
تمارين روحية وجسدية تهدف إلى تحقيق الانضباط الداخلي والسيطرة على الذات
من بين الصور التي حظيت باهتمام واسع في وسائل الإعلام العالمية خلال السنوات الأخيرة، تبرز صورة لرئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، وهو يقود حشداً يزيد عن 30 ألف شخص في تمارين اليوغا. لم يكن هذا الحدث مجرد تجمع عادي، بل كان منظماً بدقة ليصبح، حتى الآن، أكبر فعالية جماعية لممارسة اليوغا في التاريخ.
تمكَّن رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، من تحقيق رقم قياسي عالمي من خلال تنظيم أكبر تجمع لممارسة اليوغا في العالم. فقد تم تخصيص مساحة شاسعة امتدت على ألف وأربعمائة متر بالقرب من القصر الرئاسي لهذا الحدث، حيث اجتمع آلاف المشاركين لممارسة اليوغا تحت قيادته. لم يكن الحدث مجرد جلسة تأمل جماعية، بل تجربة متكاملة ركزت على تحقيق التوازن بين الجسد والعقل والروح. تولى مودي بنفسه توجيه الحاضرين في أداء الحركات والتقنيات الخاصة باليوغا، مشددًا على أهمية تنقية المشاعر، وضبط الانفعالات، وتعزيز التواصل الداخلي لضمان الانسجام النفسي والجسدي.

ولإضفاء طابع مؤسسي على هذا النهج، قرر مودي إنشاء وزارة جديدة تحت مسمى “وزارة اليوغا والطب التقليدي”، وهي خطوة تعكس رؤيته لتكريس هذه الممارسات ضمن منظومة الصحة العامة والتنمية البشرية.
ما اليوغا؟
يمكن تعريفها ببساطة بأنها “تمارين روحية وجسدية تهدف إلى تحقيق الانضباط الداخلي والسيطرة على الذات”.
في السياق الطبي الحديث، لم يعد الطب التقليدي مجرد بديل، بل أصبح جزءًا من منظومة الرعاية الصحية المتكاملة، حيث يتم توظيفه في علاج العديد من الحالات، خاصة تلك المتعلقة بالصحة النفسية وإدارة التوتر. ومن هنا، تبدو وزارة اليوغا بمثابة مشروع يسعى لتطوير الإنسان على المستويات الذهنية والجسدية والروحية، عبر تبنّي منهج شامل لتحقيق التوازن بين الفكر والسلوك.
وقد أشار الباحثون المتخصصون في اليوغا إلى أن السياسيين، تحديدًا، يمكنهم الاستفادة من ممارساتها، إذ إنها تساعدهم على الوصول إلى درجة عالية من الصفاء الذهني، وتمنحهم القدرة على التأمل العميق واتخاذ قرارات أكثر توازنًا بعيدًا عن التسرّع والانفعال.
في المقابل، يرى بعض المفكرين أن اليوغا ليست مجرد رياضة أو ممارسة تأملية، وليست مرتبطة بأي دين بعينه، بل هي علم مستقل، مثلها مثل الفيزياء أو الكيمياء، له قوانينه ونظرياته الخاصة.

يبدو أن رئيس الوزراء الهندي يسعى، من خلال تبنّيه لهذا التوجه، إلى ترسيخ حضور اليوغا عالميًا، انطلاقًا من إيمانه بأن السياسة لا تكتمل دون وعي عميق بالروح والنفس. فهو يرى أن السياسي لا ينبغي أن ينشغل فقط بالسعي وراء النفوذ، بل عليه أن يعمل على تطوير ذاته ليكون أكثر اتزانًا وقدرة على مواجهة ضغوط السلطة.
في هذا الإطار، تظهر اليوغا كمنهج فعّال لتحقيق السلام الداخلي، حيث تمنح السياسيين فرصة للتفكير بهدوء، واتخاذ قرارات عقلانية، بعيدًا عن الضغوط النفسية والصراعات الداخلية، مما يمكنهم من استخدام سلطتهم بشكل أكثر إنسانية، لا بوصفها أداة للهيمنة والسيطرة.
من خلال إنشاء وزارة متخصصة في اليوغا والطب التقليدي، يبدو أن مودي يسعى إلى تقديم نموذج جديد للحكم، يستلهم من الفلسفات القديمة أدوات حديثة لإدارة الضغوط النفسية والسياسية. هذه الخطوة قد تفتح نقاشًا واسعًا حول العلاقة بين التأمل والسياسة، وهل يمكن أن تكون اليوغا أداة لتطوير الحُكّام وجعلهم أكثر حكمة في إدارة شؤون بلدانهم؟ أم أنها مجرد وسيلة جديدة لترويج الهوية الثقافية الهندية على المستوى العالمي؟
بغض النظر عن الإجابة، فإن ما قام به مودي يعكس تحولًا في فهم العلاقة بين الجسد والعقل والسياسة، حيث لم تعد السلطة مجرد أداة تنفيذية، بل باتت تتطلب نوعًا من الصفاء الذهني والتوازن النفسي لضمان استمراريتها وفاعليتها.




