مقالات

قضايا الحرية والموت.. والبحث في الذكاء الإصطناعي.. /د.داليا همام 

في مهرجان المسرح العربي دورته الخامسة عشر والتي أقيمت في سلطنة عُمان مسقط، تنوعت العروض المسرحية وتعددت القضايا الهامة التي تطرحها، و يبدو أن الجميع مشغول بقضايا الحرية والموت، مما يجعلنا نطرح السؤال هل يرتبط مفهوم الموت بالحرية؟.

حينما يتحول المسرح إلى ملجأ:-

عرض” الملجأ” إخراج سوسن دروزة، الحاكم مسعود وتأليف نصير وسوسن دروزة (لمعمل 612 الأردن)، العرض يرى الموت يحاصر حرية الجميع فلا ملجأ لهم سوى حرية المسرح، والذى يسوده الشك والإضطراب حال لجوء الجميع المتنافر إلى العيش بين جدرانه، ولكي يعيش الجميع المختلف يتحايل بعضهم حتى يأويهم هذا الملجأ / المسرح لعله يكون ملجأ من الموت المحيط في كل مكان، هنا يتناسى الجميع ما يحيط بهم من موت عبر حرية الخيال المسرحي وشخصياته الخيالية التي لاتنتهي.

المؤسسة الكُل فيها خاضع للتدجين:-

أما عرض “المؤسسة” إخراج عيسى الصنديد وهو مأخوذ عن نص أنطونيو بايخو ، لمسرح الصواري /البحرين، في المؤسسة تقييد لحرية الجميع فلا سبيل للخروج من هذا المكان الا من خلال خيالات البطل الذى يرى حبيبته وكأنها ظل الحياة بالنسبة إليه، ويبدو الجميع في هذه المؤسسة أشياء لا أكثر  دون اكتراث من السلطة المقيدة لحريتهم ولإنسانيتهم فلا مجال للتعامل معهم على إنهم بشر بل إنه التدجين الواضح الذى حول الجمع إلى جماد يتنفس في هيئة بشر.

ماكبث: حرية التكنولوجيا أو موت الإنسان   

اما الحرية والموت في عرض “ماكبث المصنع” إخراج محمود إبراهيم الحسيني وهو عن مسرحية ماكبث شكسبير ، يقدمها فريق كلية طب القاهرة / مصر ، ويسيطر على العرض استخدام التقنيات الحديثة ممثلة في شخصية مدركة والتي تتخذ مكان تطبيق ذكاء اصطناعي يظهر على الشاشة يقترح على ماكبث أن يدبر حادثة لقتل عمه ويكون  برفقته حتى لا يشك فيه أحد، وفي الحادثة يفقد ماكبث أحد أقدامه واحدى عيناه ولكنه يفوز بالمصنع بعد مقتل عمه، ولأن النفس الإنسانية بها من الضعف ما يكفي يضعف ماكبث أمام طمعه والحاح حبيبته  لإغتنام الفرصة، ومن اللحظة التي يضعف فيها وينفذ كلام  التطبيق ُمدركة تتغير حياته ويصبح كما أراد لكنه مقابل ذلك يخسر كل شيء بما في ذلك زوجته وابنه الذى كانت زوجته حامل فيه.                                               مسرحية ماكبث تتعرض للتكنولوجيا وتطرح أسئلة هامة : ماذا لو تحكم الذكاء الإصطناعي في حياة البشر؟ هل يمكن أن نحيا بلا مشاعر ؟

“ماكبث المصنع” عرض به جهد واضح ويبدو أن عدم توافر جميع العوامل التي كانت متوفرة له في القاهرة أخذت من جودة تقديم العرض ففي مسرح العرفان / مسقط لم تعمل كل الشاشات عدا شاشة العمق وقد اعتمد عليها العرض تماما في هذه النسخة وهو ما أثر بشكل واضح على الرؤية الجمالية للعرض وإن كان جهد فريق العمل واضح بشكل كبير.

