هذه الورقة قدمت ضمن الندوة الفكرية حول: “القصة القصيرة وافق المسرحة..القصة القصيرة العمانية” لأيام مراكش للمسرحية القصيرة (دورة سلطنة عمان) 11 – 14 مايو 2023م
***********************
تعود بدايات القصة القصيرة العمانية إلى الرعيل الأول من كتاب المهجر العربي الخليجي في عمان أمثال عبدالله الطائي وأحمد بلال ومحمود الخصيبي وهؤلاء كتبوا ونشروا نتاجاتهم القصصية المبكرة خارج الوطن واستمدوا قصصهم من الواقع العماني المأزوم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كما توسعوا إلى تناول قضايا العرب المصيرية كالقضية الفلسطينية. وهناك خلاف حول أولى المجموعات القصصية العمانية صدورا هل هي (المغلغل 94) للطائي عبدالله أم (سور المرايا83) لأحمد بلال وعموما هؤلاء الثلاثة كانوا آباء القصة القصيرة في عمان ولا تخلو قصصهم من أخطاء البدايات.
وأنتج سيف الرحبي في الثمانينات وهي مرحلة الانطلاقة الفنية للقصة العمانية أنتج مجموعاته القصصية (هذيان الدمى، والانطفاء الباكر، من تجليات النزهة الجبلية) وعاد أحمد بلال ليكتب مجموعتيه (وأخرجت الأرض) (لا يا غريب) وهذه الأعمال خليط من الرمز والأسطورة والفنتازيا تلاهما محمد سعيد القرمطي صاحب (ساعة الرحيل الملتهبة) والذي اتكأ على الأسطورة وعناصر الفلكلور والتراث الشعبي.
تبعهم عدة شباب من كتاب القصة القصيرة في عمان من الذين فتحت والمراهقون يومها من سني أعينهم على كتاباتهم في الصحف المحلية في عمان أو عبر إصداراتهم الخجولة ومن بينهم يحي سلام المنذري وله (نافذتان لذلك البحر) و(رماد اللوحة) ومحمد بن سيف الرحبي وله في تلك الفترة المبكرة( بوابات المدينة) ومنهم سعود البلوشي ويونس الأخزمي وعبدالحكيم عبدالله وآخرون امتازت قصص هؤلاء بحدوث نقلة نوعية في كتابة هذا الفن في عمان سواء في مضمون القص أو التقنيات المستعملة أو مستوى القصص وامتازت بالرومانسية والتحليق في الفضاء الواقعي والإنساني.
تلتها فترة الحداثة في كتابة القصة القصيرة في السلطنة بالتسعينات حيث أخذت القصة شكلها الفني العصري وامتازت بالتكثف واللغة الشعرية المتوهجة وتغيير مفهوم الحبكة ويمكن القول أن القصة القصيرة في عمان منذ منتصف عقد الثمانينات، إلى أوائل التسعينيات، قد تحركت في إطار المغامرة، والتجريب والانفتاح على تجارب مغايرة، وهذا يعني أن القصة القصيرة في سلطنة عمان قد تطورت تطورًا جيدًا مقارنة ببداياتها الأولى ومن أشهر كتاب التسعينات ثم الألفية الجديدة سليمان المعمري والمرحوم د. عبدالعزيز الفارسي ومازن حبيب وآخرون لا يمكن ذكرهم في هذه العجالة وارتبطت هذه المرحلة بالنشر الكثيف للإنتاج القصصي العماني وصدور مجاميع قصصية كثيرة لقيام الدولة بدعم الكاتب العماني ونشر انتاجه الأدبي وظهور الجمعيات الأهلية العمانية أو جمعيات المجتمع المدني في تلك الفترة كجمعية الكتاب وأسرة القصة القصيرة وأسرة الترجمة الخ كما ترافق الأمر مع تدشين جامعة السلطان قابوس 1986 وظهور أولى دفعاتها من كليات التربية والآداب بدءا من 1990م إضافة إلى انطلاق الملتقيات الأدبية للشباب في محافظات السلطنة.
لا يفوتني الإشارة الي إصدارات أخي د. سعيد السيابي القصصية القصيرة جدا مشاكيك ومن الحب إضافة إلى سردياته الطويلة مثل جبرين وشاء الهوى .
ومن الأسماء النسائية البارزة في كتابة القصة في سلطنة عمان جوخة الحارثية الفائزة بجائزة مان بوكر أو جائزة الأدب العربي في فرنسا العالمية عن ترجمة روايتها سيدات القمر والترجمة معنونة بالأجرام السماوية وذلك 2021م .
