نص مسرحي: “مستوطنة الخراب!!” / تأليف: شوقي كريم حسن

(هذه المسرحية لا تعترف بالواقع ولا تؤمن به. وشخوص التجسيد كائنات اصابتهم امراض خيبات الامل والإنكسار)
المشهد الأول
(ظلام دامس، أصوات انفجارات بعيدة، يتردد صدى أنفاس متوترة. فجأة، ضوء خافت ينبعث من مصباح زيت قديم، يكشف عن وجوه خمس شخصيات داخل ملجأ مهجور، جدرانه متصدعة، وأبوابه موصدة بإحكام. الصمت يهيمن، لكنه ليس صمتًا مطمئنًا، بل كابوس يوشك على الانفجار)
الراقصة: (بصوت متعب لكنه ثابت) يبدو أننا لن نخرج من هنا قريبًا… كل شيء بعيد.
التاجر: (يعاين الجدران بقلق، يطرق عليها بأصابعه كأنه يختبر متانتها) كل شيء له ثمن… هذا الملجأ ميت، أنفاسه عفنة. من اوصلنا الى هنا؟!!
الشاب: (يحدق في يده المبتورة، يهمس لنفسه) كان يمكن أن أكون الآن بين ذراعيها… لكن، ماذا أفعل بيد واحدة،،والكثير من اوجاع الروح..أينما اتجهت وجدت الحرب بانتظاري!!
المعلمة: (تتلفت حولها وكأنها ترى مشاهد من الماضي)ملجأ آهل بالذكريات كنا نجتمع هنا، ندرس، نغني، نحتفل… أوه، أي يوم هذا؟ هل نحن في العطلة الصيفية؟
الضابط: (يقف في المنتصف، يرمق الجميع بنظرة متعالية، يرفع ذقنه كأنه يخطب في جنوده) حسنًا… بما أن لا أحد يعرف متى نخرج، اعلن نفسي حاكماً . من يعترض، فليرفع صوته قبل يده الآن!
(الصمت يبتلع المكان. العيون تتبادل نظرات متوترة. شيء ما في الهواء يوحي بأن هذه العزلة لن تمر بسلام…)
المشهد الثاني
(الضوء يترنح، يزداد خفوتًا. الأنفاس تصير أكثر ثقلًا. الضابط يسير بخطوات عسكرية، كأنه يفتش في عقولهم قبل أن يفتش في أجسادهم.)
الضابط: (بغطرسة، يصفق ) حسنًا، لنضع الأمور في نصابها! نحن هنا لأن الحرب تكرهنا … حتى في الخراب، يجب أن تكون هناك سلطة، ونظام، قائد! وأنا مؤهل لهذا الدور.
الراقصة: (تضحك ضحكة ساخرة، ثم تمد ساقها أمامه ) وأخيرًا، وجدتَ جمهورًا يستمع إليك بلا تصفيق!
التاجر: (يمسح عرقه، يقلب في جيوبه كأنه يبحث عن شيء مفقود) لا بأس، لا بأس… الحُكم ليس مشكلة، المشكلة هي… الموارد. ماذا سنأكل؟ وكيف نعيش؟ هل ننتظر الموت جوعًا؟
الشاب : (يضرب الحائط بقبضته السليمة، يصرخ) أفضّل الموت على أن تحكمني..مثلك برتبه المزيفة لايصلح ان يكون حاكماً..
المعلمة: (وكأنها لم تسمع شيئًا، تحدق في الجدران، تبتسم كأنها تحادث طلابًا غير مرئيين)
الدرس الأول: القائد لا يولد قائدًا، بل يصنعه الظرف…لكن، أي ظرف هذا؟ القائد اضحوكة الازمنة التي لاتجيد فهم الإنسان.. القائد محض هراء
الضابط: (يقترب من الشاب، ينظر إلى يده المبتورة، ثم يهمس بتهكم) ثائرٌ بيد واحدة مثيرٌ للشفقة… ترى أين فقدت يدك الثانية بجناية سرقة ؟!
