أنا سعيد ، وسعادتي لاتشبه سعادة فلادمير وإستراجون في نص بيكت ” في إنتظار غودو”..بل حقا أنا سعيد ، لأني شاهدت عرضا للمخرج زمن علي يستفز المخيلة ويحرك الوعي الساكن، عرض كوني، إنطلقت كونيته من موسيقى حيدر حسين وتوليفها بين ايقاع الطبلة الشرقية ووتريات الغرب، عرض يجسد مقولة دونها صومائيل بيكت: ” إن الأمهات يلدن قرب المقابر” مقولة لم ينطقها ٱحد لكن جسدها فضاء العرض, فضاء يقوض اللحظة ويرجئ المعني، لتنهال علينا معاني متراكمة لتاريخ البشرية وإنهياراتها ووجع الأمهات وعذاباتها وهي تنتظر غودو المخلص الذي غيبه المخرج “زمن علي” وحوله الى كتلة هلامية برقصات قبلية, وتعويذات سحرة تؤله الوهم لتؤسس لسكون البشرية، سكون مميت على لسان العقائد المعطلة،
بوصايا: “إهدا..إهدا..” المخرج زمن علي غاير الفضاء المعلن في النص ليؤسس لفضاء محاط بالكراسي الدموية، ودلالات الكراسي وإن لم تبتعد عن المعنى المألوف لكنها حققت بيئة تشكلت بعناية فائقة، فضاء فوقي أحالة المخرج الى وهم يشبه عقاقير مسكنة لقلق إستراجون..وفضاء أرضي دموي يحكي عذابات افلادمير، وأقولها بقصد إن هذا الفضاءات تؤسس لثقافة العرض المسرحي بعيدا عن عروض المهرجانات، لأن هذا العرض وليد المكان وتوأم البيئة وبيان سحرها، وعلى كل مسرحي يحترم تاريخ المسرح من أقصى الكون العراقي الى أقصاه أن يشاهد هذا العرض في مكانه الذي ولد فيه ولادة هادئة مع موسيقى كونية لجماليات الصمت، وسحر العتمة.. ولم يكن الصمت فراغا بين مشهدين بل مبدأ للتحول بين سحر وآخر ، وحتى الظلام يتشكل جمالا يعقبه معنى..
قبل ان أتوقف عن الكتابة نسيت أن أخبركم أنني شاهدت درسا في التمثيل لمحمد عبد الستار.. وممثل آخر يشبه صوت آلة”الجلو” أركان ميران .. وعرض يسرقنا من ثقافات ملفقة الى مسرحنا الحلم.. عرض “صفر ديسبل” للمخرج زمن علي يمثل قراءة صفرية ستكون إنطلاقة و “وحدة قياس” لعروض مسرح تؤجل متاهات السينوغراف والدراماتورجية لتشكل فضاء مسرحنا الذي نحب.