عندما تسمع بمحلة (ام الدجاج) يتبادر للذهن كبار المثقفين والفنانين، فلا تجهد نفسك في التذكير او السؤال، لأنه سيبادر الى ذهنك اول الامر المخرج السينمائي العالمي قاسم حول، ثم فنان الشعب فؤاد سالم، ثم نصير عوده، ونزار جليل … وغيرهم، من اللذين خدموا الحركة الثقافية والفنية في البصرة، ومن بينهم ايضا الفنان حميد عبد مهدي، والذي عرف فيما بعد بحميد حساني.
لقد ولد وترعرع الحساني في هذا الحي، وتعرف على كل ما هو جميل في هذا الحي القريب من شط العرب، الذي كان يفتح للفنانين ذراعيه ويستقبلهم بنوارسه الجميلة التي لم تفارقه طوال اليوم، حيث كان الناس يقضون اجمل الاوقات بقربه، لم يبتعد حميد حساني عنه كثيرا ولم يفارقه طوال وجوده في هذا الحي الجميل الرائع، كان يذهب الى شط العرب ليستمتع بمنظر النوارس وهي تتبع السفن القادمة لميناء المعقل في البصرة، فهنى تتفتح المخيلة وتتسع لمواضيع كثيرة، ويتسع البعد الجمالي لمن ينظر لعمق الشط الذي كان يحمل كل الخير لهذه المدينة الجميلة الرائعة، لم يفارق الحساني فناني الحي كان ملازمهم دائما، يتتبع اخبارهم ويسمع لهم ويتعلم، تعلم منهم الفن، وخزن كل ما تعلمه لكي يُكون المعرفة التي تنير طريقة في الايام القادمة.
دخل الحساني رياض الاطفال ومن ثم مدرسة الابتدائية في كنيسة (دير الراهبات) في العشار/ مناوي باشا، وكان مع زميلين اخرين هم الوحيدين مسلمين في الروضة والمدرسة الابتدائية، كانوا يعيشون بأمن ولام، كان الحب والعلم هو الشريك المشترك بينهم.
في عام 1959 تم نقله الى مدرسة (المربد) لكي يتعلم العلوم الدينية وان يتهيأ الى دراسة البكلوريا في المرحلة السادسة .
بعد ان انهى المرحلة الابتدائية تم تسجيله في متوسطة (الرجاء العالي الامريكية)، وهنا تعلم اللغة الانكليزية باحترافية عالية وعلى ايدي اساتذة مختصين، حيث كانت اغلب دروسهم باللغة الانكليزية، وهذا ما اهله فيما بعد لترجمة كتب عديدة، وفي خلال دراسته اعتقل عام 1963 بسبب توجهاته السياسية.
اكمل الحساني دراسته الثانوية في (ثانوية نظران) في البصرة القديمة – وهنا كان قريبا من المسرح، لان هذا الحي امتاز عن غيره من احياء المدينة بهذا الجنس من المعرفة والادب، فقد ظهر به شباب يقدمون عروض مسرحية في “خرابة ال البدر” وكان يرأسهم الشاب (توفيق البصري)، الذي احتضنه فيما بعد احد اعيان البصرة الذي كان يقدم عروضا مسرحية في بيته، ففسح المجال امام توفيق البصري ومجموعته لتقديم عروضهم المسرحية، كما كانت هناك بيوت اخرى تقدم العروض داخل بيوتهم – لم يتوانى الحساني بمتابعة العروض المسرحية التي تقام في المدينة، وراح يتعرف على الشباب الذين كانوا يقدمون تلك العروض، وأصبح لديه الشغف في متابعة المسرح، مما جعله يكتب اول عمل مسرحي له ليقدمه بعد ذلك مع الفنانين (لطيف صالح، والفنان مؤيد البصري، والفنان نصير عوده، والفنانة الشابة احلام الكعبي).