(الشاب يندفع نحوه، لكن الراقصة تسحبه للخلف قبل أن ينشب العراك)
الراقصة: (بصوت منخفض) لا تتسرع، القتلة لا يموتون سريعًا… دعوه يختنق بغروره أولًا…
الضابط: (يضحك، يفتح ذراعيه كما لو أنه يعانق الفراغ) أنا الحاكم، السيد، القاضي، والمُخلّص… من يريد الاعتراض، فلينطق ؟!!
(الصمت يخيّم مجددًا..)
المشهد الثالث
(الضوء يزداد ضبابية، الساعات تمر ثقيلة . الصراع داخل الملجأ يغلي،. الضابط يواصل حديثه دون توقف، بينما المجموعة، يتجنب النظر إليه.)
الضابط: (يجلس على قطعة خشب مكسورة، محاولاً إخفاء عصبيته) لقد تحملتُ الكثير في الحرب… والآن، في هذا المكان القذر، يتعين عليّ السيطرة!
التاجر: (بصوت غير مستقر، يقترب من الضابط) السيطرة على ماذا؟ على جوعنا؟ على خوفنا؟ ام على وقتنا الذي يمضي ونحن ننتظر الخلاص؟
(الراقصة تقف، تراقب التاجر بضيق، ثم تتحرك بخفة نحو الضابط.)
الراقصة: (تنحني ببطء أمام الضابط، ثم تلتفت فجأة لتواجهه) أنت لست قائدًا… أنت مجرد رجل يعاني من نقص في السلطة، يخترعها، في هذا المكان المظلم!!.
الشاب: (يقترب من الضابط بسرعة صارخاً) لقد فقدت يدي نتيجة خطأ ما فكرتم به، لكني لن أفقد كرامتي! لن تكون حاكم هنا!
المعلمة: (تقترب، متحدثة بصوت هادئ، بكلمات تنطوي على قسوة خفية) لا فائدة من الصراخ… أنتم مجرد أصداء لما كان… كلكم يحمل شيئًا ضائعًا، لكن لا أحد يريد أن يعترف به.
(الضابط يقف فجأة، يتفحصهم بعينين مضطربتين، محاولاً اثبات سلطته )
الضابط: (بغضب مكتوم، يخطو نحو الشاب) أيها المجنون! هذا ليس مكانًا للتمرد! أنا من يقرر ما يجب ان نفعله الفوضى التي تعيشها لا تفيد بشيء!!
(الشاب يدفعه بعيدًا، يهتف بصوت عالٍ.)
الشاب: (بغضب متصاعد) أنت من يقرر؟! أريد أن أعيش دونما خوف! أريد أن أكون إنسانًا يحترم قيمة إنسانيته، وأنت مجرد خيال لاقيمة له..اوهمك من علمك ان للخيال قيمة!!
الراقصة: (تقترب منهما محدقة في الضابط بابتسامة ساخرة)يبدو أن سلطتك ايها الضابط المسكين بدأت تتفكك…كما بدأ المكان يتآكل من الداخل. مالذي تستطيع فعله..(تضحك) مشنقة..ام رمياً بالرصاص.. لالا مقبرة جماعية عند تلك الزاوية المنسية هو الحل الامثل!!
(تبدأ أصوات القصف من بعيد، تعلو تدريجيًا وكأنها تعلن عن نهاية حتمية، يعم القلق في المكان)
التاجر: (بنبرة استسلام، يحرك رأسه) كل شيء فاسد، حتى الاصوت التي نسمعنا… لا نحتاج إلى سلطة، بل إلى مخلص نثق به ونعرف مراميه!!
(الضابط ينظرهم بعيون غاضبة، محاولًا استجماع نفسه.)
الضابط: (يصرخ مهددا) لن أسمح لكم بتدمير ما تبقى! عليكم أن تخضعوا لما اريد.. لا احب الفوضى ولا تلك الخطب الرنانه والاعتراضات المدفوعة الثمن!!
