وقع اختيارنا على مسرحية “أمزواك (المهاجر)” للمخرج الحبيب نونو، لكونها أولا تندرج ضمن تجارب مسرحية طلائعية أمازيغية، وثانيا لأنها تحتمل مبررات جمالية تجعل منها عرضا يتضمن كثافة علاماتية ورمزية ودلالية، استطاعت توظيف المحكي الأسطوري عبر مسرحة أسطورة حمو أنامير ونقلها من الذاكرة إلى الخشبة بواسطة استراتيجيات العرض وتخطيط المخرج وإنتاجية الممثل لخطاب اللعب المسرحي. واستثمار الإمكانات التعبيرية لجسد الممثل الذي يقع “في ملتقى طرق الشفرات البصرية والسمعية …وترتبط به جميع العلامات البصرية ويجسده (الملبس، الماكياج، القناع) وبحركاته (الأدوات والديكور)”[1]، وبذلك يشكل جسد الممثل حجر الزاوية ومحور التحليل الأكاديمي في كثير من الدراسات والأبحاث، كما أنه يعد تدريجيا أساسا لفهم الهوية النفسية والسردية والاجتماعية للذات الإنسانية، لذلك تزايد الاهتمام الأكاديمي بسميأة جسد الممثل فوق الخشبة لأنه يلعب “في السياق المسرحي دور الوسيط الذي تنقل الشخصية عبره إلى المتفرج، ويمكننا أن نؤكد على أن أسلوب الأداء والعلاقات بين خشبة المسرح والمتفرج تتسم بخصوصية تاريخية وثقافية“[2] ، وبذلك يتضح أن الممثل يشكل عنصرا أساسيا من عناصر البحث السيميولوجي، فهو العلامة الأكثر اشتغالا وتنظيما داخل عرض أمزواك وتتسم بتعددها الدلالي والرمزي ومن ناحية أخرى، فإن المتفرج لا ينظر إلى هذه الأشياء الحقيقية كأشياء حقيقية و لكن علامات لدلائل أو لأشياء ترتبط فيما بينها لتشكل نظاما دلاليا أكثر تعقيدا، وعلى هذا الأساس حاولنا قراءة العناصر البصرية والموسيقية والسينوغرافية في فرجة أمزواك وفق المعايير السردية والسيميائية والإيمائية، والعناصر المتكررة أو المترابطة وتواتر العلامات الموظفة، والإيماء الملازم للإيقاع في إنتاج المعنى، وبهذا أصبحت المقاربات الحديثة في مجال السيميولوجيا تعنى بإشكالية الخطاب وأفعال الكلام ونظرية العوالم الممكنة ومقتضيات الخطاب والسوسيوسيميائيات وهي بمثابة نظرية عامة تفرعت عنها سيميائيات تحظى بالاستقلالية والتفرد بحكم خصوصية مواضيعها، وتباين لغاتها الوصفية وطرائقها في التحليل والتأويل، وفي هذا السياق ظهرت سيميائية الأهواء باعتبارها نظرية قائمة الذات لدراسة الانفعالات الجسدية والحالات النفسية ووصف آليات اشتغال المعنى داخل النصوص والخطابات الاستهوائية مع ظهور الكتاب الذي أصدره غريماس وجاك فونتانيي سنة 1991 تحت عنوان: “سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء إلى حالات النفس”[3] . ويهتم بسيميائية العمل التي تعنى بحالات الأشياء، وفي طليعتها تحركات الذات وديناميتها ودخولها في صراع وتنافس مع غيرها حرصا على تحقيق أهدافها المنشودة وينطبق ذلك على شخصية حمو أنامير باعتباره ذاتا فاعلة énonciataire ومعارضة anti-énonciataire، حيث يصير ذاتا فاعلة حين يتحرك في اتجاه تقوية علاقته مع تانيرت وإثبات فعل الكينونة، ويصير ذاتا معارضةanti-énonciataire حين لا يمتثل لقرارت أمه. وبما أن المتلفظ له هو ذات الفعل Sujet du faire ، فإن فعل الاعتقاد والاعتقاد يعدان حدثين. يسعى (التطويع التلفظي) إلى جعل المتلفظ له تانيرت يغير معتقداته ويؤمن بالقضايا الموجهة إليه من طرف المتلفظ حمو، إن عاملي التلفظ “(المتلفظ والمتلفظ له)”[4] يعاد بناؤهما من خلال الآثار المخلفة في الملفوظ، ويمر ذلك عبر شبكة معقدة ومتداخلة من سيميائية الأهواء والتي تخص الحالة النفسية لحمو وتانيرت والأم وما ينتابهم من مشاعر وأحاسيس إما تكون منفعلة بالأحداث الخارجية