وهناك الكاتبة بشرى خلفان التي فازت روايتها (دلشاد) قبل عام بجائزة كتارا للرواية العربية وكلتا الكاتبتين كتبتا قصصا قصيرة قبل توجههما للرواية فلجوخة الحارثية (مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل و صبي علي السطح وفي مديح الحب) أما بشرى فمن مجموعاتها القصصية رفرفة وحبيب رمان وحيث لم يعرفني أحد)
وإذا انتقلنا إلى تجارب مسرحة القصة في سلطنة عمان بدأ الأمر بتضمين الحكاية الشعبية في المسرح العماني وهي كما نعلم تلك الحكايا التي تتناقل من جيل إلى جيل عبر التراث الشعبي وعمان تملك رصيدا ثريا من الحكايات الشعبية والأساطير التي وظفت فنيا في أعمال مسرحية مبكرة كما هو الحال في مسرحية (المسحورة) ذات القالب المسرحي التقليدي وعرضت في مسرح الشباب 1998م وتدور حول الفتاة سلطانة التي تموت بفعل السحر والشعوذة ومزج الكاتب سعيد المعمري الواقع الاجتماعي بالخيال والخرافة.
أما تجارب مسرحة القصة التاريخية فمن أمثلتها مسرحية (الراية) وكذلك مسرحية (زهراء سقطرى) لأخيكم سمير العريمي وتدور أحداثها عن الإمام الصلت بن مالك وإنقاذه لجزيرة سقطرى من غزو الأحباش وقدمت 2005م .
ومن أمثلة المسرحيات التي وظفت القصص القصيرة أو السرد عامة في عمان مسرحية حب يستوطن الرمال التي قدمها المبدع العماني يوسف البلوشي في مهرجان الشارقة الصحراوي تحت اسم عشق في الصحراء وقدمتها فرقة كلية العلوم التطبيقية بصلالة باسمها الأول في مهرجان الإسكندرية المسرحي . والمسرحية مأخوذة من رواية موشكا للكاتب العماني محمد الشحري.
وهناك تجربة أخرى لفرقة الدن للثقافة والفن التي قدمت عام 2006م مسرحية (ظل وسبع أرواح) عن قصص السحر المتأصلة في الذاكرة الجمعية العمانية. وأصل المسرحية قصة قصيرة جدا كتبها المسرحي إدريس النبهاني وقدمت في النادي الثقافي ضمن ندوة عن السحر في الحكاية الشعبية وقدم ذات العمل في مهرجان المسرح الدائري في بيت الزبير وهو متحف خاص في سلطنة عمان بإعداد وإخراج الكاتب والمسرحي محمد خلفان هذه المرة .وقدمت فرقة الدن مسرحية السيل وهي مأخوذة عن قصة للقاص الراحل د. عبدالعزيز الفارسي ومسرحية الحيالة لقصة تعود للكاتب أحمد الكلباني .
لكن عامة تعد التجارب التي اتكأت على القصص القصيرة العمانية أو السرد عموما قليلة في المسرح العماني وتعد تجربة ورشة سوالف بصرية التي عقدت العام الماضي بقيادة أ/ عبداللطيف فردوس أو تجربة ناجحة من نوعها لتحويل نصوص من القصة القصيرة العمانية إلى مسرحيات قصيرة بأسلوب منهجي وفني مدروس ونجحت التجربة في إخراج أعمال شبابية جميلة اتكأت على قصص كتبها كتاب عمانيون مثل د. سعيد السيابي وزهران القاسمي وسمير العريمي وآخرين وتحويلها إلى مسرحيات قصيرة وها نحن ذا نرى نتاج ذلك في أيام مراكش للمسرحية القصيرة دورة سلطنة عمان التي تسهم في تجسير العلاقات الثقافية بين البلدين الشقيقين عبر تجسيد تلك الأعمال العمانية على خشبة المسرح على يد الشباب المغربي المبدع والموهوب بعد المعالجة الفنية والدرامية التي تتناسب وتقديمها وسط الجمهور المغربي الشقيق .
وهي تجربة نرجو استمرارها وصقلها والارتقاء بها وأشكر عليها كثيرا أستاذنا عبداللطيف فردوس ود. نزهة وفرقة فانوراميك وغيرها من فرق المسرح الرائعة في مراكش . متمنين لهم التوفيق الدائم.
ملحوظة هامة:
ورقة (واقع القصة القصيرة وعوامل نشاط حركتها وتحدياتها) لمحمد عباس مدني هي المادة الأساسية لمداخلتي إضافة إلى مقابلات أجريتها مع بعض الممارسين للفعل المسرحي في سلطنة عمان.