لم يترك الوقت يمضي طويلا ولم يشغله ما تعلمه عن المسرح، ولم يستعجل الصعود على المسرح، بل اسرع للذهاب للتسجيل في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1964 ، لكي يتزود بالعلم والمعرفة، هنا يمكنه ان يكون فنانا، وهنا يمكنه ان يتعلم علوم المسرح، وهنا يتعلم حرفية الفن في التأليف والاخراج والتمثيل، فكان مواظبا على الدوام وكان حريصا ان يتعلم كل شيء عن تاريخ المسرح وتاريخ الفن، لكي يكون من الاوائل، في تلك الفترة كان الوضع السياسي في العراق يغلي والحركات السياسية تتقلب على نارا حامية، وكان الفن يصارع هو الاخر بسبب هذا الغليان لأنه يحتاج الى ارضية هادئة من اجل تقديم الجمال.
عام 1968 استقر الوضع السياسي نسبيا، وقلت انفعالات الحركات السياسية، حيث كانت تظهر بين الحين والاخر، وكان للحساني نصيبا من هذه الحركات فكان يخرج بين فترة واخرى مع المتظاهرين، مما اثر ذلك على دراسته سلبا.
تعد الفترة التي قضاها الحساني في معهد الفنون الجميلة في بغداد، والمتغيرات السياسية التي حدثت من اهم الفترات في حياته، كونه تعلم من الاوضاع السياسية المتقلبة الشيء الكثير وتعلم في معهد الفنون الجميلة على ايدي أساتذة وفنانين كبار، كان من بينهم (جعفر السعدي وسامي عبد الحميد، وجاسم العبودي وبهنام ميخائيل واسعد عبدالرزاق … وغيرهم) وهذا ما ملئ مخيلته بعلوم المسرح وجمالياته، وقد افاده هذا الكم من المعرفة والعلوم المسرحية بان يقدم الكثير في مجال الادب والفن على حد سواء.
كانت البداية الاولى للحساني في الكتابة، لقد سيطر عليه الادب قبل الفن فراح باتجاه القصة القصيرة فكتب عام 1963 اول قصة له وتم نشرها في جريدة المنار البصرية.
اما في مجال المسرح فقد مثل العديد من المسرحيات منها: مسرحية “انا راضي” ومسرحية “الارعن”، وفي التلفزيون مثل في المسلسل التلفزيوني “الجسر” عام 1970.
وفي مجال التأليف فقد كتب للمسرح عام 1963 مسرحية “انا راضي”، والمسرحية الغنائية “بيت للجميع”، والتي اخرجتها الفنانة اسمهان ابراهيم، وقام بتلحين الاغاني الفنان كمال السيد ،والذي اعتقل على اثرها في اول يوم لعرض المسرحية، ومسرحية “جنبلاط يقتل”، وعّرق مسرحية “فوك النخل واوية” عام 1979 .
وكتب للتلفزيون سهرة تلفزيونية عام 1977بعنوان “الجدار العالي”، والمشروع الكبير من عشر حلقات وقد اخرجه للتلفزيون العراقي المخرج نبيل يوسف، وقد شارك في التمثيل الفنانين ( يوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وقاسم محمد، وسامي قفطان….)، وكان في هذه الفترة يعمل في قسم البرامج والتمثيليات للفترة من 1970 الى 1975، لم يكن الحساني يهوى التمثيل، فكان ميوله الفني للكتابة والاخراج، لذلك نجده دائما يُقدم على اخراج الاعمال المسرحية لذلك كانت الحصيلة كما يأتي:
- مسرحية (فوك النخل واوية) عام 1979
- انشودة (كاليكولا) 1970 تأليف بيتر فايس, وقد كانت لهذه المسرحية تأثيرات كبيرة في نفس الحساني للإسبات التالية:
- ان العمل تم انتاجه من قبل ادارة المعهد، واقصد ان المعهد تحمل مصاريف الانتاج التي لم تصرف لغيره من اعمال الطلبة، لان الصرف كان يقتصر على المدرسين فقط .
