وهشام عبقري، وهشام الإبراهيمي، وسارة الرغاي، وسعاد ازعيتراوي، ثم أمرز اسليمة، هذا اللجنة التي وكل لها تقييم 11 عرضا مسرحيا، اختارته لجنة الانتقاء من 34 ملفا متكاملا، أسقطوا منه 23 عرض لسنا ندري ما هي المقاييس والمعايير التي التجؤوا إليها، وكلها تبقى نسبية لكون العرض المسرحي يشاهد حيا وليس عبر حامل من الحوامل، وكانت هذه الإمكانية رهن الإشارة لكثير من العروض المسرحية التي قدمت قبل وحين انطلاق عملية اختيار لجنة الانتقاء، والمكونة من: المسكيني الصغير رئيسا، نور الدين زوال مقررا، والأعضاء مشكلون من : أسماء لقماني، رشيد الخطابي، الزبير بن بوشتى، الحسن النفالي، سيدي رضوان الشرقاوي.
بناء على النتائج وملاحظات لجنة التحكيم، يتطلب الأمر الاستدراك لإنجاح الدورة 24 من المهرجان، الذي يدعو إلى تغيير كل هذه المكونات اللجنة الثلاثية (لجنة الدعم، لجنة الاختيار، لجنة التحكيم)، وبالأساس تغيير منطق اختيار هذه المكونات، والتحضير للمهرجان بلجن مستقلة ومتعددة التخصصات ومتجانسة فكريا وتقنيا ومهنيا، لتمثل الرؤية والتحول المأمولين الجديدين للفنون، بدون اعتماد لجن المديرية التي لها مهام إدارية صرفة تخص قانونية الملفات والجمعيات..
جوائز الدورة 23 والتي تبارت حولها 11 فرقة مسرحية: الأمل، التشخيص ذكور، التشخيص إناث، التـأليف، الإخراج المسرحي، السينوغرافيا، الملابس، الجائزة الكبرى، وذلك وفق المرسوم رقم 2.22.23 الصادر في 29 من ذي القعدة 1443 (29 يونيو2022) بتغيير المرسوم رقم 2.16.211 الصادر في 17 من شعبان 1437 (24 ماي 2016) المتعلق بتنظيم الجائزة الوطنية للمسرح.
6ـ أسئلة الاستطلاع والتحقيق الصحفي عبر التقرير الصحفي، أراها كالتالي:
ـ بأي مقاييس ومعايير، اختارت لجنة الانتقاء، 11 عرضا من 34، وسنرى العروض التي سنتواصل معها إلى أي حد تفوقت أو أخفقت هذه اللجنة؛ كما أن هناك ملاحظة ذكية وتوصية من لجنة التحكيم تتطلب تعديل تشريع الجوائز لواكب المستجدات، ومنها التصميم الموسيقي الذي أبتث أنه فاعل مسرحي داخل التصور ودينامية والعروض المسرحية لمرحلة ما بعد الدراما.
ـ ملاحظات عن الاختيار: 4 فرق من مراكش، لماذا؟؛ هناك فرقة من الدار البيضاء اسمها المسرح الجامعي غائبة أكثر من 20 سنة عن المجال، وليس لها أثر فكيف أعدت ملفها الذي يتطلب وفق القانون الدعم حركية فنية خلال ثلاث سنوات الأخير، رغم هذا الإشكال والغياب دعمت وترشحت للمهرجان؟ كيف ولماذا؟ ومن؟ مع العلم أن العرض يضم ملاحظات ومن الممكن أن يعتبر من العروض التي قيل عنها في تقرير لجنة التحكيم دون المتوسط، أما باقي العروض فهناك تداخل بين المخرجين والممثلين والتقنيين، إذ أن هناك عرضين مشاركين لنفس المخرج، ناهيك عن ممثل يخرج من هنا ويدخل هناك، وقد تجد مخرج هذا العمل ممثل في العمل الآخر، وينطبق نفس الأمر على تقنيين كذلك..من الأكيد أن هناك خلل ما ممارس من طرف لجنة الاختيار، ومن الملاحظ أن لجنة البرمجة حينما اطلعت على العروض المختارة، تدخلت في برمجة نوعية لكي لا يقع خلل ما، نتمنى أن يتم تجب هذه الأمور إن أمكن في الدورة المقبلة…
7ـ البرمجة وعروضها المسرحية: قدم خلال المهرجان الوطني للمسرح 11 عرضا مسرحيا في 6 أيام من يوم السبت 9 دجنبر إلى يوم الخميس 14 دجنبر 2023، وكانت كالتالي:
السبت 9 دجنبر 2023:
1ـ الفاتورة، فرقة النادي الفني المراكشي كوميديا، مراكش..
الاقتباس والإخراج:بوسرحان الزيتوني، سينوغرافيا: ياسين الحور
تشخيص: محمد بن المقدم، ياسين تابعي، علال نوادر، فيصل كمرات
المسرحية ناقشت بشخصيتي صالح ومصلوح تيمة المجتمع الرأس مالي، برؤية جمالية تعبيرية رمزية بريشتية بالأساس، لم تخلو من بحث ورؤية تجريبية على مستوى الفضاء السينوغرافي والتناول الإخراجي والتشخيص الملزم بالنظرية، والايقاع…
2ـ اكستازيا، فرقة مؤسسة أرض الشاون للثقافات، شفشاون
تأليف وإخراج: ياسين أحجام، سينوغرافيا: عبد الحي السرغوشني
تشخيص: قدس جوندل، رضى بنعيم، رشيد العدواني..