أو بالعلاقات مع العالم والأشياء وضمنها “إثبات الفعل”، والفعل المسرحي يشمل كافة التحولات التي تطرأ على العناصر المكونة لعرض أمزواك مثل الشخصيات والمكان والزمان. كما يشكل الفعل إضافة إلى ذلك الوظيفة التي تحقق سيرورة الفعل المسرحي لما له من دور في تحريك البرامج الحكائية وتغيير العالم بهدف تحقيق غايات وأهداف محددة عبر مختلف الوحدات التي استعملها غريماس A. J . Greimasوتتمثل في إجراءات الانفصال أو الاتصال الفضائي والفاعلي والزمني انطلاقا من تحديد الوحدات الخطابية، ومن معالم هذه النمذجة التمييز بين الاتصال الملفوظي: وجود مسافة بين المتلفظ- حمو أنامير وملفوظه-الحكي، والحكاية في هذا السياق تحضر”كبنية للرواية والخطاب المروي، لكونه تكملة ملموسة للكلام وتداخلا للعناصر والأحداث المفاجئة، الذي يفهم منه الموضوع((sujet، بالمعنى الذي أشار إليه توماشفسكي Tomachevski (1965)“[5] كتدبير واقعي للأحداث في القصة وبين الاتصال التلفظي: الانتقال من ضمير الغائب أو المخاطب إلى ضمير المتكلم، وبين الانفصال الذي يهدف إلى العودة إلى محفل التلفظ، وعلى ضوء هذا المسار ينشطر الفعل المعرفي إلى نوعين: الفعل الإقناعي والفعل التأويلي، يضطلع بالفعل الإقناعي المتلفظ- حمو الذي يستخدم كل أنواع الجهات (جهات الفعل: إرادة الفعل vouloir faire، ووجوب الفعل devoir faire، والقدرة على الفعل pouvoir faire ومعرفة الفعل، savoir faire حتى يتمكن من جعل المتلفظ له/ تانيرت يقبل العقد”[6] التلفظي المقترح عليه المتمثل كما هو معلوم في عقد الزواج، ويضمن فعالية التواصل، وفي هذا الصدد، يمكن للبرنامج الحكائي أن ينتهي إما بتحقق رغبة الزواج لدى حمو أو الفشل في الوصول إلى ذلك المبتغى، يتعلق الأمر إذن، بخطاب تداولي بامتياز، توجيهه ينبني على الإقناع، إذ يعتبر نجاح الفعل الإقناعي لذات (المتلفظ1) هو – في الآن نفسه – إخفاق الفعل التأويلي (للملفوظ له2) وينهض المتلفظ له (أو المتلقي) بالفعل التأويلي، فمختلف أنواع الانفصالات والاتصالات تتشخص كإجراءات خطابية تؤشر على تدخل المتلفظ. لكن سرعان ما ترتبط جدلياً بالبنى الدلالية العميقة. فلما وقعت المواجهة بين الذاتين المتصارعتين، وجدت (الذات1) نفسها أمام اختبار أساسي وحاسم يفرض عليها البحث عن برنامج حكائي آخر/ السفر نحو السماء السابعة، والاختفاء عن عالم الأم مما يولد توترا ووضعية لا توازن على الصعيد السردي والتي أحدثت اضطرابا لدى حمو الذي لم ينعم بزواج تانيرت، فاختار الهروب كخيار أسهل، والتخلص من الأمكنة التي تؤجج لديه تداعيات الإخفاق، كما أن فعل المواجهة الذي يقع على مستوى السطح، يقترن بمقومات التحقق الكامنة في المستوى العميق (العالم المحايث-العالم الخارجي)، أي على التوجه نحو تغيير سلوكات الأفراد وأنساق القيم التي يحملونها بصفة خاصة حول الحب والتضحية التي ركز عليها نص أمزواك، ناقلا إياهم من فعل الاعتقاد Faire croire إلى فعل الفعل Faire Faire، استنادا إلى التمييز بين معرفة الفعل والفعل، يمكن أن نقول إن كل سلوك مبرر يفترض ” برنامجا سرديا“[7] مضمرا وكفاءة تضمن تنفيذه، ويعتبر السفر في اتجاه السماء السابعة أحد أهم المبررات التي تأسست عليها “التحولات الحدثية”[8] داخل الحكاية، كما تعتبر “الكفاءة من هذا المنظور : كفاءة جهة يمكن أن توصف كتنظيم متدرج الجهات، وتنبني هذه الكفاءة على جهات إرادة الفعل vouloir faire وقد بين (غريماس) ” أن جهة إرادة الفعل يمكن أن تتخذ صورا أربعا هي :
– إرادة الفعل : إرادة السفر لدى حمو.