(في اللحظة التي يرفع فيها يده وكأنه يطلب السلطة بالقوة، أقدامه تبدأ بالارتجاف..تندفع الراقصة نحوه بسرعة، تلقي بنفسها أمامه.)
الراقصة: (بصوت هادئ، حاسم) لقد حكمت نفسك على نفسك، أنت منذ هذه اللحظة مجرد ذكرى غبية لاتصلح حتى لتكون قصة موقد!!
(الضابط ينظر إليها مستشعراً هزيمته، يبتعد ببطء إلى الزاوية، يعلق حبلًا يتامله.. يتوقف القصف. نسمع فقط الصرير الخافت لحبل يتارجح عند لحظة النهاية)
الضابط: (همسات أخيرة، قبل أن ينفصل عن الحياة) لقد فشلت… نعم اعترف بفشلي لكنكم تظلون رفاق فشل ابدي…
(تسقط الجثة، يعم الصمت القاتل، في الظلام، تُسمع أصوات من الخارج، كأن الحياة لا تزال تطاردهم…)
المشهد الرابع
(الصمت مخيمًا على المكان. الجثة المعلقة للضابط تظل في الوسط ، لا أحد يتجرأ على الاقتراب منها. أصوات الإنقاذ تأتي من الخارج، صارخة، مرعوبة، داخل الملجأ، كل شيء متجمد.)
الراقصة: (تبتعد عن الجثة ببطء، تجلس على الأرض، عينيها تائهتين في الفراغ) نحن هنا فقط نراقب. لا أحد منا قادر على الخروج…حتى لو علت صرخاتنا وازدادت احتجاجاتنا لوعة!!
التاجر: (ينظر إليها وكأنها تحدثه عن شيء بعيد، يركع بجانب الجثة، يلمس الحبل بتردد) هل نستطيع أن نكون أكثر من مجرد أصداء؟ أريد المال، أريد الخلاص. لكن لا شيء يحمل معنى…طوال دهري تحاصرني كلمة معنى ( يضحك) الكلمة معناها..
الشاب: (بصوت ضعيف، يقترب من الجثة، ثم يتحرك بعيدًا بسرعة) يقولون إن القوة تعني البقاء… لكنه لم يكن قويًا بما فيه الكفاية. أنا… أنا أريد أن أعيش.. كيف.. واين..ومتى..احتاج الى اجابات حاسمة تثبت يقيني!!
(المعلمة تقترب، مبتسمة ابتسامة غريبة، وكأنها تتذكر شيئًا قديمًا.)
المعلمة: (بصوت هادئ، تروي درسًا لطلاب الغائبين) جميعنا يعيش في الماضي… المستقبل مجرد أوهام. أنت… أنتم جميعًا تعيشون في أوهامكم…من منكم يعرف لي ما يعنيه الحاضر وكيف نصنع مستقبلنا؟!!
الراقصة: (تسكت، ثم تنهض فجأة، تتحرك نحو الباب المغلق، تقف، كما لو أنها تحاول العثور على طريق للخروج، تصرخ) إذا لم نخرج، فذلك لأننا لا نريد أن نخرج. نحن محاصرون، نحن من اختار الحصار.
(أصوات الإنقاذ تزداد قوة، لكنها لا تصل إليهم. الصوت يزداد تشتتًا، يتداخل مع همسات الماضي التي تدور داخل المكان.)
الشاب: (بغضب مكبوت، يضرب الجدران) أريد الخلاص، لا أريد أن أكون هنا.. دفعت ما توجب علي دفعه لشيء اوهموني انه وطن..لمِ لمْ يفكر الوطن بإنقاذي مثلما دافعت عنه، حاجة مهملة حتى الانثى التي اسميتها وطني تركتني هاربة الى حضن رجل أخر…!!
التاجر :(ينظر إلى الجثة،مبتسماً بطريقة مريرة) ليس ثمة خلاص. نحن هنا لأننا نستحق أن نكون هنا.
