نص : “المزاد” / تأليف: رؤى حازم

شخصيات :
المبيوع
القاضي
الرجل الضخم
الشحاذ
شخصيات ثانوية
(المسرح مكان صغير، صورة معلقة لميزان العدل ، طابور من الناس يتقاتلون من أجل الدخول للقاضي يمسكون بايديهن أوراقا بالية، رجل يقف عند الباب ضخم البنية لا يدخل أحد إلا بإذنه )
الرجل الضخم: (يحاول تفريقهم بعصا) أبتعدوا من هنا .. عودوا إلى صفكم .. لن أسمح لكم بالدخول إن بقيتم بهذه الفوضى .. آآآآآآآه ياإلهي متى يتعلم البشر النظام !! متى تصبحون أكثر تحضرا .. أندب الحظ الذي أوصلني إلى هنا، تتذمرون على أتفه الأشياء، وتسمونها انتهاكات يالغرابتكم وجحودكم!! ارجع إلى مكانك يا هذا ! كفى تدافعا !! آه يا إلهي كم أمقت البشر !
إمرأة مسنة: (تحاول التقرب منه) أتعلم !! لي ولد يشبهك تماما وبنفس عمرك إلا إنه ذهب إلى الحرب ولم يعد.. لكني أنتظر نعم أنتظر سيعود حتماً .. (تقترب أكثر منه وتهمس له) أعتبرني كوالدتك او أختك إذا أردت (تتفاخر) صحيح إنني لست كبيرة في السن لكن لا بأس يمكنك مناداتي ما تشاء .. ثم إن عليك مساعدتي قليلا (تبدا بالتناقض) اخبر القاضي إنني إمرأة عجوز لا أقوى على الإنتظار، عجوز وأرملة ليس لها أحد .. قالوا لا يحق لي العيش في بيتي بعد اليوم يحاولون التذاكي وسلبي حقوقي.. سيضيع البيت الذي عمّره زوجي الراحل.. وأيضا لو عاد ولدي كيف سيجدني!! لابد للقاضي أن يحل لي معضلتي هذه.. لن أرحل من هنا ! ثم منذ متى كانت الحقوق تسلب يا ترى في أي زمان نحن؟ أو ليس عندهم ما يكفيهم؟ بالأمس ولدي الوحيد, وبعدها شاءت الأقدار أن يلتحق به زوجي المسكين, ماذا بقي لدي؟ أتلاحقونني من أجل خربة؟؟ لا يسكن بها حتى البعير ! عار عليكم !
الرجل الضخم: (بتجهم وغير مبال) الجميع هنا سواسية سيدتي ..
إمرأة مسنة: سواسية! منذ متى أصبحنا سواسية؟؟ لسنا سواسية.. لو كنا حقا سواسية لما كنا هنا نقف ننتظر رحمتك لتدخلنا.. نعم لسنا سواسية!! لوكنا سواسية ماكنت هنا أشحذ تعاطفك.. ليتك تكون مكاني.. من قال إننا سواسية؟ ليتك مكاني علك تستفيق وترى جيدا بعينيك هاتين؟
الرجل الضخم: ( غير آبه )
( أحدهم يحاول إختراق الصفوف )
المبيوع: (بأنفاس متقطعة) سيدي لو سمحت دعني أدخل.. مسألة حياة أو موت، قضيتي مهمة، ليس لدي مزيد من الوقت، إنهم يلاحقونني منذ الصباح، لابد أن أرى القاضي (يحاول إبعاده بالقوة) أقول لك إنني لا أستطيع الأنتظار إنهم على وشك الوصول والاقتصاص مني، إلا تسمع ما أقول؟ هل أنت أصم؟
الرجل الضخم: (يقوم بدفعه) يا سادة هل أتكلم بلغة غير التي تتحدثونها؟!! هل أتحدث إلى نفسي؟!! هل هناك من يفقه ما أقول ؟!! (متذمرا ) آه يا إلهي متى سينتهي وقت العمل لأرتاح .. (ينظر إلى ساعته) , الدقيقة هنا يوم كامل, كم أكره هذا العمل.
المبيوع: (يحاول التفاهم معه) دعني أوضح لك نقطة هنا، أقسم إنني سأخسر حياتي إن لم أدخل، قضيتي مهمة.. قضيتي لا تنتظر .. إن لم ادخل ربما، ربما سأموت! وستكون أنت السبب !
