كلمة مقتضبة بمناسبة اليوم الوطني للمسرح 2024، الذي يصادف 14 ماي من كل سنة
“نعود للمرة الألف و نقول أن المسرح عملة نفيسة، في وقت حل فيه الابتدال والنمطية بدل الإبداع والجمال وشاع الاستيلاب والبهرجة بدل البهجة والاحتفال وداع النسخ والاستنساخ والسرقة الفنية بدل الاجتهاد بالأسلوب وبالكتابة وبالإبداع …كل هؤلاء احتلوا المواقع والساحات والشاشات والمنصات ونشروا التفاهات … وأصبح أبو الفنون غير ذي جدوى، كمن يعلق تميمة على جدران مدينة لا يقطنها جمهور ولا أحياء، بحيث أصبحنا نعيش الإنتكاسات ونجتر الخيبات تلو الخيبات بتغيير الواقع الحقيقي الذي هو أصلا مسرحٌ وتمسرحٌ وميتا مسرح ومسرح داخل مسرح …
وتغييب المسرح والمسرحيين في المدينة، فغابت معه معالم المدنية وفرجاتها،كما غابت دقات خشبات المسرح الثلاثة، الموسومة بإعلان ميلاد لحظات البسط والإحتفال والاجتهاد، لا التقليد والإبتدال، بحيث لم يعد للمسرح والمسرحيين كيان وكينونة ولا وجود ولا سيرورة، في الوقت الذي كان يلعب فيه المسرح والمسرحيون كل الأدوار الطلائعية والتنويرية في كل مناحي الحياة، ويكتب فيه كل المؤلفون والكُتّاب ملاحم الحياة في كل تجلياتها.. بساط، حلقة، تراجيديا وكوميديا وعبث ولامعقول وقسوة وكل الأشكال الفرجوية الإنسانية بالطبع. وكان صوت المسرح والمسرحيين يعلو عاليا وغبار الخشبات مشاع في كل الأسفار ومدون في أدق تفاصيل الحياة ثقافيا وفنيا ومواطنتيا، حيث تم تدوين كل شي بالمسرح وبكل اللغات واللهجات، وخدمة لكل الشعوب. وفي المقابل نجد اليوم من يحاول تارة أن يجعله ترفا وبذخا وجاها وعصبية قبلية وطائفية، بدعاوي مزاجية وجهوية وفكرية، وتارة أخرى يصبغه بمؤثرات ومصوغات خارجة عن النص وعن روح النص في غياب مؤلفه وكاتبه الحقيقي الذي يعرف عراقةَ وتفاصيل هذا الفن النبيل، وفي غياب المخرج الذي يخرج نصوصه والذي يكمل أدواره بالكتابة الركحية للكتابة النصية، وفي غياب الممثلين الذين يشخصون أدواره ويتقمصون شخصياته، وفي هجرة جمهوره عن خشبات المسرح، وفي غياب وعي المسؤول عن المسرح والداعم الحقيقي لوجوده واستمرار تواجده …
إذن لايمكن أن نقول هذا المسرح مسرحا إلا إذا استوفينا الشروط الحقيقية ونشر الحق والحقيقة وأن لا نلبس هذا المسرح لباسا غير لباسه أو أزياء غير أزياءه من أضواء وألوان مختلفة وأن نلبسه لباس يشبهه ويسكنه ويغمر دواخله، بحيث يعبر عن أحداثه ووقائعه بكل تلقائية.
حين تتوفر كل هذه المساقات والمؤشرات يمكن القول أنه لا تغيب شمس المسرح مهما حاول الأغبياء والأدعياء “.