المعلمة: (تغمض عينيها قليلاً، وكأنها تتحدث إلى نفسها)الدروس مكتوبة على الجدران… لكن لا أحد يقرأ…الدروس عميقة الاشارة لكننا نسينا المعرفة..(صارخة) أنت اقرأ،،وأنت اقرأ ما مكتوب هناك،،وانت الا تجيدين القراءة
الراقصة: (تتوقف، تلفت نظرهم إلى الجثة) لموت هنا. لكنه ليس نهاية. إنه بداية جديدة… لحظة انفجار يجب ان تحدث… لا احد يسألني متى وكيف لكن الامر سيحدث انا متأكدة من ذلك؟!!
(يسود الصمت… أصوات الإنقاذ تزداد، لكنها تغيب في الفضاء . فجأة، ينطفئ الضوء في المكان، ليتحول الى ظلام دامس.)
المشهد الخامس
(ظلام دامس، لا شيء سوى الصمت، وكأن الوقت قد تجمّد تمامًا داخل الملجأ. أصوات الإنقاذ التي كانت تتصاعد تدريجيًا بدأت تتلاشى تدريجيًا. داخل الظلام، تتناثر الهمسات، الخوف يتغلغل في الأجواء.)
الراقصة: (تتكلم بصوت هادئ ولكنه محمل بالغموض) هل ننتظر حتى ننقرض هنا؟ أم أننا أموات فعلاً… والباب مغلقًا منذ البداية؟
التاجر: (يحدق في الفراغ، يهمس لنفسه) لا شيء هنا يباع، ولا شيء يمكن امتلاكه بعد الآن… ما الذي يمكن أن يكون “الربح” وسط هذا الخراب؟
الشاب: (يتنهد، وعينيه مشوشة بين الحائط والجثة، يحرك يده المبتورة كأنها لا تعنيه) خذلتني يدي، ولكن… ماذا عن هذه الأرواح؟ أي يد يمكن أن تنتشلنا منها..وكيف ليتني استطيع الوصول الى درب الكيف هذه؟!!
المعلمة: (تبتسم بينما تأخذ نفسًا عميقًا) هذا هو الدرس الذي لم يتعلمه أحد… كل شيء يجب يعود إلى لحظة البداية. نحن، ببساطة، ننتظر عودة ما فرّ منّا.
(تسود لحظة صمت عميقة، الأصوات من الخارج تقترب مجددًا، تُسمع أكثر وضوحًا، لكن يبدو أن لا أحد يهتم بعد الآن. يذهب كل شخص إلى زاويته، كما لو أن كل واحد منهم في سباق مع ذاته.)
الراقصة: (تتحرك فجأة باتجاه الزاوية التي كانت تقف عندها) لن يخلصنا أحد. لن يفتح الباب. لاننا لا نحتاجه بعد الآن.
التاجر: (بصوت يائسة، ينظر إلى الباب) أصبحنا مثل الحجر… لن يتغير شيء. نحن حجر مكمل لصخرة هذا العالم الذي حطمته الحروب.
( الشاب يتجه نحو الباب، صارخا)
الشاب: أريد أن أعيش، حتى لو بقيت وحيدًا في هذا المكان!
( صوته يغرق في الصمت، لا أحد يجيب. فقط صدى صوته يتردد في الارجاء .)
المعلمة: (تنظر بعينين مشدودتين، وكأنها ترى شياء غير مرئية) نحن لا ننتظر الخلاص… نحن ننتظر الموت، لكن الموت لم يأتِ بعد. الموت فكرة لطالما اصابتني بالجنون، لحظة لايمكن تصورها
(مع تلك الكلمات، يطفأ الضوء بشكل كامل، ليعم الظلام ، الأصوات تلتقطها الأذن ولكن لا يمكن لمسها، كانها لحظة انتقال من عالم إلى آخر.)
