عبر الحدود: المسرح وفن الأداء، الممر الفاصل/الواصل هو مؤلف جماعي يسعى من خلاله ثلة من الباحثين المرموقين الى جانب زيد وافر من الباحثين الشباب الإجابة على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بفنون الأداء في عالمنا المعاصر، إذ يبرز هذا العمل المشترك كحوار يتسم بنزعة فنية وتوجه بحثي في آن واحد. وحتى الأصوات المتنافرة التي يجمعها معا تهدف إلى استخلاص بعض من التعقيدات المرتبطة بالحدود في المسرح وباقي الفنون الأدائية وكذا الممر الفاصل/ الواصل بينهم؛ وهي دعوة إلى بذل المزيد من الاهتمام النقدي بالأنماط المتحركة المتأصلة أدائيا ضمن الشروط محل التفاوض الخاصة بالعمل الثقافي المتواصل – وهي أنماط جلية في السياق العربي الإسلامي.
ينقسم مؤلف “عبر الحدود: المسرح وفن الأداء، الممر الفاصل/الواصل” الى قسمين رئيسيين، يقع كل منهما في عدد من الفصول: يركز الفصل الأول المعنون “مسرح الشتات العربي المعاصر في أوروبا والولايات المتحدة” لكاتبه مارفين كارلسون على الاهتمام المتنامي الذي يجذبه المسرح العربي في الآونة الأخيرة، وهو اهتمام متمخض عن تدفق المهاجرين قسرا ونابع من قصة وتاريخ الترحال بالإكراه. وفي الفصل الثاني المعنون “نحو فكر مسرحي مغاير: المنعطف الأدائي في المسرح العربي”، يكشف خالد أمين عما يجعل من المسارح أرضية متزعزعة، وعن مفترق طرق مختلف الثقافات، وعن نقاط التقاء الترجمة والمواءمة. هكذا، يعطي المسرح انطباعا بأنه ممر واصل، أكثر من كونه أرضية إقصائية، تختلط فيه أطلاس الفصل أدائيا وتمتزج لتعطي فروقا لا نهائية من أجل خلق إمكانات هائلة كجزء من مشروع التناسج المتواصل الذي يخاطب القوة من الداخل بقدر ما يخاطبها من الخارج. أما في الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان “الفواصل المرنة بين الحكي والعروض المونودرامية وفنون الأداء في العالم العربي”، فتعود هادية موسى إلى النقاش الدائر حول فن الحكي من منظور المثقفين والنقاد العرب، فبعد طرح الخلفية النظرية، تمضي موسى إلى الاستشهاد بأمثلة من على خشبة المسرح بأداء شخصيات رائدة في محاولة منهم إلباس نمط الفن التقليدي زيا (تنكريا) جديدا. وفي فصل عنون ب ” شجر مر: أداء سنوات الرصاص“، يعيد جمال أقبلي النظر في “شجر مر”، مسرحية من اخراج عبد المجيد الهواس، في قالب سينوغرافي يمزج بين الألوان والموسيقى والتكنولوجيا، ويعاود بحث الأحداث الشنيعة والبشعة لعرض وإحياء ذكرى الانتهاكات المدفونة منذ زمن والتي تأبى أن تفارق الذاكرة والتي ما فتئت تندب أعماق الذاكرة والتاريخ المشتركين، وبالتالي فالمسرحية من وجهة نظر الباحث هي عبارة عن ممر واصل/فاصل بين الماضي والحاضر. وفي نفس سياق مسرح ما بعد الدراما المغربي، تبحث رجاء الخلوفي – في مقال معنون “التحول الما بعد درامي في المسرح المغربي: اللغة الحسية في مسرحية خريف” – عناصر هذه النقلة النوعية الرئيسة المعروفة بمرحلة ما بعد الدراما من خلال تحليل معمق لمسرحية مغربية بعنوان “خريف” لمخرجتها أسماء حوري. وفي الفصل الأخير في الجزء الأول والذي جاء بعنوان “الدراما الإذاعية السورية – حقوق المرأة والانتماء الوطني على راديو سوريالي”، يعيد إدوارد زايتر تشكيل حياة النساء السوريات النازحات من خلال الدراما الإذاعية “كلنا لاجئون”، التي تذاع وتبث على إذاعة سوريالي، من أجل تفكيك محنة اللاجئين عامة ومحنة المرأة بصفة خاصة نظرا لضعفها؛ وهكذا تتخطى السلسلة حدود ما يعنيه أن تكون سوريا أو سورية، وبالتالي تعمل على تشكيل صورة لمجتمع سوري بلا وطن ولا حدود، مجتمع يحمل معه الماضي ويعيش في الحاضر.
