مقالات

مسرحية “عظم السما”.. دراما الدم والموت.. بطعم الخرافة / د. أسامة السروت

عرضت فرقة معمل التكوين والبحث الدرامي مسرحيتها “عظم السما” بفضاء مسرح بنمسيك بالدار البيضاء مساء يوم الجمعة 24 من شهر أكتوبر الجاري ، والعمل المسرحي الجديد هو جزء من برنامج التوطين المسرحي بالمركب الثقافي أيت ملول بأكادير ضمن الموسم المسرحي الحالي 2025.

ضم العمل المسرحي عددا من الفنانين المتميزين كقدس جندل وسهام حراكة ومحمد أوراغ ورضا بنعيم وإبراهيم فرج  وعبد العزيز بوجعادة، فيما ألف المسرحية الكاتب علي الداه أما من قاد دفة إخراج المسرحي فهو المخرج الشاب يونس رونا.

يستحضر العرض في إطار درامي حبكة مكثفة لا تترك للمشاهد فرصة الانزياح عن المرويات اللفظية أو التفاصيل البصرية. تحاول المسرحية استحضار “دراما الخرافة” كشكل وأسلوب يحف بتفاصيل العرض. تحكي قصة العرض عن دوار غابر اسمه “المجهول” حيث النشاط الأساسي هو زراعة النخيل تجف السماء، يحين الطقس السنوي المخصص لذبح القربان وقراءة طالع السماء المكتوب على ضلع كتف الأضحية، لكن الصراعات على السلطة تتأجج بين الشيخ “تاشفين” و”اوسمان” هذا الأخير الذي يريد الزواج من ابنة تاشفين “ميرا” فيما هي تفضل عليه عبدا ‘ازري’، وتتشابك خيوط القصة حين يرفض الكاهن/أمنير إتمام تفاصيل الطقس دون حضور اوسمان الغاضب لعدم تمكينه من “ميرا”. يحاول “اوسمان ” مغازلة الكاهن ليقرأ زورا بشارة زواجه ميرا في كتف عظم الأضحية لكن الكاهن ينهي حكاية العرض المسرحي بخبر الدم المغدور ، لقد قتل “اوسمان” غريمه محبوب “ميرا” فيما تقتل “ميرا” ابن عمها “اوسمان” الذي كان حبه لها من طرف واحد فهي التي أهدت حبيبها قلادته التي أهداها إياها آنفا عربون محبة لم تكتمل.

لقد ميز العرض المسرحي سمو لغته الملفوظة التي كانت تنزاح للشعرية والكلمة البليغة المسجوعة، أما على مستوى الصورة المشهدية فقد عرف قطعا ملبسية جد متميزة اعتمدت في سياق التكامل مع القطع السينغرافية المؤثثة للفضاء تيمة الغرائبية دون الوقوع في المبالغة المجانية، كما احترمت المعطى الجمالي الأمازيغي على مستوى الوشم أو الأكسسوارات النسائية، أما الألوان فقد كانت بطعم الطين ( تاشفين/اسماون/ ميرا) والأزرق تيليلا فهي دائمة اللعب بالماء، والأسود ( الكاهن و تابعه صاحب الطبل) .

وبالنسبة للفضاء فقد انقسم بين مصطبات في عمق اليمين وعمق اليسار، حيث كان هناك مغنية وعازف، أما وسط وسط الخشبة فقد كان هناك ثلاث مصطبات قصيرة العلو أحدها مجلس للشيخ تاشفين سيتحول لمذبح خلال تدخل الكاهن في مشهد القربان، فيما الاثنان الباقيان هما إما للجلوس أو فضاءات وقوف تاشفين و اوسمان، كما أن المميز هو وجود فضاء دائري في الوسط قابل للدوران سيكون لحركته إبان وقوف الكاهن فوقه تأثيرا بصريا مثيرا، و كل القطع السابق ذكرها هي مغلفة بجريد النخيل ما يحيل “للقفة التقليدية” وهو توظيف سينوغرافي ذكي جمع بين بساطة الفكرة وارتباطها المباشر بفضاء القصة ‘دوار المجهول’ ذو ارتباط بالنخيل و مشتقاته اليدوية.

جدير بالذكر أن خيار الموسيقى الحية كان مفيدا لعملية السرد ولتأثيث الفضاء السمعي وتركيز الفعل الحركي في عدد من مفاصل العرض المسرحي. أما أداء الممثلين فقد كان دون التصنع ويتماشى مع الرؤية الإخراجية التي تهتم بتشخيص الدور والابتعاد عن التغريب أو المبالغة الحركية. وإذا كان كل الممثلين قد أبدعوا في عملية التشخيص ينبغي الإشارة لدور الكاهن الذي لعبه ‘رضا بنعيم’ الذي تجاوز أداءه فكرة التشخيص بالجسد إلى التشخيص بالجلد الثاني للممثل وهو الزي المسرحي، فقد تميز الكاهن بلباس أسود من شعر الماعز فيما لبس كعبا عاليا مفلطحا يحيل لأرجل الماعز، ومع استخدامه لعصا غليظة ووجود قرون على رأسه وشعر رأس طويل ولحية ظاهرة تكاملت الصورة للمشاهد فيما كان التعامل مع الكتلة السينوغرافية الملبسية جد مثير للاهتمام خاصة في المشاهد الطقوسية أو الراقصة، حيث كان الأداء مضاعفا بالنسبة للممثل ما أضفى جمالية مضاعفة على لعبه.

ولعل ما اقترحه العرض من عوالم تنحو لاستثمار المعطى الشعبي الأمازيغي، دون الغوص في مسرحة الأسطورة، هو في حقيقة الأمر خلق لحبكة معاصرة استعانة ببنيات حكائية وثقافية شعبية، أمازيغية في هذه الحالة، دون تمثل للأسطورة حرفيا مع الاستفادة من الهاجس الأنثروبولوجي في الخيارات الجمالية على مستوى الشكل البصري أو أجزاء من القصة أو الحبكة، و’دراما الخرافة’ فيما نراه في هذا النموذج المسرحي، يحيلنا لعدد من التجارب في فرق أخرى من مدينة أكادير مسقط رأس فرقة مركز التكوين والبحث المسرحي، ونشير هنا على سبيل المثال لا الحصر لمسرحية ” أفار” مع بوبكر اوملي و مسرحية ‘ اصوابن ‘ مع الحبيب نونو .

يبدو أن العرض المسرحي ‘ عظم السما’ ، ومن خلال ما قدمته الرؤية الإخراجية المتكاملة للفنان والمخرج يونس رونا جد مقنع ، وهو ما أجبر المتفرج على انتظار نهاية المسرحية و أوضح حاجة الجمهور لشكل مسرحي يعيد روح الدراما و التراجيديا المعاصرة بأداء حكائي وسرد مشوق ، وهذا ما يكسر المقولة الجائرة بأن الفرجة المسرحية رهينة الفعل المضحك الساذج.

Related Articles

Back to top button