المرأة العجوز : وأنا سأخسر منزلي إن انتظرت أكثر !!
المبيوع : سيدتي منذ متى أصبح للمنزل قيمة أكثر من روح أحدهم؟
المرأة العجوز : ليحترق الكون لا يهمني، المهم لدي أن يبقى منزلي بين يدي .
المبيوع : حاولي فهمي يا أمي، اليوم أنا، وغدا ليس المنزل فقط بل روحك أيضا.
المرأة العجوز :كف عن التفوه بالهراء يا فتى، وايضا لست أمك .
الرجل الضخم: (يضحك ويسخر) هذا الهراء يتكرر.. أسمعه مرارا وتكرار كل يوم.. ولا بأس بالموت يا رجل فكلنا يوما ما سنموت! هل يخيفك الموت إلى هذا الحد ؟ هل أنت جبان ؟
المبيوع : ما يخيفني حقا أن تسلب حريتي .
الرجل الضخم: (يتثاب) لا يفقهون شيئا ويتحدثون عن الحريات، سحقا للكتب التي جعلت بلهاء القوم يتحدثون ويزعجوننا بكلامهم الماسخ.
المرأة العجوز: (تتملقه) إذن ما رأيك بقليل من العمل الصالح يا بني !! أن تكسب أجرا وثوابا بهذه العجوز الشمطاء !! هيا دعني أدخل .. وسأكون راضية عنك لن أدعو الله عليك.
الرجل الضخم: كفي عن الإزعاج يا سيدة وقفي في الطابور .. ودعي أعمالي وشأنها ..
المبيوع: (يحاول قطع الحديث) لو سمحت ….
المرأة العجوز : تبا لك !!
(البعض يقومون بدفع المبيوع )
رجل1 : أرجع إلى الطابور !!
رجل2 : هل هنالك ريشة على راسك !!
المبيوع : يا سادة أنتم لا تفهمون ما أقول !! حتى أنهم يملكون أوراقا تثبت أنني أتخلى عن نفسي !! هم يملكون توقيعا مني!! توقيعا مني دون علمي ! كيف ومتى وأين لا أعرف .. سيواجهنا نفس المصير صدقوني!
الرجل1 : نفهم نفهم .. ولكن ارجع إلى الطابور .
المبيوع: (بغضب) هل أنتم حمقى!! سيحدث لكم ما يحدث لي .. سيمتلكونكم قريبا !!
الرجل2: (يمسكه من ياقته) هي أنت!! كف عن المماطلة والمراوغة وإلا دفنتك هنا .. كلاً سيأخذ دوره .. إن لم يحن دورك اليوم .. ستأتي غدا ، وربما بـــعـــد الغد.
المبيوع: (يفلت ياقته) ربما لن أكون موجودا ..
الرجل1 : لا بأس لست أفضل ممن رحلوا !!
الرجل الضخم: (يتثاءب ضجرا) كف عن افتعال الدراما هنا .. لن يختاروكً لدور أفضل ممثل درامي ..
المبيوع : مثلما حان دوري سيحين دورك… ودورك ودورك أنت (يشير إليهم بهستيريا) هذه البداية فقط .. أنتم غافلون عما يحدث .. اليوم أنا . . وغدا أنتم سنباع جميعا .
(تخرج امرأة من غرفة القاضي تبكي وتصرخ حسبي الله ونعم الوكيل )
(يضحك الجميع لا أحد يبالي بصرخاتها )
المبيوع: (يركض إليها) ماذا حدث ! هل تحدثت مع القاضي ! لمَ تبكين ؟
المرأة: (غير مبالية) حسبي الله ونعم الوكيل .. (تخرج )
(يخرج القاضي ممتعضا من الضجيج، رجل أنيق، لبق الكلام ، نظراته ثابتة )
القاضي: (ببرود ) ماذا يحدث هنا ! ماهذا الضجيج ؟!
الرجل الضخم: (يتحول إلى رجل ناعم ضعيف) لا شيء سيدي لا شيء .. (ينظر إلى الناس ويصرخ فيهم ) أصمتوا جميعا..
