هل لمسرح الطفل خصوصيات تميزه عن التعابير المسرحية الأخرى؟ وهل يمكن الحديث أصلا عن مسرح خاص بفئة دون غيرها؟ وما هي حدود الفني والتربوي في مسرح الطفل؟
أسئلة وغيرها يجيب عليها الكاتب المغربي محمد لعزيز، وذلك بالنظر لخبرته الكبيرة في مجالي المسرح، والتربية والتكوين، ونظرا لمراكمته مؤلفات في مجال الفن الرابع منها “قراءة في النص المسرحي” سنة 2011، و”روافد مسرحية” 2011، و”المنجز المسرحي، قراءة في بعض التجارب المسرحية المغربية” 2016 ، و”دراسات في المسرح المغربي الأمازيغي” 2020 ، و”محطات في المسرح المغربي: نماذج إبداعية ونمذجات تنظيرية” 2021 ، و”دينامية التواصل في مسرح الطفل والمسرح المدرسي” 2022.
1 – هل مسرح الطفل له خصوصيات قياسا بتعابير مسرحية أخرى؟
د. لعزيز: أرى أن المسرح هو المسرح سواء أكان ممارسه راشدا أو طفلا، رجلا أو امرأة.. مسرح الطفل أنماط وأشكال مختلفة، علما أن المكونات هي نفسها.. ومع ذلك يمكن القول بأن مسرح الطفل، هو مسرح مرحلة عمرية يتمايز عن مسرح الكبار، بالمتدخلين في إنجازه أو بتلقيه، وببعض الموضوعات والوظائف والأهداف والمكونات المختلفة عن نظيراتها عند الكبار، والتي تلاءم المستويات العقلية والذهنية والفنية للصغار.
هذا الأمر هو ما يحرص عليه الكبار من منشطين ومدربين كي تكون المسرحيات التي يقدمونها، أو يشرفون عليها تلاءم الجمهور الناشئ.
حين نبحث عن خصوصية هذا المسرح نجدها تكمن أساسا في العناصر المكونة له، أي طرفي العملية التواصلية، كما تكمن في أبعاده وأهدافه.. فالمسرح على المستوى الاجتماعي يلعب دورا مكملا للتنشئة الاجتماعية، وهو مدرسة تعلم الأطفال ممارسة النظام ، مادامت كل جوانبه ومكوناته مضبوطة في المكان وفي الزمان، وهذا النظام يعلم الطفل بطريقة غير مباشرة تنظيم كل جوانب حياته، كما أنه يعلم روح الجماعة والعمل التشاركي، ويستهدف تفعيل آليات الإدماج الاجتماعي.
ثم إن الخبرات الاجتماعية التي يراكمها الطفل من خلال ممارسته المسرح تفيده في أساليب التعامل مع عالم الراشدين الواقعي، وهو ما يزيد من نموه الاجتماعي خصوصا حين يحتك بأنماط من الشخوص والمواقف والتصرفات، أو يجسدها ويتقمص أدوارها، وقس على ذلك في باقي الأبعاد النفسية والترفيهية والتربوية وغيرها.
2 – ما هي حدود الفني والتربوي في مسرح الطفل؟
د. لعزيز: في مسرح الطفل تتكامل كل الأبعاد وخصوصا البعدين التربوي والفني.. بالنسبة للبعد التربوي التكويني، يستطيع المسرح زرع القيم الأخلاقية التي تروم المؤسسات التعليمية والتربوية تحقيقها.. كما يستطيع أن يسهم في بناء عقل ووجدان الطفل وينمي انتباهه، وتمرسه على التركيز وترويض الذاكرة.
ويذهب كل القائمين على مسرح الطفل أنه يتعدى فعل التسلية والترفيه إلى كونه يهتم بتربية الطفل وتكوين شخصيته، وكل الجوانب العقلية والثقافية والاجتماعية، لذلك كانت الغاية البعيدة من مسرح الطفل هي تجاوز مرحلة الطفولة، بشكل يجعل الطفل محملا بالمهارات والمدارك القمينة بأن تجعل منه كائنا سليما على كافة المستويات.
إن المسرح يسهم بشكل عام في بناء أجيال تعرف واجباتها وحقوقها، وحين قال (مارك توين) بأن مسرح الطفل “قوى معلم للأخلاق”، فمعنى ذلك أن في المسرح أنظمة قيمية شاملة تبدأ من تعليم الطفل احترام الذات، واحترام الآخر، ومساعدته والتسامح معه، وكل القيم الثاوية ضمن مفهوم “القيم الإنسانية “. ولأن المسرح فن مباشر وحي، لذلك كان تأثيره قويا على المشاهدين، خصوصا إذا كانوا أطفالا لأن حيويته تخاطب حواسهم مجتمعة وبطريقة مباشرة.