تحكي المسرحية قصة ليليتو أو المرأة، التي طبقت بها نظرية أخلاق العميد عند نيتشه، لكون فكر نيتشه ينبني على مفهوم القوة، لذا نجد المخرج يلجأ إلى قوة المبنى والتقنية ليواجه قوة المعنى، بحضور المابينك والموسيقى المشخصة.
الأحد 10 دجنبر 2023:
3ـ استورياس، فرقة يوبا للإبداع المسرحي، الناظور
تأليف: أريالدورفمان، اقتباس: عبد الله أناس، إخراج:أيوب أبو نصر، سينوغرافيا:ياسين بوقراب
تشخيص:رجاء بوحامي، عبد الله أناس، أمين التليدي، سفيان نعيم..
تحكي المسرحية قصة امرأة تحاكم مغتصبها، وتحاكم مجتمع أو محيط متواطئ، حكاية الجلاد والمحكوم عليه بشكل آخر..مسرحية بطلها الإيقاع القوي، والتشخيص المحكم، والإخراج التعبيري الذي جمع بين الواقعية والرمزية..
4ـ طلوع الروح، فرقة الجيب المسرحي، مراكش
تأليف: أنطوان تشيكوف، إخراج:عماد فجاج، سينوغرافيا:محسن بنحدو
تشخيص:هاجر الشركي، فيروز عميري، عبد الرحيم الغزواني، زهير أيت بنجدي.
مسرحية تحكي عن المرأة التي ورثت مهنة التابوت والعلاق مع الموت من الأب، وماتت أنوثتها أو أجلتها ووضعتها في الخلف، تلك الأنوثة التي تأبى إلا أن تبعث من جديد، وتكشف عن المرأة التي قالت لا وانتصرت لأنوثتها، مسرحية بطلها الرغبة في الحياة، والتشخيص قوة وجودا، التزمن فيها الإخراج بالإيقاع الباني للأحداث والمترجم للجوانيات..
الإثنين 11 دجنبر 2023:
5ـ خلخال اغربال، فرقة فانوراميك لفنون العرض، مراكش
تأليف:نزهة حيكون، إخراج:عادل أبا تراب، سينوغرافيا:سناء شدال
تشخيص:كمال كظيمي، جميلة الهوني، فاطمة الزهراء شتوان، علال خوادر، فيصل كمرات، محمدأيت الوراق، أنور البونية..
مسرحية تراثية فرجوية انطلقت من بهو المسرح وعبر جنباته وقسمت الحضور جانب للرجال وآخر للنساء، وصعد الجمهور حتى إلى الخشبة بهندسة تشكيلية تحول فيها الفضاء بأثاثه وحصيرته إلى حلقة تطرح فيها الحكاية، التي يقودها حماد الذي يؤدي الغناء الهواري، في مقابل عيشة التي تهوى هذا المجال الفني كدلك وتمارسه بحب؛ إذ نتعرف عن امرأة ترفض سلطة الآخر وتتمرد على قانون القبيلة ولا تتخلى عن هوسها بالرقص والغناء..مسرحية تنتصر لمسألة أساسية وإشكالية أن الأصل في المسرح هو الحكاية، من تم يحضر “التقشاب” و”لقصارة” دون التخلي عن حبكة الحكاية وخيطها الرابط والمتسلسل الذي يحكي ويسرد ويشخص ويتواصل، حكاية من الممكن أن نقول حكاية المرأة وكل إمرأة..
6ـ فطائر التفاح، فرقة دوز تمسرح، مراكش
تأليف: أمجد أبو العلا، إخراج: عبد الجبار خمران، سينوغرافيا: يوسف العرقوبي
تشخيص: رجاء خرماز، زينب الناجم، نور الدين سعدان، زكرياءحدوشي.
مسرحية نفسية تترجم إحساس امرأة تبحث عن حقها الطبيعي في جسدها ووظائفه ورغباته وحريته وبوحه، مسرحية تحكي عن جسد يعلن مطالبه وحريته وحقه، في مواجهة جسد رجل..مسرحية السينوغرافيا المقتصدة والعميقة والتي تتحاور مع إخراج يساير ويسير الإيقاع والجوانيات..
الثلاثاء 12 دجنبر 2023:
7ـ سقوط الورد، فرقة فركانيزم للفنون والثقافة والتنمية، سلا الجديدة
تأليف:هنريك ابسن اقتباس وإخراج: عبد الجبار خمران، سينوغرافيا: يوسف العرقوبي
تشخيص: قدس جندل، صرح الحمليلي، أيوب أبو نصر، الرياحي بادي، ياسين حرمود.
مسرحية بمغامرة تاريخية فنية كون تاريخ تشخيص هذه المسرحية المسرحية عرف في زمن ابسن احتجاجات النهاية، لذا ركز المخرج على إخراج آخر بنهاية أخرى كسر فيها الجدار الأول والمائدة، عربونا عن التحدي وتحطيم جدار الصمت والاحتجاج بقول لا الملموسة والمدوية بل المكسورة..مسرحية بسينوغرافيا وديكور تقليدي بالبانو، لكن بتناول حداثي وظيفي، وبتشخيص يجمع بين التقليدي الصارم والتكسيري لذلك التقليدي، اجتهاد مشهود بخلفية فكرية جمالية.
8ـ إشاوشاون، فرقة تفسوين للمسرح، الحسيمة
تأليف: سعيد أبرنوص وإخراج: شعيب المسعودي، سينوغرافيا: عبد الحي السرغوشني
تشخيص: شيماء العلاوي، محمد المكنوزي، محمد افقير، سليمان أكلطي، رشاد كوكوح.