(يركض إليه المبيوع يحاول الإمساك بيديه)
المبيوع : سيدي أرجوك، أتوسل إليك يجب أن أتحدث اليوم معك .. لا وقت لي .. سيجدونني قريبا !!
(يدفعه الرجل الضخم بعيدا عن القاضي) : ابتعد من هنا أيها المجنون أتريد أن تسجن !!
القاضي: (ينظر إليه مطولا ويبتسم ابتسامة خبيثة) العجلة من الشيطآن ..
المبيوع : أقسم يا سيدي القاضي .. لن أكون هنا غدا إن لم تنظر في أمري ..
القاضي: (يهمس للرجل الضخم ،، يركض جالبا كرسيا .. يضعه ثم يجلس عليه القاضي )
المبيوع : أعطيك ما أملك ولكن أنقذني ..
القاضي: (يولع سجارته وينفث دخانه) ما تملك !! ماذا تملك ! تحاول رشوتي امام أعين الجميع، ياللعار !
المبيوع: (يتلكأ ويرتبك مفكرا) أعطيك كتبي .. بل ، بل بيتي الذي أقطنه.. أعطيك .. أعطيك كلماتي ..
القاضي: (يضحك بهستيريا) هل ترشيني !! هل تتحدث عن الرشوة أمام قاضي يا هذا !! هل سمعتم جميعا يا سادة !! (يضحك) إنه يحاول ان يرشي القاضي الأكثر صرامة وعدلا هنا !! ويحك يا هذا !! نحن في بلد لا يقبل الرشوة معاذ الله، متى تنقرضون !! ويحكم.
المبيوع: (مبررا) لم أقصد، لست أرشيك يا سيدي ولكني أحاول أن أشرح لك مدى سوء الوضع الذي وصلت إليه !!
القاضي: (بخبث) إذن أشرح لي .. ولكن لا تحملني ذنبا كبيرا .
المبيوع : اليوم في تمام الساعة الثالثة فجرا ..
الرجل الضخم : أختصر يا هذا لا نحتاج إلى القصص هنا ..
المبيوع : يجب أن يعرف القاضي التفاصيل كلها ليحكم بالعدل !! أليس كذلك يا سيدي !؟
القاضي: (موجها كلامه إلى الرجل الضخم) لا تقاطعه .. أكمل .
المبيوع : اليوم في تمام الساعة الثالثة فجرا .. وبينما أنا أغط في عوالمي الخاصة .. سمعت وقع أقدام !! لم يكن زوج أقدام ولكن العديد من الأزواج !!! هل لك أن تتخيل يا سيدي القاضي هول الموقف !! إن يخترق ذلك الضجيج سلامك وعالمك الخاص الذي بنيته في مخيلتك !! كدت أن أصاب بسكتة قلبية .. خطوات اقدام كثيرة قادمة نحوي !! ماذا يعني ذلك برأيك !! لا تخبرني بشيء .. سأخبرك أنا .. هذا ينبيء بكارثة قادمة، إعصار هائل سيدمر ما بنيته طوال تلك السنوات .. لم يكتفوا يا سيدي بما دمروه، بل يحاولون سحقي هذه المرة .. يحاولون بيع آخر خيط أمل بقيي في مخيلتي !!
أحدهم: (يهمس لشخص يقف امامه) هل هو مخبول يا ترى؟ ربما كان تحت تاثير المخدر ! سيحفر قبره بيديه !! من له الجرأة ان يتحدث بهذا الهراء !! هراء لم نسمعه منذ زمن .. هراء قد انتهت مدته ..
المبيوع: (يحاول وصف المشهد) هل تسمع يا سيدي !! أتسمع ما أسمعه ؟ انهم قادمون جميعهم يملكون اثباتا لا أعلم من أين أتى هذا الإثبات كيف لهذا أن يحدث هنا في بلد مر بالكثير من الويلات كنت أعتقد أنني في مكان آمن ! ولكن ……
القاضي: (يدعس سجارته وينتبه له) أسمع ماذا ؟ وأيضا من قال إنك لست في مكان آمن ؟ أولسنا هنا لنحميكم ونكون طريقكم إلى الصلاح ؟ (ضحكة وهمهمات) الصلاح !هل تهزأ بنا؟
الرجل الضخم: (بغضب) أطبقوا أفواهكم وإلا اطبقتها بيدي هاتين .
