اسم الكتاب : الأنساق الثقافية .
الكاتب: دكتور مهند إبراهيم
يتعرض الكاتب (د. مهند إبراهيم) في الفصل الأول لتعريف بالنسق الثقافي، حيث يبدأ بتعريف الأنساق لغويا:
الأنساق جمع نسق وقد جاء في قاموس المحيط أن “نسق الكلام عطف بعضه على بعض، وما جاء من الكلام على نظام واحد.. والتنسيق التنظيم”.
واصطلاحا فإن الأنساق هو عدم التناقض وهو مقياس الصواب والخطأ في العلوم الصورية. كما نقل عن الدكتور (إبراهيم مدكور)..
والنسق حسب محمد مفتاح هو : العلائقية والارتباط والتساند وحينما تؤثر مجموعة وحدات وظيفية في بعض فأنه يمكن القول أنها تؤلف نسقا ..
ويصل الدكتور (مهند إبراهيم) إلى تعريف إجرائي للنسق على وفق ما تقدم: ( تلك الوحدات القابعة خلف مهيمن ما وترتبط مع بعضها البعض بعلائقية واضحة متناسقة بنظام يحدد مستوى اشتغالها مع الاحتفاظ بخصوصية لكل وحدة من الوحدات) لننتظر بعد ذلك ورود كلمة مهيمن في التعريف ودلالاتها. بعد ذلك ولنسقية العنوان لابد من الدخول في تعريف الثقافة.
وكما جاء ضمن الكتاب الثقافة لغويا: ذكرت كلمة ثقف في القاموس المحيط بمعنى صار حاذقا خفيفا فطنا .. وثقفه كسمعة صادقة .. وفي المعجم الوسيط بأنها: “ثقفا صار حاذقا فطنا.. وثقف الشيء أقام المعوج منه وسواه .. أدبه وهذبه وعلمه الثقافة والعلوم والمعارف والفنون.
والثقافة من حيث الاصطلاح وكما نقله عن إبراهيم مدكور بأنها كل ما فيها استنارة للذهن وتهذيب للذوق وتنمية لملكة النقد وتشتمل على المعتقدات والفن والأخلاق. وعرفها وليامز بأنها: طريقة معينة في الحياة سواء عند شعب أو عند فرد أو جماعة .. وعلى وفق ما تقدم تمكن من تحديد مفهوم النسق الثقافي بأنه: (تلك العناصر المترابطة والمتفاعلة والمتمايزة التي تخص المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون وكل المقدسات والعادات الأخرى الذي يكتسبها الإنسان في مجتمع معين ليؤسس بها هويته وثقافته الخاصة بعيدا عن ثقافة المهيمن التي ينتجها السياق البيئي المحيط به).
الفصل الثاني: الإطار النظري
في هذا الفصل يدخل بعمق في تعريف الثقافة وأنساقها ويتعرض للعديد من التعريفات كان من بينها ما ذهب إليه رايموند وليامز: “أن الثقافة هي من المصطلحات شديدة التعقيد والتشابك.. وأن الممارسة الثقافية والمنتج الثقافي ليست مجرد أجزاء اشتقت من نظام اجتماعي أو بعض عناصر انفصلت عن نسق تم تشكيله بمعزل عنها، وإنما هي عناصر أساسية وببني جوهرية في تشكيل هذا النظام، وبنية ذلك النسق . ومن ثم فأن الثقافة هي نظام الدال الذي يتواصل النظام الاجتماعي من خلاله ..
مفهوم النسق هو مجموعة من الأجزاء المتماسكة والمترابطة والمتكاملة حركيا والمتكافئة وضيفيا والمتناغمة إيقاعيا .. هذا التعبير الدقيق عن مفهوم النسق ربما يعد الثيم الرئيس لهذه الدراسة حول الأنساق الثقافية .. كما يشير (العميدي) إلى أن النسق في أبسط معانيه يعني العلائقية والارتباط والتساند، وحينما تؤثر مجموعة وحدات وظيفية بعضها في بعض، فإنه يمكن القول أنها تؤلف نسقا، ويتكون النسق من مجموعة من العناصر أو الأجزاء الذي يرتبط بعضها ببعض مع وجود متميز ..
ويستطيع النسق أن يفي بالكثير من التحليل الوظيفي للمجتمع، حيث أن المجتمع يوصف بأنه نسق اجتماعي عام، يتولد عنه عدة انساق سياسية واقتصادية ودينية، وتعد اللغة والثقافة حسب ما جاء في هذا الكتاب إنهما الأساس في تشكيل نسقا عضويا واحدا.. والنقد الثقافي يعتمد على النسق، حيث يتطور الفكر النقدي مع تطور مفهوم النسق.. مفهوم النسق على وفق رؤى الغذامي وكما أشار له (العميدي) هو مفهوم مركزي يكتسب قيمة دلالية وسمات اصطلاحية خاصة تتحدد باشتراطات، إذ يتحدد النسق عبر وظيفة وليس عبر وجوده المجرد .