مسرحية تدور حكايتها وسردها وأداؤها داخل مارستان وغطرسة مدير يتاجر في البشر، ويعتبرهم آلية وأدوات وبينهم امرأة لها احتجاجها ولها قوتها ولها رغبتها في التحرير غير أن البيع البشر يتوارث ويتنامى..
مسرحية بسينوغرافيا غرائبية تعبيرية متشابكة وموظفة للشبكة عربونا عن صيد ما، 5 ممثلين و9 تقنيين لموضوع عنوانه الحرية حق بشري..
الأربعاء 13 دجنبر 2023:
9ـ التي قالت لا، فرقة المسرح الجامعي، الدار البيضاء
تأليف: أحمد أمل وإخراج: ياسين أحجام، سينوغرافيا: عبد الصمد الكويكبي
تشخيص: حسناء المومني، ربيع ابن جحيل.
مسرحية متداخلة الموضوع بين النفسي والبوليس، تحكي قصة امرأة عشقت وهي طالبة جامعية زميلها وهو غير مبالي بها، وحينما أصبحت شرطية كان كان هو مجرما، وكان اللقاء القدري استحضرت فيه احساس لسنا ندري هل للانتقام أم للاستجابة، وفي مكان مهجور وجدا أنفسهما معتقلين معا بسبب المناخ، وكان بوح، وكان الاسقاط.. مسرحية سينوغرافيتها ديكورا شخص خربة غريبة بجمالية تغريبية،مسرحية قيل عنها في النقاش ( آش واقع) ممثلة قوية أمام ممثل مبالغ وكليشي تقطيعي يضيع منه الريتم كما الأداء والحركة..
10ـ تكنزا..قصة تودا، فرقة فوانيس المسرحية، ورزازات
تأليف: أمين ناسور، إسماعيل الوعرابي، طارق الربح،مساعد المخرج: إسماعيل الوعرابي وإخراج: أمين ناسور، سينوغرافيا: طارق الربح
تشخيص: هند بلعولة، أحمد بن بلا، هاجر كريكع، إسماعيل الوعرابي، عادل الحمدي.
جاء في حوار المسرحية، في سلطة المعنى تمردنا على الشكل، من تم قالت لنا الممثلة:بدلو الشوفة راه اشوفة هي كلشي”، وكقراءة لمتلقي وصلته رسالة المسرحية أقول أن الخطاب موجه إلينا جميعا كمشاركين بالضرورة أمام حكاية تودا رمز المرأة الفنانة التي تنتصر للفن كصيرورة إنسانية، سرد لقصة المرأة الفنانة، أي قصة تكنزا البندير، وتودا الفتاة في فضاء ووضع بارد معبر، ومن برودته كان بعته ودفئه..وظفت المسرحية”المابينك” كشخصية وكرجع زمني بل اعتبر”المابينك” في هذه المسرحية شخصية وسيرة وسفر سرد وآلية سرد وبناء درامي..مسرحية ممكن أن اعتبرها درس في المسرح، فرجة وقراءة وتوجيه للآتي..
الخميس 14 دجنبر 2023:
11ـ لافيكتوريا، فرقة اكسيون للسينما والمسرح، ولاد تايمة
تأليف، وإخراج: أحمد أمين ساهل، سينوغرافيا: أسماء هموش
تشخيص:زهرة حواوي، محمد شهير، أمين بالمعزة، سفيان نعيم، نور الدين السباعي.
موضع الجريمة عند التراس، المجموعات التي تشجع داخل ملاعب كرة القدم، ومن خلالها كانت الإطلالة على الحياة الداخلية الاغتصاب والخيانة والتوظيف لأغراض انتاخبية وعلاقة تلك الفرق بالسلطة، وبقانونهم الداخلي الذي يحتكمون إليه…وظفت المسرحية سينوغرافيا بنائية عبارة حواجز كآليات رمزية وتعبيرية ودلالية في الموضوع نحو بناء المعنى والتأويل، في رأيي كانت بروفا عن مسرحية ممكنة تبحث عن منهجيتها..
ملاحظة: قبل كل مشاهدة عرض مسرحي، كان الاستهلال بلحظات توقيع خفيفة تقديم الكتاب ومؤلفه، (تقديم الكتب ذ. عبد الحق أفندي) وقراءة مشخصة أو تقديمية منه، وقد عشنا هذه اللحظات مع الفنانين: هاجر كريكع، زينب علجي، عصام الدين محريم، إلياس عامل، ومع 14 كتابا، من مختلف الأنماط نقدا ودراسة وتوثيقا وتأليفا مسرحيا..
8ـ برلمان المهرجان المتمثل في مناقشة العروض المسرحية:
أصرح من خلال تتبعي لكل العروض ومناقشتها وحضور لحظات تقييمها التي قادها بتدبير محكم للزمن والمعنى الأستاذ عبد الحق أفندي، إذ كانت تقدم في اليوم مسرحيتين، ويتم مناقشتهما في فضاء آخر باحتفالية خاصة وكانت بالفعل لحظات قوية عبارة عن عرض آخر يناقش العرض المسرحي بحضور أصحاب العرض وأصحاب الورقة النقدية عن لجنة النقد والإعلام، وعموم الجمهور والمتلقين والباحتين والدارسين وبعض الفرق المشاركة في العروض الأخرى، من تم أطلقت تسمية برلمان المهرجان على هذه المناقشة، من خلال الأسئلة والاستفسارات والمرافعات والجو الساخن رغم برودة المناخ، في البدء حبذت فكرة حضور بعض مكونات لجنة التحكيم لمناقشة العروض، لكن من جانب الاستقلالية أنا مع فكرة عدم الحضور بعيدا عن التأثير والتأثر.. بداية من اللازم أن نشير أن معظم المسرحيات عرفت حضور موضوع المرأة وقضيتها وحقها وجسدها وتاريخها وتراثها في الحبكة العامة، مما يجعلنا نسمي الدورة 23 من المهرجان دورة المرأة بامتياز وتعليقا عن نتائج لجنة التحكيم ومن خلال نقاشي مع بعض فعاليات المهرجان من كل الأصناف تمثل مجال النقد والدراسة والكتابة والتأليف والإخراج والسينوغرافيا، والتشخيص، وحتى بعض الجمهور من معظم الأجيال، يمكن أن نتوصل أن النتائج تلزم الجميع وأن لجنة التحكيم التي أوكلت لها سلطة التقييم لها كامل الصلاحية وفق الرؤية التي وضعتها ونهجتها واحتكمت إليها وتتحمل مسؤوليتها في هذا الشأن أمام التاريخ، ومن الأكيد أنها ترافعت واختلفت وتداولت ومن الممكن أن تلجأ للتصويت والأغلبية، لكن في الأخير تبقيى النتائج تلزمنا جميعا سيما ولا احتجاج معلن عن النتائج.