– عدم إرادة الفعل : عدم إرادة السفر لدى حمو.
– إرادة عدم الفعل : إرادة عدم السفر لدى حمو.
– عدم إرادة عدم الفعل : عدم إرادة عدم السفر لدى حمو.
وانطلاقا من هذه الجهات يتحدد الدور الفاعلي للذات الفاعلة أو الذات الجهية (حمو) وتؤسس الذات الفاعلة والتي لا تنجز الفعل إلا إذا امتلكت القدرة على إنجازه.
وقد بين (غريماس)” أن جهة استطاعة الفعل يمكن أن تتخذ صورا أربعا :
– استطاعة الفعل : استطاعة السفر .
– عدم استطاعة الفعل : عدم استطاعة السفر.
– استطاعة عدم الفعل :استطاعة عدم السفر.
– عدم استطاعة عدم الفعل : عدم استطاعة عدم السفر.
وبناء على هذه الجهات يتحدد الدور الفاعلي للذات .
ومعرفة الفعل savoir faire وهي بدورها تعتبر من الجهات الأربع التي ترتبط بالكفاءة وتؤسس الذات الفاعلة والتي لا تنجز الفعل إلا إذا امتلكت كفاءة محددة في هذه الحالة هي المعرفة، وقد بين غريماس”[9] أن جهة معرفة الفعل يمكن أن تتخذ صورا أربعا هي” :
– معرفة الفعل : معرفة الزواج.
– عدم معرفة الفعل: عدم معرفة الزواج.
– معرفة عدم الفعل : معرفة عدم الزواج.
– عدم معرفة عدم الفعل: عدم معرفة عدم الزواج. ولايتعلق بالنشاط المعرفي بل بالفعلي factivité ، حيث يغدو أي النص “خطابا” فرجويا، وسرديا وبلاغيا وحجاجيا بامتياز، يضع مجموعة من الذوات (الفاعلة) داخل إطار تواصلي نوعي ينحو هذا الجانب الشكلي إلى هدف وضع محتوى خاص متطابق مع السمات المميزة للخطاب، ويفكك ما يتلقاه، ويفحصه من منظوره الخاص، ويوضح دلالات الرسالة أو شكل التحقق الذي تتسم به، ولا يسعى المتلفظ في البداية إلى إقناع المتلقي بل يشترط منه تلقيا إيجابيا وغير مختل. وفي حالة انتفاء الفعل الإقناعي أو عقد التحقق يحل محلهما التلفظ الإخباري الذي لايقصد منه إلا إبلاغ معلومات إلى المتلقي دون إجباره على التعهد بها. حيث تتدخل الرغبة كمفترض أولي يوفر شروط إنتاج ملفوظات الحالة والفعل”[10] ، للوصول إلى الموضوع المبحوث عنه المحدد في البرنامج الحكائي/ الزواج لكن ظهور الذات المضادة الأم على مسرح الأحداث فرض برنامجا مضاداً تمثل في معارضة زواج تانيرت بحمو، وتحتوي هذه الملفوظات على أشكال مختلفة مبنية أساسا على الجهة التي تتحكم في الفعل على مستوى كفاءة الفاعل(حمو) والذي يكون خاضعا تارة لتوجيه الإرادة، وتارة أخرى لجهة القدرة، بجهة الواجب، وتعد هذه السوابق بمثابة القوة الموجهة للفعل، وعليه فإن أداء الفعل مشروط بهذه القوة التي أطلق عليها غريماس مصطلح موضوع الجهة[11] objet modal”
يتضح مما سبق أن هناك مقصدية متحكمة في علاقة كل ذات بموضوعها المحدد،”بمعنى أن هناك توقاً ونزوعاً من الذات نحو الحصول على موضوع ذي قيمة فهي – بهذا المفهوم- أساس كل عمل وفعل وتفاعل، وهي شرط ضروري لوجود أي عملية سيميوطيقية، فالذات لاتحصل على موضوعها إلا بحركة ما قد تكون عسيرة أو يسيرة وتتضمن هذه الحركة أطراف نزاع قد تكون متأبية أو منقادة” .[12]
ويتضح ذلك من خلال سيميائية الكلام بوصفه أثرا تلفظيا وعملا تداوليا يحدد طبيعة العلاقة التي تجمع بين طرفين كما هو حال العلاقة التي تجمع حمو وتانيرت أو حمو وأمه، وباقي الشخوص السردية التي تعبر بواسطة الكلام عن هويتها ومقاصدها وتطلعاتها وأهوائها وتحقق تغييرات مهمة في عملية التواصل أو في التعبير عن خطابات “بوصفها ظواهر لغوية أي عن طرق معينة للكلام عن أبعاد معينة للواقع في سياقات وممارسات اجتماعية معينة، وقد اتجه البحث فيما يعرف بالتحليل النقدي للخطاب