المشهد السادس
(الضوء يتأرجح بشكل متسارع بين الضعف والقوة. الجميع في صمت عميق. الجثة ما زالت في الزاوية، وفي الجو شعور بالرهبة)
الشاب: (بنبرة مليئة بالمرارة، يتنقل بين الزوايا) يبدو اننا فقدنا الامل…لاشي ينقذنا سواه،،الامل أجمل ما انتجته لغة الانسان.
(الراقصة تتحرك ببطء، خطواتها خفيفة كأنها ترقص في الفراغ.)
الراقصة: (تبتسم ساخرة، تتحرك باتجاهه) أنت تبحث عن الاشياء المفقودة. لا تعرف ما الذي فقدته بالضبط؟
الشاب: (يهز رأسه) أفتقد الحياة التي ساومتنا احلامها… الحياة لا أكثر ولا أقل….!!
التاجر: (ينظر إليهم، يقترب ببطء، ويضحك بمرارة) الحياة؟ أين الحياة؟ حياتنا انتهت عندما دخلنا هذا المكان. كل واحد منا يمثل ما يعاكس وجوده.
(المعلمة تراقب بصمت، ترفع رأسها كما لو أنها تتذكر شيئًا، ثم تقترب بخطوات هادئة)
المعلمة: (بصوت منخفض، كما تحكي قصة قديمة) نحن نعيش في دوامة… محاصرون بين الماضي والمستقبل، لا نعرف كيف نتنفس. كل واحد منا في مرحلة من النسيان… النسيان الحقيقة الوحيدة التي تساند وجودنا..
الراقصة: (تقترب من المعلمة، تنظر إليها بثبات) تقولين النسيان؟ هل تعتقدين أن النسيان هو الحل؟ ماذا لو كان النسيان أقسى شيء يمكن أن يواجهه الإنسان؟
الشاب: (ينفجر فجأة، يدق الجدران بقبضته السليمة) أريد الخروج! أريد أن أعود لابحث عنها! أريد أن أكون… إنسانًا ينظر إليه دونما عطف او شفقه.. اريد فك طلاسم ماكان معلمنا يوهمنا به (يضحك) الناس سواسية كاسنان المشط. ..!!
التاجر: (ينظر إليه نظرة ساخرة) إن كنت تريد العودة، فأنت في المكان الخطأ. هذا ليس ملجأ. قبورنا. (يقرأ ببطء يثير خوف ودهشة الجميع) هنا يرقد المنسي المجهول الهوية، ان وعد لله حق هنا ترقد بسلام الفنانة التي خدمت الفن على احسن ما يكون.
(تبدأ الراقصة في الرقص ببطء، خطوة بعد خطوة، كما لو كانت تحاول أن تجعل الجميع يشعرون بشيء ما في الهواء. كلما تحركت، زادت الحركة حولهم. الجميع ينظرون إليها، كأنهم يتوقعون أن يكشف هذا الرقص شيئًا.)
الراقصة: (وهي تتوقف ناظرة إليهم) هذا الرقص ليس عن الفرح… إنه الألم. إنه الخوف من أن تكونوا عالقين إلى الأبد، دون أن تجدوا مخرجًا…الرقص اعلى حالات الرفض ارأيتم كيف ترقص الديكة المذبوحة؟!!
المعلمة: (تنظر إليها بعينين شاردتين) الألم هو الحقيقة التي لا يمكننا الهروب منها.
التاجر: (بحزن مرير) نعم، إذا كنا محكومين بالألم، لماذا نكذب على أنفسنا بأننا أحياء؟
الشاب: (بغضب) لن أستسلم … لن أكون شاهدة لشخص مات دون ان يفعل ما يريد،
الراقصة: (تضحك بمرارة) جميعًا تقاتلون من أجل شيء مفقود. لا يوجد شيء هنا سوى ما يعذبنا.
(الأصوات من الخارج تزداد صخبًا كما لو أنها تدفعهم للاحتجاج.)
المشهد السابع
(الضوء يزداد خفوتًا . الجميع يتحركون بشكل أسرع، كل منهم يحاول السيطرة على ما بقي من قوته.)
