نحو دراماتورجيا خوارزمية… كيف يغير الذكاء الاصطناعي كتابة النص المسرحي؟ / د. عماد هادي الخفاجي

لم تعد الكتابة المسرحية حكرا على البشر وحدهم إذ بات الذكاء الاصطناعي اليوم لاعبا جديدا في ساحة الإبداع الأدبي مما يثير تساؤلات حول طبيعة الدراماتورجيا وإمكاناتها المتجددة. وهذا يعني بأن النص المسرحي الذي طالما ارتبط بوعي الكاتب وتجربته الذاتية يواجه الان تحديا جوهرياً مع ظهور خوارزميات قادرة على إنتاج نصوص تستوفي البنية الدرامية وتمتلك حسا سرديا متقنا بل وتتمكن أحيانا من توليد حبكات معقدة وتكوين شخصيات ذات عمق نفسي.
هذه التحولات لا تعني بالضرورة إحلال الذكاء الاصطناعي محل الكاتب بل تشير إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الإبداع البشري والخوارزمية، فبدلا من النظر إلى الذكاء الاصطناعي كبديل يمكن اعتباره أداة مساعدة تتيح للمؤلف استكشاف إمكانيات جديدة. وبفضل قدرته على تحليل كميات هائلة من النصوص المسرحية عبر العصور، يستطيع الكشف عن أنماط غير مرئية وصياغة احتمالات درامية غير متوقعة وهو ما يمنح الكاتب مجالا أوسع للتجريب وإعادة التفكير في أبنية السرد التقليدية، فضلا على ان بعض الدراسات تشير إلى أن الإفادة من الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص المسرحية قد تتراوح بين 30% و50% في المراحل المبكرة من تطوير الفكرة والحبكة، حيث يمكن للخوارزميات تقديم مقترحات مبتكرة لكنها لا تزال غير قادرة على استبدال البصمة الإبداعية للكاتب بالكامل.
لكن السؤال الأهم يدور حول طبيعة النصوص الناتجة هل يمكن اعتبارها ذات قيمة جمالية أصيلة أم أنها مجرد محاكاة باردة للنصوص البشرية؟ وهنا يتجلى التحدي الأكبر فالكتابة المسرحية ليست مجرد تجميع لجمل وحوارات منطقية بل هي فعل إبداعي يرتبط بالحساسية الإنسانية وبالتجربة الشعورية التي يعكسها النص وهذا ما يجعل الحكم على النصوص المُولدة خوارزميا محكوما بمدى قدرتها على إثارة الاستجابة العاطفية لدى المتلقي وليس فقط بمدى اتساقها البنيوي.
إلى جانب ذلك يطرح الذكاء الاصطناعي إشكالية تتعلق بالمؤلف نفسه من يملك النص الذي يكتبه الذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن اعتبار المبرمج الذي صمم الخوارزمية هو الكاتب الحقيقي أم أن النص بلا مؤلف أصيل؟ هذه الأسئلة تزداد تعقيدا في ظل التوجه نحو أتمتة عمليات الإبداع مما يجعلنا أمام شكل جديد من الدراماتورجيا حيث يصبح الكاتب شريكا لخوارزمية تتدخل في تشكيل العمل الفني دون أن تكون لها هوية مستقلة.
قد يبدو المستقبل مفتوحا على احتمالات غير مألوفة فربما نصل إلى مرحلة يصبح فيها الذكاء الاصطناعي قادرا على تطوير أساليب مسرحية لم تخطر ببال البشر أو إعادة تخيل السرديات بطرق لم تكن ممكنة في السابق لكن في المقابل تبقى نسبة الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص المسرحية محدودة إذ تشير التقديرات إلى أن دوره في توليد نصوص مسرحية متماسكة بشكل كامل لا يزال دون 20% مقارنة بالإبداع البشري لان المسرح في جوهره فن قائم على العلاقة الحية بين المؤلف والممثل والجمهور وهي علاقة تتجاوز حدود اللغة والصياغة إلى مستويات أعمق من التفاعل والتجربة الحسية وهو ما يجعل من الصعب تصور مسرح مستقبلي خال تماما من البصمة الإنسانية مهما تطورت الخوارزميات.