نلتقي اليوم مع فنانة من طراز فريد هي العمانية علياء البلوشي وهي كبيرة تسويق وتخطيط استراتيجي في الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون العماني، قدمت العديد من التجارب المسرحية في النرويج وهولندا وكندا وتونس والمغرب والإمارات وقطر، وأخيرا هي تقدم عرضها المسرحي على خشبات المسرح في مصر. ومن أبرز أعمالها: مسرحية «قبر من أجل نيويورك» للشاعر الكبير أدونيس والموسيقى للفنان مارسيل خليفة، وقدمت على مسرح الفليج في سلطنة عمان.. مسرحية «عودة الرحلة الطويلة» لمسرح كلباء الشعبي بدولة الإمارات، وقدمت في مهرجان الشارقة المسرحي وأخذت عليه جائزة أفضل ممثلة دور أول.. مسرحية «بنت الصياد». وقدمت عدة عروض في سلطنة عمان وتونس والمغرب وأخذت عليها عدة جوائز.. وعرض «رأس خارج القانون» قُدم في سلطنة عمان ومصر والآن سيقدم في العراق.. ومن أعمالها التلفزيونية الدرامية المهمة مسلسل «أحلام رباع».. مسلسل «أحلام صغيرة».. مسلسل «حارة الأصحاب».
بدأ الحوار بسؤال تقليدي هو حدثينا عن تجربتك الإبداعية، وبدأت تقول:
ـ سؤال صعب لما الإنسان يسأل عن نفسه.. كأنك تخبرني أن أتجرد مني لأحكي عني.. سأختصرها لك.. علياء طفلة حرة متمردة.. عاشت مع جدة حنونة عطوف وكريمة.. علمتها حسن الأخلاق.. الحب اللامتناهي.. عشق تفاصيل الحياة.. أحببت الفن والمسرح منذ صغري.. تعلمت العزف على الأورج وعشقت خشبة المسرح.. رقصت وغنيت ومثلت في طفولتي في المدرسة لدرجة أنني في آخر سنة دراسية قررت مديرة المدرسة منعي من الأنشطة لأركز في دراستي حتى أحصل على مجموع يؤهلني لدخول الجامعة.. وفعلا دخلت بتخصص الفنون المسرحية.. وحولت شغفي الفطري إلى دراسة أكاديمية بتخصص التمثيل والإخراج.. عشقت خشبتي السمراء.. أحببتها.. يركبني ذلك العفريت عندما أراها وأدوس عليها.. أتحسسها عاشقة وولهى.. باختصار هذه أنا.
شاهدت تجربتك المسرحية في مهرجان آفاق.. كيف دخلتي إلى أجواء نص عبدالرزاق الربيعي بدرجة وكأن النص كُتب لكِ خصيصا؟
ـ كتابات الشاعر عبدالرزاق الربيعي صعبة لأنه يغوص داخل أعماق الروح ويكتب لغة شعرية جميلة وبمنتهى الإحساس.. لانه يعرف علياء المتمردة.. علياء الروح.. آمن بي منذ أن كنت في الجامعة.. هذا النص تحديدا شاهدني أنا تحديدا قبل أن يعرضه عليّ لاجسده على خشبة المسرح.. أعطاني النص ولم نتحدث لمدة شهر.. كنت مع الشخصية.. لازمتني كظلي.. تأثرت بها.. دمرتني.. أحسستها.. طاقة الحب بداخلها.. إحساس الفقد.. الأمل.. الحلم.. الذكريات.. كلها مدمرات نفسية وجسدية.. لم أنم طيلة شهرين.. وعندما بدأت البروفات كنت أتوقف.. أبكي.. وكل مرة كنت أتوقف.. وأقرر لن أكمل العمل.. استنزفتني روح الشاعر التي انتقلت بداخلي.. إحساسي امتزج بكلماته.. عرضنا العمل في عدة مهرجانات.. أثنى عليه النقاد.. وكتبت شهادة ميلاد جديدة للممثلة المسرحية التي كنت أحلم بها.. علياء البلوشي.. ولكنني في نهاية كل عرض أنهار حرفيا.. جسديا ونفسيا وروحيا.
النص بعيد عن لعبة التصوف لكن شاهدت منكِ بعض ملامح الطقس الصوفي التي استخدمتها في الأداء؟
ـ بعد كم عرض قدمته للشخصية أحببت أن أدخل داخل تلك الروح.. أترك الجسد يتحرك فقط.. أركز على روح المرأة التي فقدت حبيبها.. أخذت دروسا في الرقص الصوفي.. تعاليت على جسدي.. تمردت على هذا الوعاء.. حلقت بروحي فقط.. قرأت كثيرا عن قوانين الصوفية.. أحكامهم.. أعرافهم.. ظهرت بشخصية جديدة في العرض المسرحي.. أعتقد بأنني في داخلي كنت أريد أن اجردها من جسدها.. من العقل الواعي.. أحولها لروح هائمة عاشقة.. نجحت فعلا.. والعرض كتب عنه نقد جميل.