يقع الجزء الثاني من هذا المؤلف في ثمانية فصول، انبرى كل منهالمناقشة الأداء من منظور مختلف؛ “الفن، والحدود، والفواصل (موقعة البلاك ماونتن كوليج سنة 1952)” هو عنوان الفصل الذي كتبه عبد الحي الديوري وترجمه هشام بوغابة، يركز هذا الفصل على الفن والحدود والفواصل، محركا العقل بسلسلة من الأسئلة من قبيل: ماذا؟ وكيف؟ ولأي غاية؟ ما الشكل الذي ستتخذه؟ أين؟ لماذا؟ بالإضافة إلى السؤال الأهم: هل الفن شيء واحد لا يتجزأ بفواصل محددة تماما؟ وماذا عن الفواصل بين مختلف أنواع الفن؟ ولماذا؟ أوليس الفن كيانا واحدا موحدا؟ أوليس “الفن” مجموعة واحدة كاملة؟ وفي فصل “المسرح والأداء: مقاربة تصارعية”، استعان ألين أستون بالإطار المفاهيمي الما بعد ماركسي والمستنير بغرامشي الذي حدده شونتال موفي من أجل اعتماد مقاربة تصارعية في عمليات الكفاح من أجل الديموقراطية لرسم الخطوط الفاصلة بين عمل فنان الأداء وعمل الكاتب المسرحي وكذا بين المسرح القائم على النص والعمل غير القائم على النص في سياق بريطاني تحركه البريكسيت. وأما الفصل الذي كتبه ستيفن باربر والذي عنونه “الحدود، والخطوط، والعشاق: تسوية ديناميات الهجرة في اليابان من خلال بناء الأداء” فيهتم بعمل بناء أدائي بعنوان “العشاق”، وقد اختلف باربر مع مسائل الهجرة والعبور والحدود الفاصلة. ويناقش ستيفن ويلمر وجها آخر من أوجه الأداء بوصفه أداءا متبلورا من خلال المسرح الوثائقي في فصل عنونه “دراماتورجيا الاختلاف ما بعد الهجرة ليائيل رونين”. ويبحث ايان واتسون في فصل تحت عنوان “مد الجسور: دراسة حول التصالح مع الآخر عن طريق الأداء” كيفية عمل مؤسسة بوردر لاند في بولاندا في سبل مد الجسور بين الشعوب عن طريق النضال طويل الأمد، والورشات، والمحادثات، وأشياء أخرى كثيرة. من جهتها سميرة جموشي تستكشف في فصلها “تلبيد الصوف والإحساس بالوِحدة: نهج أدائي في الفنون البصرية” لحظات من الوِحدة خلال العديد من جلسات تلبيد الصوف. إضافة إلى ذلك، تبحث ملغورزاتا سوجيارا في فصلها “بعد الهجرات: فنون الأداء كممرات واصلة” عمليات العولمة والحركة الثقافية الدينامية المعاصرة وكيف لغياب الحدود هذا أن يشكل هويات جماعية وفردية. أما دانيال سيلين رامونال فقد درس – في الفصل المعنون “اكتشاف جسد مينداناو: تأملات فنان الرقص الشعبي في ديناميات تصميمات الرقص” – طبيعة تصميمات الرقص بعرض تأملات في روايات المجتمعات الأصلية والمسلمة في مينداناو في الفليبين وتراثها الثقافي غير المحسوس. وقد أنهت غابرييل براندستيتر المؤلف بمحاولة معالجة مجموعة من الأسئلة المهمة ذات الصلة والأسئلة المقلقة بداية من كيف لأجساد في مرحلة انتقالية وتجاوز للحدود أن تصبح نقوشا يتفحصها مصممو الرقص للتباحث بشأن الفواصل بين المجالين العام والخاص.