انتقد الكاتب والناقد المغربي نجيب طلال ما أسماه «تشرذم المسرحيين والفنانين» وغياب التضامن والتأزر في ما بينهم، وتحدث في حوار مع «القدس العربي» عن وجود فنانين «خُبزيين»، أي يجرون وراء الأمور المادية بغض النظر عن المبادئ والرؤى والمواقف.
كما تطرق إلى «اغتيال مسرح الهواة» و»نسف الملتقيات المسرحية» و»تقليص الأدوار الطلائعية للمسرح الجامعي». ولم ينف توفر المغرب على كفاءات وطاقات مازالت تؤمن بمبادئ العطاء الفكري والثقافي والنضالي ولا تنتظر دعما. وفي ما يلي الحوار:
■ كيف حال المسرح في المغرب؟ وهل تحرك فعلا كما جاء في مبادرة الوزارة والتلفزيون؟
□ لقد جرى اغتيال مسرح الهواة ونسف الملتقيات المسرحية وتقليص الأدوار الطلائعية للمسرح الجامعي وهرولة أغلبية المسرحيين لشق الاحتراف، ليس من أجل تطوير الابداع وتطويع الخيال والجمال، بل تهافتا نحو الأموال، والذي زاد في ترسيخ التهافت على الدعم المسرحي الذي أفرز وضعا ووضعية أخرى ومشهدا يرثى له.
فرغم سماعنا لبعض الجوائز، فلن تحجب بأنه في أسوأ حال من ذي قبل، ولم يعد هنالك ذاك المسرح الصادم، مما فقد جمهوره وحتى بعض رواده، وهنا المسؤولية مسؤولية الفنان / المسرحي، وليس الدولة في شخص وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ورغم ذلك فالدولة تفكر من باب مخرجاتها السياسية على تخريجات من أجل انتعاشة المسرح واستثماره في نفس الوقت.
بخصوص ما أعلنت عنه الوزارة من فكرة (المسرح يتحرك) الهدف منها النهوض بالمسرح المغربي بجميع أشكاله وتلويناته وتماشيا مع التنوع الثقافي الوطني، بشراكة مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، لتنفيذ هذه التظاهرة وتسجيل ستين عملا مسرحيا بمقابل مالي. لكن لحد الآن يبقى (المسرح يتحرك) بمثابة شعار، لكن الذي يطرح سؤالا، كيف تقدم 274 مشروعا للاختيار؟ فهذا الرقم مهول ويكشف أن الفنان المغربي، أينما كانت الأموال، فهو موجود في الصيف والشتاء! مقابل هذا فالمثير أن الوزارة كشفت عن استراتيجيتها التي ترمي الى تشجيع إحداث وتطوير الصناعات الثقافية والإبداعية الوطنية؟ ولكن النقابات المهنية والفيدرالية، كان عليها أن تناقش بجدية مع منخرطيها، مفهوم الصناعات الثقافية والإبداعية، لأنه موضوع شائك وفيه ألغام، بمعنى «المسرح»، رغم أنف أي كان سيدرج ضمن الاقتصاديات الثقافية، وسيصبح مسرحا رقميا، وهذا له علاقة بالملكية الفكرية التي نوقشت بحضور الفنانين، لكن في غفلة تم تمرير بعض البنود لا تخدم الفنان، فهل الفنان المغربي له آليات ودراية واستعداد الانخراط في ذلك؟
■ مضى موسم ويأتي آخر، ما الحصيلة بين أزمة الإغلاق ونتائج الدعم وفتاوى الانتقاء؟
□هي حصيلة مؤلمة، ولا سيما أن فيروس كوفيد كشف عن واقع مسرحي وفني هَـش، وغير مواكب للتحولات، وكشف كذلك عن تشرذم المسرحيين والفنانين، فلا تضامن ولا تأزر في محنة بعضهم، وكشف عن تهافت بعض ممن يكتنزون الأموال، وبالتالي فالدعم الاستثنائي خلق فوضى لاحد لها، وهذا مؤسف ومخجل، ومن الصعب أن نكشف كل الأوراق في هذا المضمار. فما يمكن استخلاصه، أنه أصبح لدينا فنان خبزي من جميع الزوايا، لا مبادئ له ولا رؤية له.