القاضي : على رسلك يا رجل دعهم يعبرون عن أرائهم بمنتهى الحرية أوليس هذا ما يبحثون عنه ويتحدثون عنه، نحن هنا من أجلهم ومن أجل هذه الحديث (يبتسم ابتسامة خبيثة ويلتفت إلى المبيوع) وأنت أكمل !
المبيوع : طرق الباب !! أتسمع ! (يتركز الضوء عليه وعلى القاضي .. مصاحبا المشهد طرق على الباب ) أسمع جيدا يا سيدي ! لم يكن طرقا عاديا ! كان طرقاً يسلب آخر خيط للحرية ! أزواج من الأحذية تتقدم إلى باب المنكوب في هذه الساعة المتأخرة من الليل .. يطرقون الباب بكل قسوة حتى كادوا كسره لولا أنني انقذت الباب بسرعة وبهرولة رشيقة مفجوعة قمت بفتحه !!
صوت من بين الحشود : وماذا حدث !
صوت آخر : هل قاموا بضربك !
صوت آخر : هل جرّبت الهرب !
صوت آخر : ماذا يريدون ؟
صوت آخر : أمتأكد أنك لم تكن تحلم يا هذا ؟
صوت آخر : كيف ستنجو ؟؟
صوت آخر : وهل تعتقد أنك في المكان المناسب الآن ! هه .. هراء ، لن يتغير وضعك !!
صوت آخر : دعوه يكمل دعوه..
صوت آخر: (متذمرا) يوم نحسي منذ أول لحظة في هذه الصباح المزعج .. كنت أعلم أنني لن أواجه الخير أبدا ..
القاضي : اممم .. أرى أنك متأثر بأفلام الرعب ! هل أنت شاعر ! ربما كاتب ! أو أبله يحاول تعطيلي عن عملي ..
المبيوع : وهل أستطيع أن أكون كاتبا وشاعرا في مكان كهذا ؟!!
القاضي : ولم لا ؟
المبيوع : لأن الكلمات ستكون عبئا ثقيلا علي !! لا أستطيع قولها ولا كتابتها ..
القاضي : وما بال الكلمات ؟
المبيوع: (يضحك) تقطع رأسي وترسلني إلى القبر يا سيدي ! لن يعجبهم الأمر.. إنه أشبه بأن تعري أحدا للملأ !! أترضى أن يعريك أحد !
القاضي: (ممتعضا ثم ينظر إلى ساعته) ليس لدي الكثير من الوقت هات ماعندك أو أرحل من هنا ..
المبيوع: ليس أضيق من الوقت الذي لي، ليس بمقدوري الرحيل !! أين أذهب !! لا مكان لأذهب إليه.. ولكن الأهم لا أريد أن أكون ملكا لأحد !!!
القاضي : ملكاً لاحد !
المبيوع : نعم يا سيدي القاضي.. كن منصفا في قضيتي أرجوك .. تمنيت لو أنني لم أفتح الباب تمنيت لو أني لم أنقذه في تلك ساعة يا ترى ماذا سيحدث عندها !! أنا غبي هل الباب أهم من حياتي!! (يضحك) شر البلية ما يضحك !! أنا مبيوع !!! يا سيدي مبيوع!! بعد خمسة وثلاثين عاما يأتي أحدهم إلى بابي الخاص ويخبرني بإنني مبيوع ! إلى عالمي الخاص، إلى ملاذي الوحيد في هذه الكون الفسيح، ياتي أحدهم خلسة ليسلب ماتبقى لي ! كيف يعقل هذا ؟! أهذا أصلا موجود ؟! وهل يحدث فعلا؟ أليس هذه من صنع الأفلام فقط؟ وهل ممكن أن يحدث في الواقع؟ ولرجل يحب وطنه؟ ويقدس أنفاس الناس؟
القاضي : مبيوع؟
المبيوع: أليس هذا أقرب للخيال يا سيدي؟ أن يأتي لك أحدهم ويخبرك أن تفرغ نفسك من نفسك لأنك لم تعد ملكا لك وعليك التخلي عن نفسك لأنك ببساطة مبيوع ..
القاضي : أتعني مثل أرض مغصوبة ؟!