غير أنه أرى أن من حق هذه المادة الإعلامية أن تشاغب وهي تستحضر تلاثي التحليل الصحفي المختار والمتمثل في الاستطلاع والتحقيق والتقرير الصحفي؛ لذا سأوظف مدخلا أساسيا متمثل في نقطة تقييمية لمستوى العروض أشارت إليه اللجنة بتصريحها أن مستوى العروض كان جد متفاوت بين المتوسط ودون المتوسط، وأن هناك إسقاطات بصرية لتقنية “المابينك” الظاهرة التي أساءت للعروض المسرحية ولم تقدم إضافة نوعية، مع بعض الاستثناءات بطبيعة الحال، وفعلا قد لوحظت هذه الظاهرة الدخيلة التي عممت في جل إن لم نقل كل العروض المسرحية بأشكال متفاوتة، وفي هذا الإطار لدي رأي أن هناك عرض مسرحية بالتحديد وظفت فيها هذه الآلية بتحكم ورؤية إلى درجة أنها أصبحت في عرض محدد آلية إخراجية وسينوغرافية وتأليفية لكون النص المسرحي في ذلك العرض الذي تجاوبت معه شخصيا كان ثلاثي التأليف، تجاوبت معه الموسيقى وآلياتها التي كانت بطلا فوق العادة، وفي رأيي كمتتبع لمراحل توظيف “المابينك” في المسرح المغربي، أن ذاك العرض يعد درسا في السينوغرافيا التي تتداخل مع كل المهام والمهن والأدوار المسرحية، والدليل التجاوب الكبير للجمهور ولكل فعاليات المهرجان، إلى درجة أن ذاك العرض بقي في أفق انتظار كل الحضور المسرحي المتنافس وغيرهن غير أنه كانت للجنة التحكيم رأي آخر، ولم يرشح ذلك العمل لأي جائزة ولم يوشح بأي جائزة غير جائزة الجمهور وهو المكسب الكبير. هو رأي يلزمني، وقد سمعت لآراء أخرى كثيرة رشحت عروض أخرى وممثلين آخرين لأحسن ممثل وممثلة وسينوغرافيا كما باقي الجوائز وو إلخ، لكن الجميل ورغم كل وجهات النظر التي ترشح عرضها وممثلها وسينوغرافيتها، احتفل الجميع بنجاح هذا العرض المسرحي الذي يسجل له الائتلاف إلى حد الاختلاف في التصنيف.
9ـ الندوة العلمية للمهرجان، وخلاصتها العلمية وتوصياته الضمنية:
أقيمت خلال اليومين الأخيرين ندوة المهرجان، وذلك حفل الاختتام في اليوم الخامس والسادس 13 و14 دجنبر 2023 وكأنها تقييم للمهرجان ككل:عنوان الندوة:”رهانات الإخراج المسرحي اليوم بالمغرب.” صرحت الورقة العلمية لهذه الندوة والتي وضعها د.عصام اليوسفي، أنه عندما نرغب في مقاربة فهم وخصوصيات ومميزات فعل الإخراج لا بد في البداية من التساؤل حول هوية المخرج وتطور المهنة عبر حقب وأجيال مختلفة، فكل سياق تاريخي يحدد عمل المخرج ومهمته انطلاقا من الكفاءات والمهارات الموظفة في عملية الإخراج في زمن خاص ومنفتح. هوية المخرج مرتبطة بشكل جدلي بوضعيته الاعتبارية والفنية داخل الجسم المسرحي، هو المسؤول الأول على إنجاز العرض والناظم لكل العلاقات التي تربط الفاعلين في عملية الإبداع والتلقي. فالإخراج هو نوع من النحت في الفضاء والزمان واللغة والجسد والصوت: عملية تركيبية تتشكل انطلاقا من اختيارات ومستويات متعددة من أجل تنظيم عملية الحكي في علاقة مع تنظيم انتباه المتفرج. هذه المكانة المتميزة والخاصة التي يحظى بها المخرج والتي تخول له سلطات واسعة يمكن أن تدفعنا أيضا للتساؤل عن مفهوم المسؤولية ومساءلة الاختيارات والقيمة الفنية للعمل الإبداعي وكيف يمكن ربط السلطة المهنية بالمسؤولية الفنية والأخلاقية وما حدود الحرية كممارسة إبداعية..