■ أنت واحد من الفنانين والمتتبعين للحركة المسرحية المغربية عن كثب، وكثيرا ما تثير مواقفك بعض الجدل، هل ما زال في المسرح ما لا يعجب أم أن الأمر في طريق الإصلاح؟
□ لنبدأ من مواقفي تثير بعض الجدل، وستبقى كذلك، لأنني خارج السرب، ولا أنساق وراء أي كان، ولا هدف لي سوى إشراقة إبداعية ترنو في كل الفضاءات، بدون انتهازية ولا حساسيات ولا لوبيات، فتبديد المعضلات الثلاث، تلك ربما سينصلح حال المسرح في المغرب، هذا إن تم تطبيق فصل المهن، فالفن أمسى مهنة، ولقد أصبح صناعة يخترق اقتصاديات السوق، فكل من له رقم تأجير يشطب عليه من بطاقة الفنان، وليتركوا الفنان الذي مهنته التمثيل أو ما جاوره، يعيش من مهنته، ولكن المزاحمة والاستحواذ على أغلب المهام/ أستاذ/مؤلف/ مخرج/ سينوغراف/ممثل/ هذا يتنافى ومنظور الاحتراف، ومنظور المقاولة أو الشركة الفنية، لكن الرقمنة ستحد من هاته الفوضى عما قريب.
■ أسماء عديدة في الميدان الفني تشتكي ضيق الفرصة وانعدامها، وأيضا اتساع مساحة الهامش الذي أصبح يبتلع العديد من المبدعين في الميدان الفني، هل من حل لهذه المعضلة من وجهة نظر الناقد والمتتبع والفنان؟
□ هذه حقيقة لا مراء فيها، والمعضلة ارتبطت بظاهرة الدعم المسرحي والسينمائي كذلك، والتي خلقت لوبيات بعض منها معروف وبعضها مجهول، تلك هي المسيطرة على الميدان الفني، بكل مفاصله، بما فيها ملفات الدعم، هنا دائما أتساءل ما دور النقابات المهنية؟ فالمشرع واضح في مهامها وأدوارها، في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والمهنية، الفردية منها والجماعية، للفئات التي تؤطرها، لكن التلاعب والخلط الذي يقع، تارة تكون عمالية وتارة مهنية.
وأتساءل هنا ما دامت الدولة تدعم المسرح والسينما: هل المسرح أو السينما قطاع خاص أم قطاع عام؟ علما أن هناك أشخاصا نجدهم يعملون في مسرحيتين وفي فيلمين أو ثلاثة وفي مسلسل تلفزي، وهذا يعتبر تسيبا فنيا، وشططا مهنيا، وهذا يكشف أن الكواليس تتحرك، ومدى تغلغل العلاقات الشخصية داخل الوسط، أو المساندة من جهات نافذة في المجال السينمائي والتلفزي، ولكن المسؤولية تقع على عاتق النقابات والمخرجين والمنتجين، منطقيا. لكن خرافيا بحكم ثقافتنا المجتمعية التي لازالت غارقة في الخرافة والشعوذة، بدوري أتساءل هل ذاك الفنان وحده يتوفر على أحجبة القبول والرضى، علما ومن منظوري النقدي، ليس بفنان، لأنه يكرر نفسه لغة وحركة وايماءة. وبالتالي فحل هاته المعضلة، لا مناص من تضافر الجهود وإحلال النوايا الحسنة وتسطير قوانين تنظيمية صارمة للشغل، وكذا فصل المهن.
■ هل تعتبر إشراك غير الممثلين في أعمال درامية وخاصة المطربين أو ما يصطلح عليهم بالمؤثرين، أمرا صحيا في المشهد الفني المغربي؟
□ بكل بساطة، الكل أمسى يبحث عن الربح السريع، نتيجة بوادر الليبرالية المتوحشة، ولا يهمه القيمة الفنية ولا الجمالية للعمل، لأن منطوق التفاهة أمسى يتحكم في المجال الإبداعي والثقافي كذلك. وإشراك غير الممثلين يندرج ضمن اليد العاملة الرخيصة، وهذا يتنافى وقانون الشغل.
عن: القدس العربي