المبيوع : بل أدهى يا سيدي ! لا روح للأرض.. ولكني بروح ! أتباع الأرواح؟! هل هنالك قانون ينص على بيع الأرواح ؟
صوت بين الحشود : بل للأرض روح ، هي تحتويك أنت وأجدادك عندما يمل منك الكون إلى يوم يبعثون ..
القاضي: (مفكرا ) ليس هنالك ما يسمى ببيع الأرواح !
المبيوع : إذن كيف ؟!!
القاضي : هل زرت الطبيب ؟ يبدو لي أنك لست بخير؟
المبيوع : وما شأن الطبيب ؟
القاضي : هناك احتمال أنك تعاني من مرض وهذه أحد أعراضه !! الهلوسة .
(تضاء الخشبة ويظهر الجميع في حالة ذهول وبصوت واحد مبيوووووووووع !!!!!!!! )
المبيوع: (يضحك بهستريا) أسمعتم جميعا !! أنا مبيوع !!! لمن لا أعرف .. ولمَ!! أيضا لا اعرف !! هل حدث هذا سابقا يا سيدي !! ها أتتك حالة مثلي !! ولكن السوال الأهم هل يحاولون التجارة بأعضائي !! أم بكلماتي ! لا تهم الأعضاء بقدر ما تهم الكلمات .. اليس كذلك !! سنباع جميعا في سوق النخاسة كما حدث سابقا , سيعيد التاريخ نفسه !( لا احد يجيب )
المبيوع: هذا ما حدث ايضا عندما حاولوا أخذي إكراها.. لم يعلق أحد منهم ولم يخبرني السبب .. لم يخبروني ماذا فعلت !! وهل أستحق أنا أن أكون بلا قيمة !!
الرجل الضخم : هه أبله، يبحث عن قيمة !! لا أعرف حتى ما هي القيمة التي يبحث الجميع عنها هنا !!! أهي شيء يستحق هذا البحث ! هل هذه الفوضى اليومية التي أراها هي حاجتكم للقيمة حقا !!
المبيوع : هذا بديهي كونك عشت مطولا وأنت أحمق متملق وتافه تنظر أمامك فقط كالخنزير، لا شك عندي أنك لا تفقه شيئا عن ماذا أتحدث حتى..
الرجل الضخم: (بغضب ويمسك بياقته) ماذا تقصد ؟
القاضي: (بغضب) تختصمان وأنتما أمامي يا للعار!!! .. هذه ليست محكمة لحل المشكلات بل مكان لإثارة الشغب ..
المبيوع: سيدي ..
القاضي: (يقاطعه) كف عن إثارة الصخب هنا أيها الشاب (يقترب منه ويهمس له) المشكلة هنا أنك ترفض الواقع .. هل تريد حلا لمشكلتك! نعم هنالك حل !!! أن ترضخ ولا تقل كلمة واحدة .. لن تنفعك المقاومة بشيء .هذه هي الكرامة والحرية لدينا أن لا تتفوه بكلمة (يبتسم له)
المبيوع: (بغضب) هل سمعتم !! هل هذا القاضي!؟ يا لسخرية القدر !! هه ! ستعلقون جميعا هنا ويكتب هنا “مزاد ” ستباعون بأبخس الأثمان.. أنت ، أنت (يمسك بياقة القاضي) ستبقى وحيدا ها هنا، عندما تحترق أوراقكم، ثمنك لن يساوي حتى ثمن كفن, سيحدث معك مثلما حدث مع من قبلك مصيركم واحد.
القاضي: (يقوم بدفعه بهستيريا) هل جننت يا هذا ؟!
المبيوع : جميعكم حمقى، ستدفعون الثمن غاليا، اليوم أنا، وغدا أنتم، الواحد تلو الآخر، أنتم جميعا على قائمة المزاد، أنتم الآن في أسواق غير مرئية، ستصرخون، ولن يسمعكم أحد، لكن أتعلم ماذا أيها القاضي، إنك تستحق، نعم أنت تستحق هذا، وأنتم ايضا (ينظر إليهم ) تستحقون هذا، أنتم أجساد عابرة لا تستحق العيش .
(يخرجون جميعا، رجل يرتدي ملابس رثة يشبه المجانين، والشحاذين )
الشحاذ: (يقترب منه ويهمس له) ماهي الصفقة التي عقدتها؟
المبيوع: (ينتبه له) لم أعقد أي صفقة !!
