من شهرة الإنترنت إلى أضواء الشاشة: لماذا يندفع مشاهير السوشيال ميديا بقوة نحو فن التمثيل تحديداً؟/ حمزة الغرباوي

يُشكّل الإنترنت بحد ذاته ظاهرة حضارية مهمة للتطور والتحضر، فمنذ ظهوره ودخوله حيّز الاستخدام، استبشرت البشرية ورحّبت بضيف جديد لديه القدرة على تقديم مختلف الخدمات التقنية والتكنولوجية والبحثية والآلية. ومنذ تلك اللحظة، أصبح كل شيء يُدار إلكترونياً، وأصبح العالم أشبه بقرية صغيرة يُديرها الإنسان وهو جالس في بيته أو غرفته، أو في المقهى يحتسي الشاي مع أحد زملائه.
ومع مرور الوقت، تنوّعت وسائل استخدامه وتطوّرت؛ فبعد أن كان محصورًا ضمن جدران الحاسوب الإلكتروني (Desktop)، تحرر وانتقل إلى جهاز (Laptop)، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل الاستخدام الذكي إلى الهاتف المحمول وشبكات (Wi-Fi). ومع هذا التطور المستمر للإنترنت واستخداماته المتعددة بين البشر، استغلّ البعض هذا التطور وإساءة استخدامه. ومع دخول موجة جديدة من التطبيقات المتعددة على الهواتف الذكية، مثل (فيسبوك، تيك توك، إنستغرام)، بدأ الوهم يتسلل إلى أذهان البعض، متغلغلاً في عقولهم ومديات تفكيرهم، حتى بات الجميع “فنانين بالفطرة”، ولكنها فطرة وهمية!
وهنا أتحدث عن واقع العراق، إذ ظهرت فئة من شعراء الوهم والصحافة والإعلام والفن، وتجاوز الأمر ذلك ليصبح بعض هذه الوسائط “دكاكين” للتسوّل الفكري والتجرد الأخلاقي. وعند العودة إلى العنوان الأصلي للمقال، نجد أن الكثير من أدعياء السوشيال ميديا، والمخرفين والبلهاء والمنحرفين نوعًا ما، باتوا يقتربون بشدة من الوسط الفني ليمنحوا أنفسهم الشرعية للعمل في فن التمثيل دون غيره.
أما “إنجازاتهم” التي يتباهون بها، والتي تعدّ سلاحًا قويًا لاختراق هذا الفن النبيل والصعب، فهي ليست سوى عدد من اللايكات والمشاهدات والمتابعين في التطبيقات المذكورة أعلاه. أما الموهبة، والخبرة، والدراسة الأكاديمية، فليست في حسبانهم، بل يعتبرونها أمورًا ثانوية من وجهة نظرهم.
الأخطر من ذلك، أن بعض المخرجين والمنتجين وقعوا في هذا الوهم أيضًا، معتقدين أن هؤلاء الأشخاص سيضيفون لأعمالهم النجاح والشهرة والانتشار، غير مدركين أن هذا الوهمٌ سيبقى وهمًا، وأن بعض الأعمال العراقية لا تزال محصورة في دائرة المحلية الضيقة، بينما يتم تهميش الأكاديميين الحقيقيين من أصحاب التخصص والممارسة الفنية، وكأن على أجسادهم داء الجدري أو الحمى!
في كثير من الأحيان، يفضل بعض مشاهير السوشيال ميديا التعمّق في تجربة التمثيل والبحث عن النجومية، نظرًا لاستسهالهم هذا المجال مقارنةً بغيره من الفنون، فهم يجدون الدعم والمساندة في الظهور، كما يستغلّون الخلل الكبير في منظومة الدراما العراقية.
إضافة إلى ذلك، فإن الشهرة المجانية ذات الصفة الرسمية التي يكتسبونها من هذا المجال تمنحهم لقب “فنان” بمجرد أول ظهور لهم، ما يسهل عليهم اقتحام هذا العالم دون أي خبرة حقيقية أو تأهيل مهني.
الحلول:
يجب أن يكون هناك حد لهذا الاستسهال عبر إصدار قوانين تنظم عمل هؤلاء، كي لا يتطفل أحد على مهنة الآخر. فالمشهور مشهور بما يقدمه من شهيرة، والفنان فنان بما يقدمه من فن ملتزم ومنضبط وخاضع للقوانين والأنظمة النافذة.