إلى استنباط القواعد التي تحكم مثل هذه الاستدلالات أو التوقعات الدلالية، وهو ما يصل هذا الحقل بحقل آخر يعرف بنظرية الفعل أو علم العلامات من حيث هو بحث في القواعد أو الأعراف التي تحكم إنتاج الدلالة وانتقلت اللغة من النص إلى الخطاب في شكله التفاعلي. يتضح من خلال مسرحية “أمزواك”، أن الخطاب المسرحي يعمل بطريقة مضاعفة، حيث نلاحظ أن المرسل مزدوج وهما المؤلف والفاعل، إضافة إلى ذلك يوجد متلق مزدوج: المتفرج داخل القاعة، وفاعل آخر وهو المستمع فوق الخشبة، وبخصوص المرسلين الاثنين ليست لديهما نفس القوة في المسرحية، إذ يوجد فرق بينهما، الممثل لا ينطق سوى المقاطع النصية، والتي تنتمي إليه هو بالذات وفقا لدوره، ويترتب عن ذلك أن خطاب المرسل – المؤلف مشترك من طرف: المرسلين- الممثلين.
وبذلك فإن مؤلف مسرحية “أمزواك” (الطيب بلوش) هو ذات التلفظ داخل أو خارج المشهد المسرحي، فهو مصدر النص يخلقه بطريقته الخاصة، بما أن الفاعل هو ذات التلفظ داخل النص، أو أن الممثل هو ذات التلفظ فوق الخشبة، فالمتلفظ هو منتج الخطاب (الطيب بلوش) الذي يتوجه إلى متلفظ له (متلقي) لإمتاعه بعوالمه التخييلية واللغوية وإقناعه بسلطة الأم وهيمنة التقاليد التي كان ضحيتها حمو أنامير وتانيرت، ويصبح التلفظ الملفوظ المدرج في الخطاب الأول محلا لإسقاط تلفظ جديد يكون صورياً. يضطلع بهذا التلفظ الثاني طرفا التواصل الحاصل داخل الخطاب-الملفوظ (حمو وتانيرت). من جهة هناك (الذات 1) حمو، التي تحاول التخلص من أنماط السلطة المتحكمة في العواطف والتمثلات الاجتماعية بحثا عن الخلاص(الفعل الإقناعي)، ومن جهة أخرى نجد (الذات2) الأم، التي لم تقتنع بالحجج المقدمة فقررت اللجوء إلى تعطيل عقد الزواج( الفعل التأويلي). وتبعا لذلك فالحكي بموجب شروطه النظرية لا يشير إلى الخطاب، بل إلى الملفوظ المؤدَّى السردي، بخلاف السرد الذي يضطلع بتعيين محفل الأداء والتلفظ ويدل على فعل السرد الذي له طبيعة تداولية تستند إلى التحققات التمثيلية.
[1] – آن أبر سفيلد، “مدرسة المتفرج”، ترجمة: حماده إبراهيم، مطابع المجلس الأعلى للآثار، القاهرة مصر، 1981، ص 171.
[2] – إلين أستون وجورج سافونا، “المسرح والعلامات”، مرجع سابق، ص 66.
[3] – غريماس وفونتانيي، “سيميائيات الأهواء: من حالات الأشياء إلى حالات النفس”، ترجمة سعيد بنكراد، دار الكتاب الجديدة، الطبعة الأولى 2010.
[4] – يظهر “كورتيس”أن التلفظ هو ظاهرة أكثر تعقيدا من أن تكون منحصرة في فعل حصول على /معرفة/؛ ذلك أن هدف التلفظ يشمل على /فعل معرفة/، و كذلك /فعل إقناع/ (faire croire ) (فعـلاقة المتلفـظ /المتلفظ لـه) متعلقة بالتطويع manipulation) ) و بمعنى آخر، إنّ دراسة تلفظ الملفوظ énoncé énonce (حكاية حمو أنامير) هي دراسـة للتركيب العامـلي و الجهاتي في إطار مسارسردي، كما يطلق على الطريقة الخاصة التي قدمت بها هذه الحكاية: اسم تلفظ الملفوظ . énonciation énoncée وضمن هذا السياق، وكمثال على عملية التحريك التي يستعملها المتلفظ (حمو) من أجل إقناع المتلفظ له(تانيرت) فحادث زواج بين عاملي ملفوظ الملفوظ تبدو اتصالا سعيدا. فحكاية على مستوى ملفوظ الملفوظ تظهر القبول و الاتفاق ، لكن على مستوى التلفظ يمكنا أن نتصور ما إذا كان المتلفظ (حمو)موافقا أو معارضا لوجهة نظر العاملين السرديين، و ذلك من خلال استعمال الكلمات و العبارات المختارة لتحديد الموقف التلفظي، وهذا ما يجعل المتلفظ له(تانيرت) يواجه تحريك المتلفظ .