- استمرار العرض لمدة اربعة ايام متتالية على القاعة الرئيسية للمعهد.
- لأول مرة يقدم المسرح الوثائقي من قبل طالب، حيث لم يكن معروفا لدى الطلبة حنها.
- لتكامل العمل تم نقلة الى المسرح القومي وهناك استمرت العروض لمدة اسبوع
- تم تسجيل العمل من قبل التلفزيون العراقي
- مسرحية (اغتيال باتريس لومويا) وهي من تأليف الكاتب المصري رؤوف مسعد، وقد فازت المسرحية بالجائزة الاولى في مهرجان وزارة التربية، وقد لعب الفنان كاظم الخالدي احد ادوار المسرحية.
- مسرحية (الموافق والمعارض) والمأخوذة عن فكرة مسرحية (القائل نعم والقائل لا) لبرخت، والتي تم عرضها في نادي التشكيلين في المنصور.
- مسرحية (مبادرات) اخراج مشترك مع الفنان عوني كرومي
- مسرحية (الاشباح) اخراج مشترك مع الفنان فاضل خليل
- مسرحية (الحلبة) اخراج مشترك مع الفنان كاظم الخالدي، وقدمت على مسرح نادي التشكيلين في المنصور.
- مسرحية (جنبلاط يقتل)
كما ان الحساني شارك بتأسيس (حركة المسرحين الشباب) عام 1970 في بغداد، والتي تكونت من (كاظم الخالدي، واسماعيل خليل، واسعد راشد …واخرين) وبعد ذلك انظم للمجموعة الفنان عوني كرومي وشباب اخرين، والذين احتضنهم فيما بعد اعضاء فرقة (المسرح الفني الحديث) والتي كانت تضم (الفنان جواد الاسدي، والفنان فاضل السوداني، والفنان فاضل خليل….)، وقد اعطوا للشباب فرص كبيرة في العمل معهم، وقدموا لهم من خبراتهم الفنية الكثير.
بعد هذا الجهد الكبير الذي بذله الفنان حميد حساني ، وانشغاله في التنظيمات الحزبية اضطره للهجرة الى سوريا ومن ثم الى الجزائر، بسبب المضايقات من قبل الحكومة آنذاك، حاملا معه ما تبقى من اعمال ومشاريع فنية في مخيلته، فقدم في تونس المحاضرات، والندوات الفنية، والثقافية في كثير من المراكز الثقافية، والفنية للراغبين بالحصول على العلوم المسرحية، فقدم كل ما بجعبته من هذه العلوم، وما تعلمه من خبرة نظرية مارسها في العراق، كما تمكن من القاء محاضرات لمادة (تاريخ الفن) لعدد من المؤسسات التعليمية في الجزائر، تحول بعد ذلك للدروس العملية وتقديم عروضا مسرحية وتلفزيونية، فقدم من اعداده واخرجه مسرحية (الحسين ثائر) للكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، ولتي شارك فيها ما يقارب(70) ممثلا، بعدها بث العمل عبر شاشة التلفزيون الجزائري عام 1979، كما قدم لإذاعة وتلفزيون الجزائر برنامجاً اسبوعياً بعنوان (نادي القصة للأطفال) والذي استمر لعدة سنوات، كما قدم للتلفزيون الجزائري مسلسل (معركة الصقور) والذي يتحدث عن الاحتلال الفرنسي للجزائر، ولم ينفذ العمل بسبب عدم توفر السيولة المالية له.
في عام 1986 رحل من الجزائر مخلفا ورائه الكثير من الاعمال الفنية التي لم تسمح الظروف لإنجازها، ليكون ضيفا هذه المرة على اسبانيا ، وهنا ترك العمل الفني واتجه للعمل التجاري وذلك بسبب الظروف المادية، وصعوبة التفاهم لجهلة للغة الإسبانية ، وقد توفي في ارض الغربة في 16 سبتمبر 2016، بعيدا عن الاهل والاصدقاء والمسرح.