من أجل التفكير والتأمل بشكل عملي في مهام المخرج ومسؤوليته الفنية وعلاقاته المتعددة داخل منظومة العرض المسرحي، اقترحت الندوة الفكرية رؤية متعددة الأطراف والزوايا انطلاقا من أربعة محاور تجسد علاقات المخرج بالمبدعين المساهمين في العرض: الكاتب، والسينوغراف، والممثل والمتفرج. للتداول والتفكير في هذه الأسئلة المرتبطة بكل محور على حدة، كانت فعاليات الندوة العلمية مشكلة من مجموعة من الفنانين والباحثين يمثلون كل الأطياف المساهمة في عملية إنجاز العرض المسرحي وإرساله للمتلقي/الجمهور لإبداء الرأي واقتراح أجوبة عملية على الأسئلة المطروحة. خص لكل جلسة من الجلسات الأربع 6 متدخلين، لكل طرف مداخلته الموجهة والمؤطرة بأسئلة دقيقة تتوخى مقاربة نقدية أكثر منها وصفية تحليلية، الأساسي فيها هو مناقشة العلاقة والمفهوم وليس تقييم أو استعراض تجربة ما.
المحور الأول: علاقة المخرج بالكاتب، عن حدود تأويل النص بين المسؤولية وحرية الإبداع، عمل الإعداد والتركيب، مفهوم الدراماتورجيا وصيغ التعاون بين الكاتب والمخرج، سلطة المخرج و “موت الكاتب” حرب المواقع، أي نص اليوم وأفق انتظار المخرج..
المسير: د.يونس الوليدي، المقرر: د. عبد المجيد شكير
المشاركون: بوسرحان الزيتوني، محمود الشاهدي، محمد قاوتي، أحمد مسعاية، أمين بودريقة، قدس جندل.
المحور الثاني: علاقة المخرج بالسينوغراف والفضاء، إبداعية السينوغراف ورؤية المخرج، التحدي الرقمي ولغة التكنولوجيا، السنوغراف بين فضاء الحكاية وفضاء الجمهور..
المشاركون: ياسين أحجام، أيمن نسور، زبير بن بوشتى، عبد المجيد فنيش، يوسف العرقوبي، لطيفة أحرار.
الجلسة الثالثة: علاقة المخرج بالممثل، الممثل داخل العرض، إدارة الممثل بين المنهج والموهبة، البحث عن الشخصية وأسلوب التشخيص، الممثل المبدع، المتعاون، المنفذ، الدمية؟
المسير: د.عز الدين بونيت، المقرر: سعيد كريمي
المشاركون: مسعود بوحسين، محمد الحر، عصام اليوسفي، نزهة حيكون، طارق الربح، عبد النبي البنوي.
المحور الرابع: علاقة المخرج بالمتفرج، أي مسرح لأي مجتمع؟ أي دعم لأي أهداف؟ أي حليف لأي مشروع؟
المشاركون: نعيمة زيطان، محمد فركاني، عبد الكريم برشيد، أحمد السبياع، رفيقة بنميمون، رشيد العدواني.
10ـ المخرجات والملاحظات العلمية للندوة:
ـ أثير مفهوم الدراماتورجيافي العلاقة بين المؤلف والمخرج باعتبار الدارماتورج شخص ثالث بين المؤلف والمخرج أو مهمة ثالثة قد يقوم بها المؤلف نفسه أو المخرج أو هما معا أو شخص آخر..
ـ وعن سؤال من خلد المسرح النص أم العرض، تمت الإشارة في هذه المسألة أن نصوص العرض هي التي وصلتنا وخلدت للمسرح، لذا يعد النص الدرامي نواة لعرض مسرحي بالمواصفات الكبرى؛ لذا هناك من يهتم بنص العرض وليس نص المؤلف، وذهبت بعض الآراء إلى أن ماخلد النصوص المسرحية التدوين وليس المسرح (في تاريخ المسرح يحصل في الغالب خصام بين المؤلف والمخرج، لأن معظم المخرجين لا يلتزمون بنص المؤلف لأن للعرض لغات أخرى وإملاءات أخرى) من تم أثيرت مسألة رفض السخرة بين المؤلف والمخرج..(كل النصوص تتوجه رأسا إلى القراءة) النصوص لها قارء واحد، أما العرض فله عدة قراء في مكان واحد قبلا وحينا وممكن بعدا..
ـ الإخراج ينبثق من فكر واحد، الإخراج رغبة في التحكم، لذا النص ليس وثيقة ملزمة..
ـ لتاريخ المسرح المغربي أثر وتحولات عبر مراحل متعددة تخبرنا بها العلاقة بين المؤلف بالمخرج، ومرحلة لم يكن فيها المخرج وكان المؤلف هو المهيمن فقط، ومرحلة الممثلة هن المهيمن إلى غيره، الآن هناك نقاطع الأدوار وحضور الكبير للمخرج وقرينه السينوغراف..
ـ المخرج يترجم النص إلى الممثلين وله علاقة مباشرة مهنية مع السينوغراف، في مرحلة الإعداد هناك تواصل أما في مرحلة الإبداع فهناك قطيعة، وفي مرحلة العرض هناك تلاقي، من الممكن أن يكون المؤلف متفرجا، ومن الممكن أن يتشاكل عليه العرض كما العموم، لذلك تصبح السلطة للموثق لآلة التوثيق التي لها وجهة نظر هي الأخرى، هناك أراء تصرح أن المخرج ليس ترجمان للكاتب، ومسألة الالتزام بحرفية النص ما هي إلا مطلبا وهميا..
ـ أول تواصل الممثل مع النص تتم عبر الرؤية الإخراجية، وتبقى لديه درجة عالية جدا من الفضول تتطلب مستوى كبيرا من التركيز، المخرج هو الذي يحدد طريقة الاشتغال إما كلاسيكية أم عبر طريقة المختبر، والمختبر يبدء من الجسد لكون الجسد لا يكذب، وهنا يحضر رهان الممثل بين المبدع والمتعاون والمنفذ والدمية..
