منير راضي مؤلفا
طلال هادي مخرجا .
مسرح الرشيد
الخميس 14/9/2023
التحليل الفني :
ماذا يعني حين تتصدى للروائع الدرامية ؟ هل الدافع ينحصر في التعديل والاضافة؟ ام يتعداه الى المشاكسة في الحوار والبنية مع الاصل الشكسبيري القار في الذاكرة المسرحية ؟ ان فكرة التقابل والتنافس على الكفاية الابداعية لدى (( شكسبير)) ومنافسه المعاصر (( منير راضي)) في نصه ( انا ..مكبث) او مكبث كما رآه (( منير راضي)) سعي محفوف بالمخاطر والمغامرة ، لاسيما وان الكاتب امام نص شكسبيري يعد من الروائع الدرامية الخالدة ، التي تمثل نوعا دراميا مغريا في جمال ادبه وسبك احداثه وليونة شخصياته الجمالية . هل نجح (( منير راضي )) في تجربته الكتابية الجديدة ، اقولها بكل موضوعية ، نجح في اظهار نص مميز في بنيته التي انطلقت احداثها ما بعد موت الشخصيات ، واسترجاعها في محكمة متخيلة في العالم السفلي ، بطلب من مكبث ، يبين فيه ان الاحداث التي صاغها (( شكسبير)) مفبركة لا تمت بصلة لسيرة (( مكبث)) المعروفة بالنجاحات والمواقف النبيلة والاخلاقية التي لا يمكن ان تتقبل فكرة الغدر وقتل الملك الذي حل ضيفا عليه في بيته ، يقتل ضيفه بتدبير من زوجته ليغنم ويغتصب التاج الملكي ! يرفض مكبث هذا المصير ، ويطلب استدعاء (( شكسبير)) للمثول امام المحكمة التي تشكلت من (( الملك لير)) و(( الملك دنكن )) على قاعدة : انت الخصم والحكم !
تشير بنا الحكاية والجميع يبرر افعاله ويسوغ سلوكه في دراما شكسبير ، وسط انتباه الجمهور الذي وجد نفس امام حكايتين
اولها شكسبيرية معروفة في الاصل الدرامي .وثانيهما (( منيرية)) مبتكرة غيرت من الدوافع والاحداث ، ليكون الشاهد على ما حصل ويحصل من محاولة تغيير المصائر للشخصيات ، فلا مكبث طامع بالملك ، ولا دنكن كان رحيما وعادلا مع شعبه ، مما يستوجب تعاطفا من القارئ حين تم غره في بيت (( مكبث))
نعيد ترتيب الاسئلة بازاء الكتابة الدرامية (( انا مكبث)) هل هي محاولة لاعادة رسم مصائر الشخصيات ؟ ام هي قراءة في الجريمة والاستبداد والطغيان السلطوي؟ اسئلة ظهرت علاماتها في الانساق الكلامية للشخصيات وهي تعمل بمقترح اخراجي رسمه لنا المخرج والممثل (( طلال هادي))برؤية فنية مع كتيبة الممثلين والفنيين .
هل يمكن ان نطلق على المعالجة الاخراجية بالمعادل الموسيقي للفعل الفني البصري والادائي؟ لم يتوقف البعد الموسيقي طوال زمن العرض الذي كان 45 دقيقة ، متجاورا ومحفزا للاداء التمثيلي الذي عمل بضابط ايقاعي تمثل بالمؤثر الموسيقي ، الامر الذي يتطلب ابعادا صوتية متناغمة وتفاعلا جسديا مع البيئة ، بايقاع متنوع يتراوح بين الافقي / بنية السرد الدرامي ، والعمودي/ وحدات الاداء التمثيلي ، هل نجح الممثلون في هذا التداخل ؟ بلى قد ظهر النجاح متحققا في هذا التداخل ، لالعرض المسرحي (.انا.. مكبث) لم يغفل دور الكلمة المثيرة جماليا وتواصليا ، وجدناه مباشرا بين الممثلين ، وغير مباشر مع الجمهور ، الذي اصغى وصفق لمحمولات الكلام وطرائق التعبير لدى الشخصيات.
يمكننا وضع خطاطة لجغرافيا البيئة المسرحية في عرض مسرحية ( انا ..مكبث) على نحو ، المستويين الاتيين :
1- بيئة الساحرات التي تربط الواقع بالمتخيل .
2- بيىة العالم السفلي : معالجة تخييلية لافكار وازمنة من عالم الموتى / لير ، دنكان ، شكسبير ، ليدي مكبث .هكذا تحقق الانفتاح والانغلاق بين العالمين ، بيسر ونعومة المنظر الذي ظهر ثابتا ، باستثناء الخنجر / السيف الذي ظهر متحركا ( علامة ضوئية ) ظهرت من التاريخ والمستقبل على حد سواء .
اظهر النص حضورا مهيمنا في العرض ، لان يمثل نسقا تخييليا مغايرا ، نجح في في اكتشاف نسق درامي جديد يشاكس النسق الشكسبيري ، من حيث بنية الالفاظ ذات الدلالات الغنية بالبلاغة ، او من حيث الاجواء التعبيرية المتنوعة الاداء والصورة المشهدية ، او باستثمار الحضور الانيق للساحرات الذي كسر افق التوقع لدى الجمهور ، حين ظهرن انيقات ، باجنحة مصنوعة باتقان ، يلبسن البياض ، وروح ادائية شفافة لافتة ، حققت ترويحا لدى الجمهور ، من خلال الاداء الجميل والمحكم و في الابعاد التناظرية في الزي وبنية الجسد وطريقة الالقاء واستعمال الاكسسوارات . اذا انتقلت القبعة مثلا.- وظيفيا – لتكون كاميرا تلفزيونية .
هكذا لعب ادائي ، حقق لدى الجمهور تفاعلا جماليا ، لانه وجد الممثلين ينتقلون من دون تكلف بين الحالات الشعورية والفكرية ، لينتهي العرض المسرحي ، خاليا من الممثلين ، اذ انتهت المحاكمة ، واختفت الشخصيات بنعمومة تفاعل معها الجمهور .
تحية للمبدع منير راضي ، الذي اوجد لنا نصا فيه قدرة عالية على ايجاد وعلاقات ومصائر لم نكن نتوقعها بسبب الحمولة التاريخية والادبية لنصةمسرحية مكبث للكاتب (( شكسبير))
تحية للمبدع (( طلال هادي)) الذي صاغ عرضه باتقان مع حساب فاعل لايقاع الوحدات المشهدية ، اذا كان مخرجا وممثلا ومراقبا لما يحدث على خشبة المسرح .
تحية للممثلين( زمن علي ، ايمان عبد الحسن ، حميد عباس، احمد محمد صالح ، عدي عباس ، داليا طلال ، فيروز طلال ، تبارك طلال ) ابدعوا في تقديم شخصيات من بين الاستدعاء التاريخي والمشاكسة المعاصرة .