تجربة عمان في مهرجان آفاق تعد تجريبا وخروجا عن المعهود في المسرح العماني.. إلى أي حد هذه الفرضية تمثلكم؟
ـ دائما أسأل نفسي هذا السؤال ولكن بطريقة مختلفة.. هل الفن والإبداع يمثل دولة بعينها.. بمعنى أن المسميات التي نطلقها ونروج لها.. المسرح المصري والمسرح العماني والمسرح النظيف وغيرها من المسميات.. هل حقا نؤمن بأن الفن يصنف تحت عنوان.. لا أعتقد.. أعتقد أن الفنان بداخله روح حرة.. تمرد على كل شيء مألوف.
شاهدتِ تجارب مسرحية عديدة في أكثر من بلد عربي وغربي.. كيف ترين التجربة المسرحية العربية؟
ـ ما زلنا ندور في دائرة العادات والتقاليد.. دائرة المحرمات.. القضايا المحلية.. الصراخ في المسرح.. فرض عضلات الكاتب والمخرج والممثل.. في المسرح الغربي تجد الممثل يتكلم بنظرات عينية.. بحركة جسده.. لا استعراض عضلات وهبل على الخشبة.. ما زلنا نرى أننا يجب أن نتبع القوانين المفروضة.. الفن تمرد.. وتجرد.
الصمت كلغة تستخدمينها كثيرا .ماذا يمثل الصمت لديكي مسرحيا؟
ـ الصمت هو التعبير الحقيقي لدواخلنا.. العيون تتحدث.. الجسد ينطق.. الصمت يقول كل شيء.. الجمهور الحقيقي هو المقياس للفن الحقيقي.. عندما يفهم صمتك فأنت اجتزت اختبار الإبداع.. كل العالم يمكنه الصراخ والتحدث بلغة مفهومة.. وحدهم المبدعون يصمتون ويفهم صمتهم.
ما هي رؤيتك للمونودراما بشكل عام.. وهل المونودراما مخيفة للممثل؟
ـ طبعا مخيفة ومرعبة!.. هي شهادة ميلاد الممثل أو إعلان وفاته.. كمية الألم والضحك والأحزان والذكريات التي تختزن في عمر المسرحية وتكون محكومة بشخص واحد، هي مخيفة!.. الممثل لا يجب أن يفقد الجمهور ولو جزء من الثانية.. يجب أن يدخله في عالمه.. انفعالاته.. صمته.. ضحكاته.. إذا فقدته.. أنت تنهي ذلك الوصال.. تنهي عرضك.. لا تكمل.
تمتلك عمان طبيعة خاصة مختلفة عن العالم العربي في نقاط عديدة.. هل هذه الطبيعة المختلفة أفادت الفن أم ماذا؟
ـ أعتقد أننا كعمانيين لو بحثنا أكثر في هذا الجانب سنرى بوضوح أننا شعب محظوظ.. الجبل والبحر والصحراء شكّلوا شخصياتنا.. داخلنا متنوع.. صافٍ.. استمد من الطبيعة جمال الروح.. حتى الشخصية تختلف.. هذا التنوع يخلق منا أمة متكاملة الأركان لو ركزنا فقط.. نحن بحاجة للتعلم من وجود الأشياء حولنا.. نتعلم الشموخ من الجبال العاتية.. الصمت والتجلي من شواطئنا الخلابة وسمائنا الصافية.. الصبر والحب من صحرائنا برمالها الذهبية.. كل هذا الجمال يستحق التأمل.. ويجعل من الفنان المتمرس القدرة على التكيف والإبداع.
الفن بداخلي هو الحرية.. الحب اللامشروط.. الاختلاف.. أرقص وأتحرك وأطير وأغني وأصرخ وأبكي.. حريتي هي سلاحي الفني.. هي الاختلاف الذي أؤمن به.
لكِ تجربة منوعة مع الكاتب عبدالرزاق الربيعي.. هل تكرار التجربة في صالح الممثل؟
ـ بيننا كيمياء وعلاقة روحية تكبر كل مرة وفي كل تجربة عبدالرزاق الربيعي شاعر وفنان حساس.. نحن أصدقاء عمر.. يعرفني.. يفهمني.. كلماته التي يكتبها في نصوصه عندما تكتب خصيصا لي فيها روح علياء.. نبضها.. غضبها.. حزنها.. مؤمنة بوجود شخص يستوعب.. يفهم.. يراك من داخلك.. لذلك أعظم الأعمال الفنية تنجح عندما يكون الفريق متجانسا روحيا
عن: مسرحنا / العدد 760 صدر بتاريخ 21مارس2022