إن حقيقة تطور مجتمعنا المغربي وكل المجتمعات الإنسانية يعكسها المسرح، ذلك أن المسرح الحقيقي والناجح لا يوجد إلا في المجتمعات المتطورة والمتنورة والمدنية، من تم ارتبط دوما بالأمم المتحضرة والشعوب المتمدنة التي عولت عليه في نهضتها الثقافية والفنية والاجتماعية والسياسية، لأنه مدرسة الفكر والوعي والقيم والنهضة الشاملة.
أما الجوانب الفنية في المسرح، فإنه الفن الأقدر على ترسيخ وزرع ثقافة فنية وجمالية تسهم في خلق الذوق الرفيع لدى الطفل. فالمسرح يخلق بيئات متخيلة محفزة على الإبداع لديه، ويوفر له إمكانات تكثيف الفائدة، وتلقيها من خلال اختبار الأفكار، وزرع المواقف وتبين الحالات، مما يتيح له تملك فكر وسلوك نابع من تجاربه الشخصية المعيشة المسموعة أو المرئية، الأمر الذي يسهم في نضج وتشكيل دعائم شخصية طفلية متوازنة.
ومع أن ممارسة الطفل للمسرح لا يتوخى منها خلق ممثلين ومخرجين وغيرهم من الممارسين، ولو أن ذلك مطلب عزيز، إلا أن الأهم هو جعل المسرح مدخلا للتربية الفنية، وهذه التربية حسب اعتقادنا المتواضع تشكل العمود الفقري للتربية بشكل عام، لأنها وحدها القادرة على تنمية ملكة الخيال، والحساسية الإبداعية عند الطفل، لذلك سيظل مطلب التربية الفنية للطفل بواسطة المسرح (الفن الذي يضم أصنافا من الفنون: موسيقى، تشكيل، رقص، غناء، موسيقى، حكي، شعر، تمثيل …) ، مدار اشتغال المربين، والآباء، والشغل الشاغل للقائمين على مسرح الطفل، لإدراكهم أن أثره كبير على نفوس الأطفال، لأنه يعمل على تربية الوجدان، وتهذيب النفس، وتحسين السلوك.
بالمسرح يهتم الطفل بتكوين ذاته تكوينا يشمل الفن نفسه، فأقل شيء في ذلك هو قدرة اللعبة المسرحية على التأثير في مختلف جوانب حياته، وتغيير حياته وواقعه نحو تمثل قيم الخير والجمال والعدل بعيدا عن الوعظ والإرشاد.
3 – كتاب “دينامية التواصل في مسرح الطفل والمسرح المدرسي”، الذي صدر لك مؤخرا ينضاف لمؤلفاتك السابقة.. ما هي قيمته المضافة مقارنة مع تناولك أشكالا أخرى سابقا؟ المسرح الأمازيغي مثلا وغيره..
د. لعزيز: إن انشغالي بالمسرح ظل اختيارا وخيارا وهوسا وعشقا، غير أن هذه العلاقة التي نسجت معه منذ عقود طويلة لم تسمح لي بغير البقاء في خانة القراء والمتلقين، ذلك أن عشق المسرح الذي دفع غيري لامتطاء إوالياته الإنتاجية تأليفا أو إخراجا أو تمثيلا، لم يسمح لي بغير التلقي الفردي لفرجاته وقراءتها.. مع ذلك ظل هذا العشق يولد في النفس قراءة مختلف تجاربه، وينمي في الذات البحث في مختلف جوانبه، من ثم ظل اهتمامي منصبا على قراءة محطاته وتجاربه، ومنها الدراسة الأخيرة المتعلقة بمسرح الطفل والمسرح المدرسي بالمغرب.
بالنسبة للممارسة الطفلية فقد تضافرت العوامل المذكورة مع ظروف الاشتغال المهني في كل أسلاك التعليم على امتداد أربعين عاما وعوامل ذاتية وموضوعية أخرى كثيرة على جمع وإخراج هذه الدراسة المتواضعة التي دام الاشتغال عليها زهاء ثلاث سنوات رغبة منا في لفت الانتباه إلى القيمة القصوى التي يمكن أن يلعبها مسرح الطفل في تغيير الممارسة المسرحية برمتها في المغرب، وفي لفت انتباه القائمين على المدرسة المغربية إلى ضرورة الاهتمام بهذا المكون الفني والتربوي ودوره في تغيير واقعها ونواقصها.
عن: و م ع