ـ علاقة المخرج بالسينوغراف تبدأ من وضع الأسئلة الحقيقية، كممثل ومخرج أثناء التحضير لبعض الأعمال المسرحية..من المجازفة القول هناك تصور المخرج كل منهم يشتغل بتقنيته، والسؤال هنا: ماذا يريد المخرج من السينوغراف؟ وكان الجواب أنه يريد منه حساسيته أم مهارته التقنية؟.. السينوغراف مخرج ثان للعرض، ويشكل صلة وصل للمشروع والرؤية. السينوغراف يتماهى مع خيال المخرج، لكن المخرج ينفرد بالتوقيع (المخرج هو الذي يتحمل المسؤولية، مسألة متفق عليه عالميا) تماهي بين السينوغراف والمخرج مع الاحتفاظ بسلطة المخرج..
ـ صرح مخرج يمثل الحساسية الجديدة وما أصبح يصطلح عليه بمرحلة ما بعد الدراما: ليقربنا من التجربة صرح، هرمنا من أجل هذه اللحظة التي تحترمنا وتحتم إضافتنا، مداخلة تلقائية (نحو مسرح متنوع) المخرج وقرينه السينوغراف. مستوى الأول (التواصل الفني) أو لمن ألجأ إليه وضع تصوري ومناقشته مع السينوغراف أولا، أتباحث مع أفكاري غير واثقة، أبحث عن الثقة، والمتمثل في السينوغراف، جمالية العرض وأسلوبية العرض، أسئلة الحارقة مع السجال الساخن لكي أحلم بصوت مرتفع وليس في الهواء في بداية الحلم تكون لدي مرتكزات في الواقع تنتظر مستوى ثان للتطوير، تبدأ مرحلة إيجاد حلول للإشكاليات التي قبض عيلها مع وضع الممكنات التي تحقق الرؤية والتصور، وهنا من اللازم الإشارة أن جمهورنا الجديد مختلف لا يقرأ بل يشاهد، ونعلم أنه ستصبح لنا ذاكرة في الأنترنيت، لذا علينا أن نطرح السؤال ونذهب إلى الجمهور الجديد الذي يريد التكنولوجيا وعبرها يستمع لقصة تاوية، نتجاوب مع هذا القلق من هذا المنطلق وننطلق من هويتنا وثقافتنا نحو الإطلالة على العالم..
ـ المسرح ينزلنا إلى الأرض، الكتابة للمسرح تتم عبر الفضاء والرؤية السينوغرافية..النص حمال لسينوغرافيته، السؤال هنا كيف نكتب لفضاء تستكين عليه الكلمات؟ من تم توصلت أن السينوغراف ليس متعاون بل مؤلف للأشكال، وعليه فالعرض المسرحي يتركب من عدة فنون من النص مرورا بالباقي الفنيات والتقنيات..
ـ السينوغراف هو الرجل الخفي الذي يحقق به المخرج تصوره، فهل السينوغراف مبدع خلاق أم منفد لمتطلبات المخرج، وهنا يأتي المفهوم الحقيقي للسينوغرافيا، ويأتي مفهوم الإخراج كقراءة ثانية للنص (النص وسيلته اللغة، الإخراج لغته بصرية)؛
ـ المخرج الساحر الخفي مترجم للمعاني ومسؤول عن تنزيل أسلوب العرض، ويحضر مفهوم السينوغرافي في المسرح الحديث، التي لها نفوذ قوية مؤطرة للشكل، ومؤطرة لمجموعة من المكونات المادية والسمعية؛ لذا ساهمت السينوغرافيا في تطوير الإبداع وتطوير التنظير، أول ما يشاهد في العرض تصور المكان، الذي يستقبل تلقينا، في هذا التحول لم تبقى السينوغرافيا ديكورا بل أمست حركية سمعية بصرية..
ـ وجوابا هن هل المخرج والسينوغراف تكامل أم مواجهة؟ قيل أن المسرح فن معقد ومركب، يبحث عن التكامل مع العلم أنه مجال متداخل تتحكم فيه كثير من العلاقات التي تساهم في العرض المخرج والسينوغراف مدخل إلى مجال معقد، فهل هي علاقة تكاملية أم علاقة تخفي صراعا ما؟..النص قد يكون جملة من جمل العرض الكثيرة.
ـ فضاء اللقاء بين سينوغراف ومخراج هو العرض..كيف؟ وبماذا؟ هما معا مطالبات بالبحث وترجمة وايجاد أسلوب ليوصل العرض إشاراته ودلالاته المنطوقة والمرئية وكل ما لها علاقة بالخطاب، الممثل ليس فقط جسد، بل هو لون يوظف جماليا ووظيفيا، لذا فالاشتغال بثلاث السينوغراف المخرج الممثل تكامل وجملة تقول معنى.
ـ في سرد التجارب الماضية لتقنية الستينات والسبعينات إلى الثمانينات وعبر تأمل للمسرح المغربي من خلال جيل مؤسس منه المستمر ومنه المتواري، هذا الجيل عرف شح الفضاءات المسرحية، وتقنيناته كانت متمثلة في: خيال الظل وطروبسكوب تم الفيديو إلى ظلال التكنولوجيا الجديدة إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي، الوقوف هنا أننا كنا نتبع المستجدات ونقدم التقنية المعتادة أحيانا مبنية وأحينا أخرى مقحمة، فعل نفس السؤال يقال عن تقنية “المابينك” اليوم.؟..
ـ علاقة المخرج والممثل تمكن في العلاقة الإبداعية التي تتطلب الممثل المبدع وليس الممثل الآلة أو الممثل الدمية، من تم تحضر إدارة الممثل بين الجمالي والأخلاقي وليس علاقة الصراع بين المخرج والممثل لكون العلاقة لا تكون دائما بريئة.
ـ استحضار مهمة المنتج وجهة الإنتاج وأيديولوجياتها، كما استحضر مفهوم الفرقة، والمخرج المنتج الذي يقرر وينزل، هناك فرق شاسع بين الممثل والمخرج، وجوائز المهرجان..
ـ الممثل والمخرج حدود العلاقة وطبيعة التعاقدات (قراءة نقدية، حدود علاقات وتوصيف)
ـ حدود علاقة المخرج والممثل بين الإبداعي والإنساني وكيف تتشكل العلاقة؟ ما هي حدودها الفني والإنساني، الممثل المبدع الموهوب، والذي ينزل تصور المخرج الذي يعتبر هو المسؤول الفني الأول، من اختيار النص والتوزيع وو إلى تكوين العرض وإرساله والإشراف عنه لحظة تواصله مع المتلقي/الجمهور..
ـ جمهور المسرح المغربي منذ أن كان وهو مقسم لعدة أنواع ويأتي هذا التقسيم، القراءة المقارنة تبرر التعددية وتبرر أننا في حاجة للتعددية: لمسرح تجريبي، المسرح المدرسي، المسرح الجامعي وغيره.
ـ للإعلام دورا أساسيا في ترويج للمسرح وقيادته والتعريف به وبمناهه ومدارسه وقد ساهم الإعلام في تاريخ المسرح المغربي بهذه المهمة إلى جانب النقد بل كان أحيانا بديلا عنه.
ـ هل الهوية شيء تابت أم متحول، وكيف تتجلى الهوية في العمل المسرحي لكون الهوية تعرف بذاتنا وثقافتنا ولغتنا وبذلك نعرف أنفسنا لهذا الآخر الذي هو الجمهور؛ يحضر الآخر بقوة وبشكل جمعي، فيتقاسمون نفس الحدث ونفس المادة بشكل تفاعلي وفردي، ولا أقول التلقي. للجسد هويته تاريخه وماضيه وله حدوده أيضا..كيف نعدى تشكيل الجسد، هل لدينا إمكانية للاشتغال على جسد له حدوده ومحكوم بمرجعيات…في استحضار الهوية، تقلص هامش الحرية، علينا ألا نخاف الانفتاح على نصوص أخرى، (نصوص مغربة من ماذا؟: من اللغة أم من الأفكار أم النسق أم ماذا؟) سؤال آخر: حينما يشتغل مخرج على نص معين، هل تفاعل مع الكاتب أم تجاوزه؟. المؤلف يتشبث برؤية للعالم، وبهوية المؤلف ما هو موقف المخرج؟…في الثقافة والفنون يقتضي التحول والتساؤل والتفاعل مع الثقافات الأخرى، كل سياق تاريخي يخدم..نختلف من حيث الجدور وعليه نختلف من ناحية الهوية.. لذا تتعدد الأبعاد في مسرحنا..
ـ دور المخرج، يبدأ بالتحليل الدراماتورجي ليكون حيا، تم توجيه الممثل، وتنظيم الإخراج الفني، واتخاد القرارات الإبداعية، قرارات حاسمة لتنفيذ الرؤية، وأساس المخرج يمثل الجمهور قبل وحين وبعد العرض، لذا يعتبر الجمهور هو التريموميتر لصناعة العرض المسرحي..
ـ للعرض المسرحي كيمائياته، من خلال تأثير العمل على متلقيه، وطبيعة التجاوب وبعض العناصر التي تبرز أهمية الجمهور من خلال التفاعل المباشر وردود الفعل ونوعية المشاركة في التأويل، المتعدد / كلها مقاييس تجاوبية لتحديد النجاح الفني؛ تفاعل الجمهور مع العرض المسرحية، تحليل التفاعل من خلال الزوايا، الجانب العاطفي، لذا على الرؤى والقيم، تشجع على التفكير النقدي والتنوع الثقافي..لذا يحلل بعض صناع العرض رغبات الجمهور ليتم التجاوب القبلي مع التيمة أو الطريقة أو الإشارات أو جملة من السيمائيات.. دعاة هذا المنهجية يصرحون أنهم يجربون ودائما يجربون وبالتجريب يتم البحث عن الذات..استعمال قوة الفن كوسيلة للتأثير الاجتماعي..
ـ هل هناك جمهور واحد أم جماهير متعددة؟، نتحدث عن الإخراج، مخرج ماذا لماذا وأين وكيف؟ الجمهور ثقافة وشغف وحب. جمهور مشترك بقواعد اللعبة وتاريخ اللعبة ماضيا وحاضرا وحينيا.
ـ العرض منتهي الصلاحية، قد يقتل الجمهور في فرجة أخرى، قتل الجمهور المغربي بدون سبق وترصد..
ـ تحويل مشروع المخرج من وجود بالكلمة إلى وجود بالفعل، الجمهور بشكل عام له رغباته وليس بشكل موحد، الدائقة الفنية ليست واحدة..