الشاب: (يصرخ، وكأن صوته يغرق في الظلام) هل يمكن ايقاف هذا الصخب! لا أستطيع التحمل أكثر؟!
التاجر: (يضحك بسخرية،وهو يقترب منه) تحاول الهروب؟ لن تجد مخرجًا… لن تجد سوى جدرانك. الصلدة التي لايمكن اجتيازها!!
الراقصة: (تتوقف عن الرقص،تنظرهم بتعب واضح) كلنا نحاول الهروب، لكننا لا نستطيع الهروب من أنفسنا.
المعلمة: (بهدوء) إن أردتم الخروج، عليكم أن تواجهوا الحقيقة… كل شيء هنا هو صراع مع الذات،…من منكم صارع ذاته من قبل وانتصر عليها؟!!
الشاب: (يتنفس بخوف)أريد أن أعيش! أن أرى يومًا جديدًا! لماذا لا أستطيع العودة، حين كانت الحرب صنعت لنفسي تابوت اوصيت من كان معي ان اعود به،، !!
التاجر: (بصوت منخفض،تحدث نفسه) لا عودة . قلت لك لم نعد أحياء… نحن هنا لأننا قبلنا الحصار.
الراقصة: (تتحدث بنبرة قاطعة) إن لم نعد أحياء، ما الذي ننتظره ولمِ نحن من يتوجب عليه الانتظار؟!!
(الصمت يعم المكان،. أصوات من الخارج تصبح أكثر قوة.)
المشهد الثامن
(الأصوات من الخارج تزداد حدة، كما لو أن شيئاً كبيرًا يقترب. لا أحد يتحرك.)
الراقصة: (تنظر إلى الباب) إذا كنا ننتظر شيئًا من الخارج الا نعرف ما هو. و لا نريد أن نعرف.
الشاب: (بحزن) لن أبقى أكثر من ذلك! لابد من طريق للخروج..لنحاول اكتشاف مخابيء المكان..
(يتوقف الجميع عن الكلام. شيء ما في الهواء يتغير.)
التاجر: (بهمس) لا أحد في الخارج يمكنه مساعدتنا.
المعلمة: (بهدوء، ترفع رأسها)كل ما نحتاجه مواجهة الخوف الساكن اعماقنا. عندها نتجد الطريق.!!
(ينفجر الشاب محطما الجدران بحركات وحشية.)
الشاب: انتهيت من الانتظار لابد وأن أتغلب على كل ما أنا فيه (صارخا) ليس مثلي من يعلن استسلامه!
(الراقصة تقترب منه بخطوات ثابتة. اناظرة إليه بحذر.)
الراقصة: (بصوت منخفض، لكنها واضحة) ما تفعله مجرد صدى لما أنت عليه… لا شيء يتغير هنا. لانه مربوط بتغيرنا؟!!
(يتوقف الشاب لحظة، ينظر إلى الراقصة وكأن كلماتها تدفعه للتراجع. ولكنه يستمر في ضرب الجدار.)
(الضوء ينطفئ مجددًا.)
المشهد التاسع
(وحركات الشخوص تصبح أكثر فوضى. الصوت الذي يرافقهم أصبح عبارة عن همسات متشابكة، الزمن بدأ يتسارع. الحوارات تتداخل، في حالة من التوتر النفسي الحاد)
الشاب: (يصرخ بقوة، وهو يضرب الجدار بيده الوحيدة، عينيه مليئة بالجنون) لماذا لا أستطيع الخروج؟! لماذا كل هذا الصمت؟ لماذا لا أحد يجيبني،،(مناديا) أنتم يامن هناك احتاج اجابة،،، احتاج اجابه (يسقط باكياً)
التاجر: (يضحك بشكل هستيري)كلنا في نفس السجن، نحاول الهروب من أنفسنا، ولكن… لا مفر! نحن خاضعون لهذه الجدران التي لا مفر منها!!!