الشحاذ: (بشغف) أهي مربحة ! ماذا يطلبون منك ؟ هل أستطيع خوضها ؟
المبيوع : هل تحاول أن تكون سلعة !
الشحاذ : هل هو فرض على العالم !! ربما كان عرضا مغريا يستحق ثورتك هذه !
المبيوع: (ممتعضا) أمجنون أنت ؟
الشحاذ : بل شحاذ أشحذ الحياة كل يوم , أشحذ حتى الكلمات, الحياة كلها عبارة عن تجارة، المال، السلطة حتى الكلمات.
المبيوع: (يهمس له) سيسرقون حتى كرامتك، سيطيحون بك ثم يدوسون عليك كالحشرة، لن يشعر بك أحد ولن يجدك احد، يطاردونك كالبعوض بل أشد، إن قتلت واحدا سيخرج ألف نسخة غيره ..
الشحاذ: (ساخرا) يمعوووووووود يا كرامة !!!!!!! هي بقت كرامة بهل الوقت !!!!! (يضع يده على كتف الرجل) في النهاية يا صديقي نحن لسنا سوى أدوات (ويغمز له) , نحن هنا لتسليتهم لا أكثر !
المبيوع: (يبتعد عنه ويحاول التملص منه) الجدران التي بنيتموها حولكم ستنهار قريبا ..
الشحاذ: (يبتسم يخبث وينظر حوله) نحن في مكان عار أيها الصديق ..
المبيوع : أنت !!! من أنت !
الشحاذ: (يغمز له) ألا تعرفني !
المبيوع: (ينظر حوله) هل أنا في خطر ؟
الشحاذ : تخلَّ عن هذه الدوامة، وتوقف عن إحداث هذه الجلبة. كف عن المقاومة لن يتغير شيء .
المبيوع: (يحاول خنقه) أنت منهم؟ من يحاولون بيعي!
الشحاذ: (يحاول التملص منه) كل الخطى التي تخطوها ستقودك إلى نفس المكان .
المبيوع : ماذا تريدون ؟
الشحاذ : نحن هنا، دوما معك، في قلبك، وفي كل فكرة، في كل حركة، لا فائدة من الهروب .
المبيوع : هل تحاولون قتلي !
الشحاذ: (يضحك بخبث) القتل؟ ما أسهله, كلما حاولت أن تنكر ذلك، كلما زاد حجم الآلم .. إلى اللقاء قريبا (يخرج)
المبيوع: (ينظر يمينا وشمالا لا يرى أحدا، يضع رأسه بين ركبتيه ويتحدث بصوت منخفض) الجحيم أينما ذهبت، الأبواب مغلقة، أنا … أنا ضائع .. ومبيوع .. الجدار ماذا خلف الجدار, هل يمكنني كسره بمفردي! أولئك الأوغاد لا يصدقني أحد! (ينهض يبدأ بالركض حول المكان، كما لو أنه يحاول الهروب حتى من ذاته، تتصاعد أنفاسه، ثم يتوقف فجأة، يحاول احتضان شيء أمامه) الهرب؟ وماذا بعد ؟ إلى أين وإلى من؟ وكيف ولماذا ؟ طرق الباب سيتكرر , ثم سينفذ صبرهم إلى أن أستسلم ؟ هل سيرضى أستسلامي غرورهم يا ترى؟
(يحاول احتضان ذاته): هذا ما بقي !!! أن أحتضن الظلام، الأمل والخوف، الحقيقة والخيال أحتضنها جميعا في آن واحد، لست مجبرا، لست مجبرا .. هذه الأرض لن تخطيء ابداً في حساباتها قد تغيب الأصوات، لكن الأصداء لا تموت، أنا واحد من بين ملايين غيري ممن غرقوا في قافلة الخيانة، خائفون، نخشى الحديث، الأفواه مكممة، ولكن هل نسيت ما هو أعظم من خوفك هذا ؟!!! الإرادة يا غبي، إرادتك كفيلة بأن تحطم مزادهم، مصيري سيكون بيدي ، بيدي أنا وحدي ..
( يبدأ بالتنفس بعمق وكأن شيئا بداخله قد تغير )
ستــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار