بين التأثير الدرامي والاستدرار العاطفي أين يكمن النجاح؟/ حمزه الغرباوي

إن النجاح الدرامي يعتمد في الغالب على مقومات عدة، منها المادية والفنية والإدارية، ويمكن تلخيصها وتفسيرها بشكل مبسط. إذ إن المقومات المادية يمكن أن تتوفر، والكُلف الإنتاجية قد تكون تحت اليد بشكل مقبول وتحت التصرف، لكن هذا المقوم الحيوي وحده لا يمكن أن يصنع عملًا دراميًا ناجحًا بشكل كبير ما لم تتوفر المقومات الأخرى المتمثلة في الإدارة والصيغة الفنية التي يُقدم العمل الدرامي عن طريقها.
إن عملية كتابة النصوص أو إعدادها أو إعادة الحياة لها، واستذكار الشخصيات والمواضيع التاريخية أو الاجتماعية أو الدينية التي كان لها دور أساسي وحيوي مؤثر في جانب معين من الحياة الاجتماعية فقط، دون معالجة درامية حقيقية، لا يمكن لها أن تصنع عملًا دراميًا يمكن تصنيفه تحت مفهوم (السيرة) أو الحكاية الاجتماعية بشكل صحيح.
فنحن في الدراما لا يمكن أن ننقل الأحداث كما هي، بل نأخذ جزءًا منها ونطرحها ضمن قوالب درامية محكومة بقواعد وأسس صحيحة، كما قال الفيلسوف اليوناني (أرسطو)، وإلا أصبح ذلك مجرد تقليد أو استنساخ خالٍ من خطوط المعالجات الدرامية الرصينة.
وقد جاء هذا التوضيح فيما يخص النصوص الدرامية وطريقة كتابتها وتناول الأحداث فيها، أما فيما يخص عملية الإخراج والتمثيل واختيار الفنيين بشكل مناسب، فلا بد من وجود رؤية واعية وقادرة على الربط بين الحقيقي والدرامي، وهنا يكمن دور المخرج في بلورة ذلك، بدءًا من الفني الصغير وصولًا إلى الممثل الكبير. وهنا أيضًا تدخل فاعلية الإدارة الحكيمة في ذلك، كون مخرج العمل هو المسؤول الأول عن نجاح العمل الدرامي أو تحويله إلى مونتاج تجميعي لبعض المشاهد الحزينة التي تستدر مشاعر المشاهدين نتيجة ما يعيشونه لا ما يشاهدونه من دراما حقيقية تضع إصبعها على الجرح وتعالجه.
وأجد من هنا أن الاعتماد المستمر على استدرار عواطف المشاهدين لا يمكن أن يصنع عملًا دراميًا ناجحًا بشكل كبير، وعندما أقول (عمل درامي)، أشمل جميع الأعمال التي تقدم ضمن دائرة الدراما وتحت مفهومها، سواء كانت (مسرحًا، أو تلفزيونًا، أو سينما).
لقد شاهدت في فترات منفصلة أن بعض الأعمال الدرامية بدأت تأخذ هذا المسار، ألا وهو (الاستدرار العاطفي)، دون معالجة درامية حقيقية محكومة بمبدأ يتم على أساسه قياس النجاح. وهذا في الحقيقة وهمٌ لا يمكن أن يدوم طويلًا في الذاكرة، شأنه شأن الأعمال السينمائية العربية والعراقية الخالدة، مثل (الرسالة، وعمر المختار، والحدود الملتهبة)، وكذلك الأعمال التلفزيونية العراقية، مثل (النسر وعيون المدينة، والأماني الضالة، ورجال الظل)، والأعمال المسرحية العراقية الكثيرة، مثل (بغداد الأزل بين الجد والهزل، والمحطة، والنخلة والجيران).
ولكي أكون منصفًا، هناك بعض الأعمال الدرامية العراقية (التلفزيونية والمسرحية والسينمائية) التي قدمت مؤخرًا تناولت بعض الأحداث الواقعية ضمن إطار درامي بشكل رائع، وقد كان لها حظ كبير في النجاح الدرامي بشكل ملفت للنظر وقادر على التأثير دون تزييف أو تحريف أو استدرار عاطفي مبالغ به.