[5] – باتريس بافيس، “معجم المسرح”، مرجع سابق، ص 63.
[6] – فالمتلفــظ و المتلفظ له (حمو وتانيرت)، لا يظهران مباشرة في إطار الملفوظ و أدوارهما مفترضة منطقيا. بمعنى أنه لا يجب فهم المقاربة السيميائية للتلفظ على أنها إجراء يكتفي بتحديد متلفظ مفترض انطلاقا من الآثار و الرموز الموجودة في الملفوظ – الخطاب ، بل إنّ التلفظ يمتلك بنية الملفوظ بحيث تتحكم فيه بنيات تركيبية عاملية و صيغية متمفصلة من خلال برنامج سردي تماما كملفوظ الملفوظ.
-[7] تطلق عبارة البرنامج السردي عند غريماس(Greimas,1966) على تتابع الحالات والتحولات التي تترابط انطلاقا من علاقة بين ذات معينة وموضوع محدد وما يطرأ عليها من تحول، فالبرنامج السردي يضم عددا من التحولات المترابطة التي تندرج في سلم تراتبي، إن سلسلة الحالات والتحولات التي منها يتكون البرنامج السردي تخضع لقواعد منطقية، وهو ما يفسر الحديث عن برنامج. وما هدف التحليل السردي إلا أن يصف تنظيم البرنامج السردي ويبرز هذا التتابع المنظم الذي يظهر فيه، فالبرنامج السردي يحدد دائما بالحالة – أي العلاقة بموضوع القيمة – التي يؤدي إليها.
– في السرديات يعني الحدث: الانتقال من حالة إلى أخرى في قصة ما. ولا قوام للحكاية إلا بتتابع الأحداث، واقعية كانت أو متخيلة، وما ينشأ بينها من ضروب التسلسل أو التكرار، على أن أغلب السرديين تخلوا عن استعمال كلمة حدث واستعاضوا عنها بكلمة فعل.
[8] – في السرديات يعني الحدث: الانتقال من حالة إلى أخرى في قصة ما. ولا قوام للحكاية إلا بتتابع الأحداث، واقعية كانت أو متخيلة، وما ينشأ بينها من ضروب التسلسل أو التكرار، على أن أغلب السرديين تخلوا عن استعمال كلمة حدث واستعاضوا عنها بكلمة فعل.
[9] – Greimas(A.J) , Sémiotique structural, Recherche de methode, Paris,La rousse,1996
[10] -“ملفوظ الحالة هو عند غريماس أحد مكوني الملفوظ السردي، وهو يتحدد من خلال العلاقة الرابطة بين ظات وموضوع، وتمة ضربان من ملفوظ الحالة، أي ضربان من ضروب العلاقة بين الذات والموضوع، أولهما ملفوظ الحالة الاتصالي(conjonctif) وتكون العلاقة فيه بين الذات والموضوع علاقة اتصال ، والثاني ملفوظ الحالة الانفصالي(dijonctif) وتكون فيه العلاقة بين الذات والموضوع علاقة انفصال، أما ملفوظ الفعل فيعرفه غريماس باعتباره أحد مكوني الملفوظ السردي ويتحقق عند الانتقال من صورة للعلاقة بين الذات والموضوع إلى صورة أخرى ومعنى هذا أن ملفوظ الفعل لايمكن أن يوجد إلا في سياق التحول، ومن ثم فإن ملفوظ الفعل يتخذ صورتين أساسيتين، إحداهما التحول الانفصالي وقوامه تغير علاقة الذات بالموضوع من الاتصال إلى الانفصال، وأما الصورة الأخرى لملفوظ الفعل فهي التحول الاتصالي وقوامه تغير علاقة الذات بالموضوع من الانفصال إلى الاتصال”
[11] – A. J . Greimas, les acquis et les projets, in J, courtes, introduction a la sémiotique narrative et discursive, Hachette, Paris, 1976, p 17.
[12] – محمد مفتاح ، “دينامية النص تنظير وإنجاز”، المركز الثقافي العربي، ط1، 1987، ص 8-9.