قول علماء النفس “اذا كنت تشعر بالحزن ..ادخل مكان فيه أشخاص سعداء فطاقتهم سوف ترفع من طاقتك”، وهذا ما حدث معي اليوم وانا انظر الى شباب المسرح المختارين بعناية من قبل مخرج له خبرة ودراية ودربة مسرحية وتلفزيونية كتابة وتمثيلا ليقود مجموعته في عمل كبير حجما وطويل اقتطع منه او أختزل المخرج منه الكثير من الشخصيات والاحداث ليعرضه لجمهور يعرف القصة الحقيقية لواحد من افضل الاعمال الشكسبيريه مسرحية “ماكبث” وحسنا فعل لان النص طويل وربما يسغرق العرض اكثر من ساعتين, في هذا العرض الذي يحتفي بولادة كاتب مختلف في اعماله التي قدمها سابقا
“انا مكبث”،،،سياحة لغوية عالية الإتقان والمهارة، فنيا تمتلك معين من خبرات متراكمة لقراءات متعددة، انفتحت قريحة (منير راضي) المنير فكرا نقيا دفعه الى هذه المحاكمة التي لاتضيف شيىا لتاريخ مضى ولكنه اسقاط حداثوي مجلجل بحكمة لما يحدث اليوم وفي عالم مستقبل الاجيال ايضا، فكانت ومضات من خزين معرفي جاءت بكلمات من عبد الرحمن الشرقاوي تارة، وحوار روفائيل المؤرخ تارة اخرى غلفها وصقلتها موهبة (منير راضي) ليجعل من كل ما يحدث، قصيدة ساحرة تجبرك على سماعها الى الاخير، لاسيما وكلنا خَبرنا عوالم شكسبير الذي قيل عنه، ذات مرة: “لو جُمعت كل الأوراق التي كتبت عن شكسبير ، لملئت الكرة الارضيه”.. “انا مكبث” قصيدة فيها سحر وايقاع لذيذ قليلا ما قرأنا عنه في التأليف المسرحي الحديث، وهي بالتالي اسقاط لفلسفة الدم والقتل والكرسي والخباثة والدسيسة وضياع النبل والقيم الشامخة التي تحصن المجتمعات وتقي البشريه من شرور أنفسنا..تحية للجميل (منير راضي) وهو المجتهد ففي تقديم كل ثراء يخدم الذائقة البصرية والفكرية..
والمخرج (طلال هادي) الذي اجتهد كثيرا ليصور لنا فنطازية الافكار التي يتحاور بها الجميع هذه الايام بنكهة حداثوية كما يسمونها اليوم وهي خليط غير متجانس بين الفكر المطروح وشبكة الفعل المسرحي واداء الممثلين الذي تراوحت نسبة جودتها بين الجيد والمتوسط والجيد جدا معبرا فيها عن سينوغرافية لم تخدم العرض كثيرا الا أنه وكعادة الفنان الجميل (طلال هادي) فراسته في اختيار الممثلين والذي نقول عنه في الدرس الاكاديمي (اختيار الممثلين نصف العملية الاخراجية) فحضور المتالق زمن علي وزميله (حميد عباس) بهذا الاسترخاء الجميل والمشاعر المهذبة أضفت للعرض هيبة وتماسك في الايقاع تزامنت مع خبرة (احمد محمد) و(طلال هادي) ليكون لسماع الجمل التي كانت سريعة نوعما ضيعت الساحرات الكثير من الحوارات الجميلة رغم حضورهن الجميل في الكثير من المشاهد تشاركهم في هذا الفنانه (ايمان عبد الحسين).
التشكيلات بحركة الممثلين جعلت متنفسا للجمهور بتذوق المعاني الكبيرة والمتابعه لسير الاحداث التي غلب عليها الحوار. وانت تقرا النص الاصلي تجد ثمة اختلاف في الرؤية التي كتبها المؤلف من حيث بيئة المكان، ففي النص الاصلي نجد ( بيئة المكان تدل على طراز الاحداث.. لوحات متدلية من اعلى المسرح تحمل صور لشخصيات شكسبيرية تاريخية تتخللها بعض صور سفاحي العصر يتسابقن في الظهور الى جميع جهات المسرح, بعض كراسي ملوك وحكام الزمن إليزابيثي تتوزع هنا وهناك, سجاد موزع على جغرافية المسرح بشكل مرتب ومتعدد الالوان وفي وسطه قطعة من السجاد الاحمر على شكل دائري, شموع كبيرة الحجم تغطي حوض المسرح بالكامل, دخان ملون يملأ باحة المسرح, مرايا زجاجية تتوزع على جغرافية المسرح بشكل عمودي مع مؤثرات لكورال جنائزي يصاحبه صوت ناقوس كنسي مع دخول الساحرات من ثلاث جهات)