خمسة وعشرون فنانة جميلة من فنانات البصرة يصنعن الجمال للبصرة للمرة السادسة بدعوة ورعاية من مرسم الغدير الذي يديره باقتدار الفنان الدكتور حسين النجار؛ الذي عهد على نفسه تقديم الجمال عبر معارض مرسمه التشكيلية؛ التي يقيمها بجدية وتواصل يندر وجودهما في زمن أصبحت فيه الثقافة شأناً ثانويا؛ وأصبح الجمال فيه يتعرض للقتل والاغتيال بين الحين والآخر؛ ليأتي مرسم الغدير كي يزين وجه البصرة بالجمال؛ ويعيد لها بسمتها الجنوبية المشرقة.
ومنذ بدايات نشاطه فأن مرسم الغدير وضع على عاتقه مهمة رعاية المواهب والإعلان عنها وتطويرها؛ وهي مهام فنية وتربوية تعجز عن النهوض بها مؤسسات كبيرة؛ في حين أن مرسما يضم مبدعين لا يزيد عددهم عن أصابع اليد الواحدة؛ نجح في أن يقدم معارض متنوعة في كل ضروب الفن التشكيلي؛ وأن يقيم ورشات للتعليم والتطوير والتأهيل للمواهب الفنية وبمختلف الفئات الاجتماعية ومختلف الأعمار؛ فضلا عن ورشات للرسم الحر التي كان وما زال يقيمها هذا المرسم الفعال المنتج؛ فمبارك لأسرة مرسم الغدير هذا الأشعاع؛ وهذا التألق.
إن معرض (تشكيليات بصريات) بنسخه الست؛ يعد واحداً من النشاطات النوعية التي يقيمها مرسم الغدير؛ والمهمة الأساسية للمعارض النوعية هي تقديم صورة مكثفة عن ظاهرة أو حالة أو نشاط أو مهارة أو فئة ما؛ وهذه الصورة المكثفة فضلا عن تقديمها كشفا مركزا عن تلك الظاهرة او الحالة او الفئة؛ فأن هذه الصورة تكون صالحة للبحث والدراسة والتأمل؛ إذ إنها تفسح المجال للدارسين والباحثين والنقاد في أعداد الرسائل والأطاريح الأكاديمية والدراسات النقدية والبحوث النظرية التي تضيف معرفة علمية لتلك الظاهرة أو ذلك النشاط.
وأحسب أن معرض (تشكيليات بصريات) بنسخه الست؛ حقق الأهداف المذكورة أعلاه؛ إضافة الى تحقيقه أهدافاً أكثر أهمية؛ في مقدمتها أنه يهدف الى يكون نشاطا ثقافيا واجتماعيا يدخل ضمن مشاريع (تمكين المرأة) ودعمها؛ لكي تأخذ مكانتها التي تستحقها على الصعيدين الاجتماعي والثقافي على حد سواء؛ كما أن المعرض يقدم صورة مركزة عن مستوى الفن التشكيلي الذي حققته المرأة الفنانة في هذه المحافظة الجنوبية؛ ويكشف عن مواهب نسائية جديدة لم يسلط عليها الضوء من قبل؛ ويقدمها للعلن.
إن جولة في معرض (تشكيليات بصريات) بنسخته السادسة؛ جعلت متذوقاً لجماليات الفن التشكيلي مثلي؛ يخرج بالانطباعات الآتية:
- قدم المعرض خصوصية في الأسلوب الفني الذي تشتغل به كل فنانة من الفنانات؛ الأمر الذي جعل لكل فنانة شخصية فنية مميزة عن الفنانات الأخريات؛ وتلك خاصية تشير الى أصالة كل فنانة؛ وحرصها على تقديم ما هو مغاير ومختلف عن غيرها.
- قدم المعرض تنوعاً في المذاهب والاتجاهات والتيارات الفنية؛ ولم يتحدد في مذاهب واتجاهات معينة؛ فتجد فيه ظهورا للواقعية والتعبيرية والرومانسية فضلا عن إلتماعات بينة للسريالية والتكعيبية وغيرها أحيانا.
- لوحظ أن هناك مزجا بين المذاهب والاتجاهات الفنية داخل اللوحة الواحدة؛ ولم يكن ذلك المزج عشوائيا؛ بل مزجاً واعياً مدروساً يخدم الفكرة العامة للوحة؛ وهذه دلالة على سعة فكر وخيال الفنانات المبدعات اللواتي أنتجن تلك اللوحات؛ وأكثر أشكال المزج إثارة تلك اللوحات التي مزجت بين الواقعية والتعبيرية؛ واللوحات التي مزجت بين السريالية والتكعيبية.
- من السمات المميزة في هذا المعرض هو التنوع المستخدم في الخامات الأساسية للوحات؛ وهذا يُعد من الاشتغالات العصرية التي تضفي سمة الحداثة والابتكار لمبدعات هذه اللوحات.
- لوحظ في لوحات المعرض هيمنة الألوان المشرقة والفضاءات الواسعة التي تعطي للوحات سمات التفاؤل والأمل؛ وابتعدت غالبية اللوحات عن الألوان الغامقة التي يمكن أن تثير مشاعر الأحباط والكآبة؛ لذا يمكن القول أنلوحات المعرض بشرت بمستقبل مشرق منفتح على الآمال في زمن سادت فيه مفاهيم الانسداد والانغلاق.
- لوحظ في المعرض سمات النعومة والرقة في الإخراج النهائي للوحات؛ أو ما يدعوه المتخصصون (الفنشنك) النهائي؛ وهذه سمة تعكس ية رقة ونعومة مبدعات هذه اللوحات من ناحية؛ وتشير الى رغبتهن في الوصول الى مستوى التكامل الفني من ناحية أخرى.
- تنوعت الفئات العمرية والاجتماعية المشاركة في هذا المعرض؛ إذ وجدنا لوحات لفنانات شابات وفنانات واعدات الى جانب فنانات رائدات، وأديبات وتدريسيات جامعيات متخصصات بالفن التشكيلي، وغير متخصصات به؛ والأكثر إثارة من ذلك مشاركة ربات بيوت بلوحات متميزة.
- تميز هذا المعرض بتواجد لوحات لفنانات من محافظات أخرى؛ غير محافظة البصرة؛ وهذا دليل على انفتاح تجربة مرسم الغدير الى فضاءات غير محددة بفضاء البصرة؛ ويؤشر إمكانية إقامة معارض متخصصة للفنانات التشكيليات العراقيات في عموم محافظات العراق؛ وربما حتى الطموح الى مشاركات لفنانات عربيات.
أخيرا نتوجه بالشكر الجزيل والتقدير الوافر لأسرة (مرسم الغدير) على أتاحتها لفرصة رؤية الجمال بين الحين والآخر؛ ونبارك لجميلات البصرة هذا الجمال الإبداعي المتألق.
** أ.د مجيد حميد الجبوري / البصرة 23/7/ 2022