11ـ حفل الاختتام، وتقييم لجنة التحكيم:
اعدت لحفل الاختتام لحظات فنية وتقينة وجمالية، من طرف الإدارة الفنية والتقنية التي ظهرت ملامحها على الجو العام، ليلة الجمعة 15دجنبر 2023 بسينما أبنيدا ترأسته السيد الكاتبة العامة للوزارة وباش المدينة وشخصيات من عالم الفن والثقافة، وغاب عنه السيد الوزير لتزامن حفل الاختتام مع حفل الجائزة الوطنية للصحافة بالرباط، كان استهلال الحفل بلوحات غنائية، وجاءت مهمة لجنة التحكيم التي تلت تقريرها الذي كان شكرا وامتنانا، وتقييما قدمت فيه اللجنة التوصيات التالية:
أولا: نبهت اللجنة إلى المستوى المتوسط وفي بعض الأحيان دون المتوسط لبعض الأعمال المشاركة في المسابقة الرسمية. ولتفادي هذا أوصت اللجنة بأن تختار مستقبلا أعمال ناضجة تكون فيها مقومات العرض.
ثانيا: لاحظت اللجنة نوعا من الغلو في استعمال التكنلوجيات الجديدة التي في بعض الأحيان لا تضيف شيئا إلى العرض بل تسيء إليه وتحرمه من بعده الإنساني وحتى الجمالي، وأوصت اللجنة بترشيد استعمال هذه التقنيات الحديثة لكي تصبح مكونا مهما من مكونات العرض المسرحي عوض أن تغرقه في متاهات الشكلانية.
ثالثا: هناك مشكلة تتعلق بالنص، فقد كادت اللجنة أن تحجب هذه الجائزة، حيث قررت منحها بعد تصويت الغالبية. فما المقصود بالنص هل هو نص العرض أي النص المرئي أم النص المكتوب أم الأدبي. هل يجب تقييم نص المؤلف الذي قد يختلف عن نص العرض أم نص المخرج الدراماتورج المكتوب خصيصا للخشبة، وما هو وقع النص المكتوب أو الممغرب والذي هو أيضا نوع من الكتابة من كل هذا. على ضوء هذه التساؤلات تقترح اللجنة أن تنظم مستقبلا مسابقة لأحسن نص مسرحي مكتوب موازاة مع المسابقات الأخرى وأن تشكل لجنة لها كل المؤهلات لتقييم هذه النصوص، كما توصي اللجنة بإقامة جائزة للاقتباس حيث أن هذه الكتابة أو إعادة الكتابة لازالت تحتل مكانا مهما في العملية الإبداعية المسرحية المغربية (وفي مسابقة هذه السنة هناك 4 نصوص)، وان توكل مهمة تقييم النصوص المقتبسة لمسرحيين مغاربة إلى نفس لجنة تقييم النصوص المؤلفة.
رابعا: أوصت اللجنة بإحداث – كما جائزة الملابس – جائزتي إبداع الصوت والضوء، حيث أن هذين المجالين الإبداعيين أصبح لهما الآن مبدعون متخصصون وحضور قوي في التركيبة الفنية.
وكانت النتائج كالآتي:
جائزة الأمل:لشيماء العلاوي عن مسرحية إشاوشاون لفرقة تفسوين للمسرح؛
جائزة الملابس:لنورا اسماعيل في إكستازيا لفرقة مؤسسة أرض الشاون للثقافات؛
جائزة أحسن ممثلة:ذهبت الجائزة لقدس جندل في إكستازيا لفرقة مؤسسة أرض الشاون للثقافات؛
جائزة أحسن ممثل:فاز بها محمد شهير في مسرحية لفكتوريا لفرقة أكسيون للسينما والمسرح؛
جائزة السينوغرافيا:عبد الحي السغروشني في مسرحية إشاوشاون لفرقة تفسوين للمسرح؛
جائزة التأليف:أمين الساهل في مسرحية لفكتوريا لفرقة أكسيون للسينما والمسرح؛
جائزة الإخراج:فاز بها أمين الساهل في مسرحية لفكتوريا لفرقة أكسيون للسينما والمسرح؛
الجائزة الكبرى: فازت بها مسرحية لفكتوريا لفرقة أكسيون للسينما والمسرح.
خلاصة تركيبية:
لإعداد هذه المادة الإعلامية بهذا الشكل نحو هذا المضمون عدة اعتبارات، أولها ملامسة صدقية كبيرة من طرف الجهة المنظمة والمشرفة على الدورة 23 من المهرجان الوطني للمسرح، بدء من السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، والسيد مدير الدورة 23 الأستاذ هشام عبقري في أول تدشين عملي رسمي لمهمته، كمدير لمديرية الفنون، ثانيا، ظهور معالم الصدقية من خلال البرمجة والإدارة الفنية والتقنية وكذا العلمية. ثالثا، الرغبة في إظهار لبوسات داخلية نود الكشف عنها لتوضيح نقط مركزية نحو التمحيص والدرس والاستفسار سيما وهناك أشياء غير ديمقراطية مررت وتم السكوت عنها بإرادة وبدونها، رابعا، لإحياء أسئلة المهرجان عبر حقبتيه المكناسية تحديدا تم التطوانية، في إطار نتذكر لكي لا ننسى ونستحضر لكي لا نتجاوز، وفي كلا الحالتين لنقول أن ذاكرتنا ليست مثقوبة وأن لكل شيء أثر، وأن للتغيير متطلبات، ولعل البداية من هنا..
لهذا ركبت رهان التجميع بين ثلاث أجناس إعلامية كبرى، (الاستطلاع، التحقيق، التقرير) لأن الحدث يستحق والبعد منه رهان كبير يستحق، يقول التعريف بالتحقيقي الصحفي، أن هذا الجنس الإعلامي يعد أهم الفنون الصحفية ويضم عدة فنون تحريرية، وهو عملية استقصاء وتحري عن موضوع معين، يهدف التحقيق إلى معرفة الأسباب كما أنه يبحث عن العلة والإشكال مع بيان طرق العلاج وفعلا الأمر يحتاج إلى علاج.