وهذه الوظيفة النسقية لا تحدث إلا في وضع محدد ومقيد، ينشأ حينما يتعارض نسقان من أنظمة الخطاب أحداهما ظاهر والآخر مضمر . ويكونان معا نصا واحدا.. ويشترط أن يكون النص جماليا والجمالي هنا يعتبر هو السلطة المهيمنة جماليا مفهوم النسق الثقافي يشير المؤلف في هذا المبحث أن الثقافة وبما تحتويه من أنظمة خطاب تظهر نتيجة أنساق مضمرة .. وعلى الرغم من أن النسق الثقافي يعد مجموعة من العناصر المترابطة في شكله الظاهر إلا أنه نسق غير منضبط في شكله الباطن
الأنساق الثقافية ليست حالة واحدة تتمظهر بصورة معينة إنما هي متنوعة مختلفة متعارضة ومتغايرة ومتطورة وقابلة للحياة والموت تنمو في بيئة معينة .. وسرعان ما تخبو بفعل المتغير لتنمو أنساق أخرى متلائمة مع المتغير الثقافي.. الماركسية وتمثلاتها في النسق الثقافي تشكل الماركسية مرلة فكرية مهمة في تاريخ البشرية . وتشكل نسقها الفكري على وفق منظور فلسفي وعلمي .. الماركسية تغوص في رفض الأنساق التي سبقتها لتؤسس نسقا فكريا مغايرا الإيديولوجيا والهيمنة وتمثلاتها في النسق الثقافي عرف تيري انغلتون الايديولوجيا بأنها الطرائق التي يحيا بها البشر أدوارهم في المجتمع الطبقي وإلى القيم والأفكار والصور التي تربطهم بوظائفهم الاجتماعية وتمنعهم من المعرفة الحقيقية لمجتمعهم ككل..
وتنقسم الإيديولجيا إلى نسقين اجتماعيين: أولهما المعتقدات المذهبية (الدينية- السياسية) والأاخرى الطرائق التي يسلكها البشر في تنظيم حياتهم ضمن بنية المجتمع الواحد..ويوجد منظوران متعارضان الأول يرى أن الأدب والفن بصورة عامة هما مجرد تمثل إيديولوجي أخذ شكلا فنيا..
والأعمال الفنية هنا تمثل الايديولوجيا .. وهذا الخطاب منغلق يرى بعين واحدة..أما المنظور الثاني الذي يقوم بتصعيد الإيديولوجيا لعصره مانحا الآخر تبصرا .. الايديولوجيات تعمل على وضع ستار يفصل بين الذهن وبين الحقيقة . والايديولوجيا تعمل على إزاحة الطرف الآخر من المعادلة الإنسانية لتنتصر لأفكارها
* النسق الثقافي وتمثلاته في النص المسرحي العالمي
يشير مؤلف الكتاب دكتور (مهند ابراهيم العميدي) في هذا المبحث إلى الانطلاقة الأولى للمسرح الإغريقي، حيث كان النص مابين مهيمن وسلطة وماضي وحاضر يتأرجح ليؤسس نسقا نصيا يتوافق ويتماثل مع تلك المهيمنات وتلك السلطة تارة وما تنتجه من انساق تكون بمجملها نسقا ثقافيا .. وتارة أخرى يؤسس نسقا نصيا يكون متمردا على تلك المهيمنات أسست سياقا للنص كان بمثابة الرحم .. فكان النص الإغريقي يعمل على التوافق مع المهيمنات الأسطورية ليتمثلها بوصفا نسقا قبليا وأن سلطة الدين والأعراف الوضعية نسقا ثقافيا بعديا. فما بين التوافق مع المهيمن من جهة ومشاكسته والتمرد عليه من جهة أخرى خلقت الدراما الإغريقية عالمين (التراجيديا-الكوميديا) في كتابات اسخيلوس وسوفوكلس ويوربيدس وارستوفانيس.
* الإرادة ونسق المؤامرة وتمثلاتها في النص الشكسبيري:
أغلب نصوص شكسبير تحاول التماثل مع محيطها السياسي والفكري والثقافي والاجتماعي في العهد الاليزابيثي، حيث كان الإيمان المطلق بالسحر والسحرة هو السمة السائدة في النسق الاجتماعي . كذلك هيمنة روح التشاؤم جراء الحروب الأهلية كما كان الصراع مع المهيمن الديني ..
يشير (العميدي) في كتابه “الأنساق الثقافية” على أن الدراسات أكدت بأن شكسبير يتفق في اشتغاله الفلسفي مع الفيلسوف شوبنهاور الذي رأى بأن العقل يقود إلى الإرادة.. يتعامل شكسبير مع التاريخ على انه احد الأنساق الثقافية.. كذلك يتعرض الكاتب للنسق الاجتماعي وتمثله في نصوص ابسن وإشكالية الوجود ونسق الغرابة وتمثلاتها في نصوص تشيخوف ونسق الحقيقة ونسق الوهم وتمثلاتهما في نصوص بيراندلو وهو مبحث مهم لما للحقيقة والوهم من تضادات فلسفية ونفسية وتداعياتها في النسق السياسي والاجتماعي ..
ثم ينتقل المؤلف إلى النسق الطبقي وتمثلاته في نصوص برخت كذلك هو مبحث هام يعمل على تضادات الايديولجيا وعلم الاجتماع وجدلية التاريخ..
كذلك ينتقل الكاتب إلى مبحث نسق التمرد وتمثله في نصوص اللامعقول. ونسق التفكك والانكسار وتمثلاته في نصوص ما بعد الحداثة ومحاولة التقريب بين الثقافات انطلاقا من التشكيك بالمفاهيم التقليدية المهيمنة وتقويض الأنساق الثقافية المتمركزة في الجانب الغربي وهي تعمل على هدم ثقافات وإنتاج ثقافات متغايرة وأن البنية النصية قام عليها سلطة التفتيت وأن اللغة في عصر ما بعد الحداثة ظاهرة نصية قابلة للانزلاق وإشراك المتفرج في إنتاج النص والعرض كما فعل باربا وبيتر بروك بالإضافة لمسرح الشمس الذي يعتمد على صناعة النص بواسطة الارتجال فإن الارتجال هو خلق نص مغاير وهو استنطاق وتمثل للهامش المضمر كما يصفه المؤلف..
وفي الفصل الثالث يعرض المؤلف لمجموعة من النصوص ضمن إجراءات البحث حول الأنساق الثقافية وتمثلاتها في النص المسرحي.