ما زال البعض في عالمنا العربي ينظر إلى المسرح باعتباره فعلا تحريضيا على الفوضى وتكدير السلم العام. ما زال البعض يخشى المسرح كخشيته من وباء إن تركه سيستشري ويصيب الناس بالعدوى. ما زال البعض يرى في المسرح فعلا فاضحا وجب منعه أو على الأقل شجبه. وأولئك هم من لم يفهموا طبيعة المسرح ولا دوره، هم فقط يلجؤون إليه وقت الحاجة، باعتباره حلية كرنفالية يزينون بها شعاراتهم الطنانة عن المجتمع والناس. فإن تجاوز المسرح وخرج عن أداء هذا الدور، وقفوا له ووصفوه بما ليس فيه، وحرضوا الناس ضده، ولقنوهم تفسيرات التحريم والتجريم، وتركوه لهم يهدمونه بأياديهم، ليخرجوا بعدها باسمين قائلين ببراءة مدعاة “ما قتلناه.. الناس من فعلوا.. وهل نقف ضد الناس؟”. أولئك يظنون، وكل الظن إثم في هذه الحالة، أنهم بمنعهم المسرح أو مصادرته أو تحجيمه، يحافظون على السلم العام. في حين أن المسرح، وكل فن، هو ابن السلم، بلسم الروح، شفاء الأنفس من كل ضغينة هي بذرة شر وشجيرة إرهاب. فإن قُتل أو مُنع وأظلمت ساحاته،انطفأت الأرواح، وُسكرت العقول، وشاعت أفكار الظلام، وسادت ظلمة الفكر، وما أخصب من تلك بيئة يترعرع فيها الإرهاب؟
الذين يمنعوننا اليوم، هم أنفسهم الذين يسألوننا عن سر ازدهار المسرح، وكل فن، في خمسينات وستينات القرن الماضي. ولماذا كان مجتمع ذلك الماضي يخلو من طائفية ومن إرهاب ومن تحرش؟ وينسون أو يتجاهلون أن ذلك لأن المسرح كان في المدرسة وفي الجامعة وفي المصنع وفي الشارع. فانسدت على ديدان الفتنة كل المنافذ. نعم، هكذا وببساطة لن يفهمها المتشدقون بأن الإرهاب لا يفنيه إلا القتل المباشر، وبأن المسرح، وكل فن، ما هو إلا ترف لا نحتاجه الآن.