كيف نسامحنا إذا شاركنا بالصمت والقبول:-   

وفي عرض كيف نسامحنا؟ إخراج محمد العامري ، تأليف إسماعيل عبد الله ، كرس العرض لفكرة الحرية في مقابل الموت بشكل واضح، فمن امرأة تُعلق على حبل المشنقة في بداية العرض وأمامها دقائق وتموت، إلى امرأة تتمرد على كل شيء وتحطم المشنقة ولكن في عالمنا التخيلي فالواقع أكثر قسوة من أن تتحرر امرأة على مشارف الموت .                       يجعلنا المخرج نري العالم من خلال مجسم صغير يحمله عامل نظافة.. وكأن العالم قد يبدو بحجم هذا المجسم في عيون من يرون الحياة على حقيقتها صغيرة جدا، والظلم والقهر يجعل منها أصغر بكثير وفي ظل القهر المحيط تصبح هذه المرأة النموذج لجميع الدول العربية المحتلة، وهي التي يتنكر لها الجميع ويساهم بتوطأه وصمته بأن يتم اغتصابها وشنقها في النهاية وذنبها الوحيد تمسكها بأرضها وشرفها وحبها للحياة، وهو عرض تناغمت كل عناصره وكان الممثلين فيه على درجة كبيرة من الإتقان لأدوارهم.

الموت حرية لحظة أن يكون العد عكسي:- 

أما الحرية والموت في عرض “عد عكسي” تأليف وإخراج موسيقي سامر الفقير تأليف ودمى وإخراج هنادة الصباغ، للمسرح القومي دمشق سوريا، يبدأ العرض من بعد الموت  حيث الأرواح الهائمة في محبة، ومن الموت إلى الكهولة فالصبا والحياة وصولا إلى الطفولة والأحفاد.. لحظات تقدم لك الحياة بعد عكسي وكأن الزمن يكثف في دقائق هي مدة زمن العرض العرائسي عد عكسي، والذى يعتمد على براعة تحريك العرائس وعناصر العرض المسرحي في تناغم واضح، وهو عرض رهيف به قدر كبير من المشاعر الإنسانية والإحترافية، وتتماهي معهم الموسيقي التي تدخل المتلقي في حالة الاندماج مع العرض.

لايعتمد العرض على اللغة المنطوقة وانما لغته التي تميزه وتتغلغل في نسيجه هي الموسيقي التي تتفاعل مع اللحظة الدرامية بشكل ملحوظ وترتكز على ثيمة موسيقية تتكرر حال تتطلب الدراما ذلك، وهو ما يجعل العرض في منطقة مغايرة لكل العروض المسرحية التي شاركت في الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي.

لا حرية الا من خلال العبور بالموت 

أما عرض “غصة عبور” إخراج محمد الأنصاري تأليف تغريد الداوود لدولة الكويت،  تبدو فيه الحرية هي الوجه الأخر للموت فلا سبيل للعبور اليها سوى بالموت. فالمرأة تفضل أن تقفز من على الجسر لإنقاذ طفلها الصغير فيخف حمل الجسر وتموت هي على أن تحيا مهددة بقتل ابنها أو أن يلقي به من على الجسر، أما باقي الشخصيات تظل في صراع مع تلك الشخصية التي تعد نموذج لطبقة الأغنياء ويصوره المخرج  غير متزن نفسيا ولا يرى غير ذاته ومصالحه الشخصية، في هذا العرض تعلن كل شخصية درامية عبر لحظات العرض المختلفة عن اللحظات الفارقة في حياتها. فالمرأة المنتحرة غدر بها من أحبت وتركها مع مولودها ورحل وكما فعل الحبيب فعل الأب والأم ورحلوا، أما الرجل العجوز فهو مغترب يرسل لأبنائه الأموال وهذا ما يحتاجونه أما هو فلا حاجة لهم به، والشاب العائد من الغربة إلى وطنه لا يمكنه الوصول، والغنى لا يعبأ الا بمحاولات قهره للفقراء من حوله، على الجسر يتصارع الجميع وتتعارض الرغبات ويموت الحلم ولا تتحقق الحرية سوى بالموت، ويعتمد العرض على قطع ديكورية متحركة عبر التقاءها يبدو الجسر او تتغير فيتكون مشهد  او تتغير ليتكون مشهد جديد .