(الراقصة تقترب منه بهدوء،، تضع يدها على كتفه. يبدو أن كلماتها تملك تأثيرًا، لكن وجهها خالي من المشاعر.)
الراقصة: (تنظر في عينيه مباشرة) أنت لا تستطيع الهروب من نفسك، مهما حاولت…ليس من هذه الجدران…ولا حتى من ذاتك. أنت سجين اوهام تسميها احلامك بالثراء صالات لهو وليالي يخجل منها الليل نفسه!!
(الشاب يتراجع إلى وراء)
الشاب: (بصوت مرتجف) لا أريد أن أكون هنا! لم اعتد العيش وسط هذه الفوضى! (يبكي) كل مافي حياتي منظم متزن الاحلام
المعلمة: (تقف في الزاوية، تغلق عينيها لفترة طويلة وكأنها تستمع إلى الأصوات الداخلية، تفتح عينيها بشكل مفاجئ) الحياة هي اللحظة التي نختار أن نعيشها. ونحن اخترنا أن نكون هنا، ومحال نعود من جديد. لا خلاص.
التاجر: (ينفجر بشكل مفاجئ، موجهاً حديثه إلى الشاب) أنت لا تعرف شيئًا عن الفقد! تعال هنا، افهم! نحن جميعًا فقدنا ما كان لدينا، والآن لا يوجد شيء سوى هذه الجدران التي تحاصرنا! كل شيء هُدم! كل شيء انتهى!
(الشاب يصرخ في وجهه.)
الشاب: أريد أن أعيش! أريد العودة لأحلم من جديد مافائدة الانسان دون أحلام تروي ضمأ روحة؟!
الراقصة: (تنظر اليه بغضب) نحن محاصرون وكل ما حولنا يغرق في الوهم. الحياة ليست وعدًا. مريحاً تسيره احلامنا ورغباتنا الحياة معركة افهمت انها معركة شرسة الخاسر الابدي بها هو الانسان!!.
(الشاب يتوقف عن الصراخ.)
الشاب: عرفت الآن… لم هناك مفر. علينا جميعا اعلان الاستسلام.
(الضوء يخفت أكثر، الجميع الآن في حالة من الإنهار الداخلي.)
المشهد العاشر
(الظلام يحيط المكان، كل شيء قد وصل إلى نقطة اللاعودة.)
الراقصة: (تقف في الزاوية، تنظر إلى الجميع بحزن، تتحرك نحو الجثة) نحن هنا نتيجة لهذا الفشل…كل واحد منا يتحمل وزره. لكن… هل ما زلنا نبحث عن مخرج..وأين عسانا نجده؟!!
التاجر: (يتحرك نحوها، عينيه مليئة بالدموع) لم نعد نبحث عن مخرج… لم يعد لدينا مكان نذهب إليه.
الشاب: (بصوت مكبوت) خسرنا كل شيء… خسرنا كل. شيء حتى أنفسنا لم تستطع التعرف الينا!!
المعلمة: (بصوت هادئ، وكأنها تعلم شيئًا لا يفهمه الآخرون) كل هذا الزمان كان وهمًا… ونحن جزء من هذا الوهم. نعتقد أننا هنا… لكن في الحقيقة، نحن في مكان آخر.!!
(التاجر ينفجر فجأة، يتوجه نحو المعلمة بخطوات سريعة.)
التاجر: ماذا تقصدين؟ هل تعتقدين أننا لا نعرف الواقع؟ نحن في هذا الجحيم! نعيش وسطه!
(الراقصة تبتسم، ابتسامة مريرة،.)
الراقصة: الجحيم ليس في هذا المكان… الجحيم هو ما صنعناه نحن بأنفسنا ولانعرف كيف نتخلص منه؟!
الشاب: (بهمس، وكأنه يعترف بشيء مخفي) أيمكن ان اقول اننا انتهينا
الراقصة: يمكنك اعلان هذا نعم لقد انتهينا!!
(( بهدوء ومع اصوات اتية من الخارج تسود العتمة)