التعاونيةشرفات

هل غيّر التحول الرقمي وجه التعليم؟ بين الفرص والتحديات/ أحمد جاسم فاخر

في إحدى القرى النائية، يجلس طالب في المرحلة الإعدادية، يتابع دروسه عبر هاتف والده الذكي، متحدياً ضعف شبكة الإنترنت وانقطاعاتها المتكررة، هذا المشهد، الذي كان يبدو خيالياً قبل سنوات قليلة، بات اليوم واقعاً يعكس التحول الرقمي الذي اجتاح قطاع التعليم، ليُعيد تشكيل أساليب التعلّم والتدريس، ويفتح آفاقاً غير مسبوقة أمام الطلاب والمعلمين على حد سواء، لكن مع هذه الفرص الواعدة، تبرز تحدياتٌ لا يمكن تجاهلها، تفرض علينا التساؤل: هل استطاع التحول الرقمي فعلاً أن يغير وجه التعليم؟ وكيف يمكننا تحقيق التوازن بين إمكاناته وتحدياته؟ .

توسيع دائرة الوصول إلى التعليم
أحد أبرز إنجازات التحول الرقمي في التعليم هو كسر الحواجز الجغرافية والاقتصادية اليوم، يستطيع طالب في قرية نائية متابعة محاضرة أكاديمية من جامعة عالمية مرموقة بضغطة زر، بفضل منصات تعليمية مثل “رواق”، “إدراك”، “Coursera”، و”Khan Academy”. هذه المنصات وفّرت محتوى تعليمياً متنوعاً، غالباً مجانياً، مما جعل التعليم أكثر ديمقراطية وشمولية، في العالم العربي، برز دور التعليم الإلكتروني خلال جائحة كورونا (2020-2022)، حيث شكّل طوق نجاة للمؤسسات التعليمية، لم تقتصر أهميته على استمرارية التعليم، بل مهّد الطريق لتجربة تعليمية هجينة تجمع بين التعليم الحضوري والرقمي، وهي نموذج يترسخ اليوم في العديد من الأنظمة التعليمية.

تفاعلية التعليم وتخصيص التجربة
لم يعد الصف الدراسي مجرد فضاء للتلقين التقليدي، بل تحول إلى بيئة تفاعلية ديناميكية. أدوات مثل “Google Forms”) و(“Mentimeter” أتاحت للمعلمين استطلاع آراء الطلاب، وطرح أسئلة تفاعلية، وتعزيز النقاش داخل الصفوف، سواء الافتراضية أو الحضورية، علاوة على ذلك، ساهمت التكنولوجيا في تخصيص التجربة التعليمية وفق احتياجات كل طالب من خلال أنظمة التعلم الذكية، يمكن تتبع أداء الطلاب، تقديم تغذية راجعة فورية، وتصميم مسارات تعليمية تناسب قدراتهم واهتماماتهم، مما يعزز كفاءة التعلم ويحفز الطلاب على تحقيق إمكاناتهم الكاملة.

مهارات القرن الحادي والعشرين في صميم التعليم
لم يعد التعليم يقتصر على نقل المعلومات وحفظها، بل أصبح يركز على تنمية المهارات الأساسية لمواكبة متطلبات العصر، مثل التفكير النقدي، حل المشكلات، الإبداع، والعمل الجماعي، برامج تعليم البرمجة، التصميم الرقمي، والمشاريع التعاونية عبر أدوات مثل “Trello” و”Canva” أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المناهج التعليمية الحديثة، هذه الأدوات تمكّن الطلاب من اكتساب مهارات عملية، تؤهلهم للاندماج في سوق عمل رقمي وتنافسي.

تحديات تواجه التحول الرقمي
على الرغم من الإمكانات الهائلة، يواجه التحول الرقمي تحديات كبيرة. تظل “الفجوة الرقمية” العقبة الأبرز، حيث يعاني ملايين الطلاب في الدول العربية من نقص الأجهزة المناسبة أو ضعف البنية التحتية للإنترنت. وفقًا لتقرير اليونسكو (2023)، لا يزال 43% من سكان العالم العربي يفتقرون إلى الوصول المستدام إلى الإنترنت، مما يحد من استفادتهم من التعليم الرقمي، كذلك يعاني بعض المعلمين من نقص التدريب على استخدام التكنولوجيا بفعالية، مما يقلل من كفاءة تطبيق الأدوات الرقمية، وهناك مخاوف متزايدة من أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا قد يؤثر على التفاعل الإنساني والعلاقات الاجتماعية داخل المدارس، وهي عناصر حيوية للتجربة التعليمية.

فرص عظيمة… بشرط الاستعداد الشامل
التحول الرقمي ليس خيارًا، بل ضرورة فرضتها متطلبات العصر. لكن تحقيق إمكاناته الكاملة يتطلب جهودًا منسقة تشمل: – **
• استثمار في البنية التحتية: توفير إنترنت موثوق وأجهزة حديثة للطلاب والمعلمين.
• تدريب المعلمين: تصميم برامج تدريبية مكثفة لتأهيل المعلمين لاستخدام التكنولوجيا بكفاءة.
• تصميم مناهج شاملة: دمج التكنولوجيا بطريقة متوازنة تحافظ على التفاعل البشري وتعزز المهارات الأساسية.
نحو تعليم رقمي منصف
التحول الرقمي في التعليم يحمل في طياته فرصاً هائلة لإعادة صياغة المستقبل التعليمي، لكنه يتطلب رؤية استراتيجية واضحة وإرادة سياسية قوية لضمان شموليته وعدالته، السؤال الملح اليوم هو: هل نحن مستعدون لتعليم رقمي يضع الطالب في صميم التجربة، ويضمن وصولاً عادلاً للجميع؟ الإجابة لن تأتي من الشعارات، بل من الخطوات العملية التي ننفذها على أرض الواقع.

* أحمد جاسم فاخر، باحث تربوي

Related Articles

Back to top button