موشكا الأسطورة التي لم تكتمل سوى بالموت 

أما عرض الإفتتاح “موشكا” لمحمد الشحري اقتباس نعيم نور لفرقة مزون سلطنة عُمان، هو عرض يقدم في ظل أجواء من الشبحية  معتمدا على أداء الممثلين والإضاءة والموسيقي المستوحاه من التراث العٌماني الشعبي..وتطرح فيه قضية الحرية بشكل مُغاير فوفق العالم الخيالي يكون اختيار موشكا الجنية حريتها في حبها للإنسي هو ذاته الموت كعقاب لها في مخالفة قانون عشيرتها.

ويتبلور غير المألوف بإعتماد عالم الجن على تكرار الحركة والصور مما يعبر عن ثيمات أسطورية لا مرجعية لها سوى الخيال الإنساني، وهو تكرار يؤكد دائرية الواقع والعود الأبدي فهو تكرار مغلق لا يتغير فجميع الجن حركتهم انعكاس للأخر

في انتظام كأنها الذات وانعكاساتها فالأفكار الخاصة بالذاتية وإنتاجها الجمالي تتوسطها عمليات مشهدية تخص إعادة الإنتاج، وهي تقوم على أساس التأمل والإنعكاس الذى تقوم به الذات في علاقتها بالعالم المحيط بها، ولذلك قد تشعر بالتكرار وكأن كل شخصية في الفضاء التمثيلي تنظر إلى ذاتها في المرآة فترى إنعكاسها ويراه الجمهور معها، هي صورة خاضعة  للتحريفات حيث تتشظي فيها الذات وتصبح لها صورة متكسرة وكأنها تدور في حلقة مفرغة، ولا يكسر تلك الحلقة سوى الصمت ومن بعده تحقق الموسيقى حالة الدائرية بتكرارها.

عالم الجن يبدو ما فيه آليا فاقد للروح من الداخل هنا يبدو التكرار بصري وهو اجباري أو قهري فهي ذات وأخري مقابلة لها على نحو بديل، فهي رؤية بصرية مزدوجة يري من خلالها المرء نفسه وقرينه فينشأ عن ذلك ما يمكن أن نطلق عليه إضطراب الأداء فهنا يوجد جانب خاص من أنشطة وأفعال الذات وقد تداخلت معها شخصية أخري حيث أداء القرين الخاص بالتعددية والإزدواج والتكرار ، وكثيرا ما تكون تلك الحالة من الإنعكاس وازدواجية الصورة نابعة نتيجة شيء ما مدمر أو محطم مثل ” وطن مهزوم  أو منهك ،أو  بيت مدمر ” ما يعني أنه ثمة فقد للإستقرار  والتماسك ، وهذه الصورة المتكررة تبدو في جوهرها انقسام للهوية وتصدعها.

البحث في الذكاء الإصطناعى 

مهرجان المسرح العربي في دورته 15 ضم ملتقاه الفكري عدد من الأبحاث المتنوعة حول المسرح والذكاء الإصطناعي بين  صراع السيطرة وثورة الإبداع الإنساني وقد احتوى عدد من الأوراق الهامة، التي تفتح الباب أمام البحث المسرحي واستمرار اكتشاف مدى ضرورة البحث في الذكاء الإصطناعي وعلاقته بالمسرح وتنوعت الأراء حول هذا الموضوع بين من يرى كونه قادر على دعم المسرح أو أنه سيلغي العنصر البشري في المسرح.                                               .                  قدمت عروضه على ثلاثة مسارح يوميا هذا بخلاف المؤتمرات الصحفية للعروض والندوات التطبيقية اليومية والمحور الفكري، وقد أعلن المهرجان في نهاية عن إقامة الدورة السادسة عشر في القاهرة / مصر وهو ما استقبل بفرحة كبيرة من جمهور الحضور..

Related Articles

Back to top button