ومن حسنات هذه النصوص أنها تكتشف لنا قابليات المخرج والمؤدي والسينوغراف وبقية أطراف العملية الإبداعية.. إنطلاقا لابد لنا أن نضع تاريخ حسين على صالح بعيدا ونتعرف عليه الآن وهنا.. وعلينا نحن أيضا أن نتخلى عن سنين العمر لنتقمص ذائقة الطفل .. هل وفق المخرج في هذا العرض؟؟؟ هل استطاع أن يأخذنا نحن الأطفال في رحلة عجيبة ؟؟ ام هل أصابنا الملل ونزعنا ملابس الطفولة لنتحسس مقاعدنا ونتململ من الجلوس داخل القاعة.. نجد أن الخبرة في توظيف الأغنية واللعب المسرحي جعلنا نتجاوز الملل. كذلك هي البداية كانت تتكأ على خبرة المخرج. فكانت بداية ساحرة أخذتنا إلى عالم الفانتازيا وهي أحد مرتكزات مسرح الطفل الذي يعتمد على الخيال لمجرد أننا كنا أمام مقترح سينوغرافي جميل ساهم في بث قبول لفضاء العرض. بالرغم من أن الأغنية في البداية لايتناسب مع حجم الشخصية للمثل الشاب سعد شعبان الذي جسد شخصية الطفل، لكن بمهارة الممثل استطاع أن يقنعنا بادائه الفذ . كذلك هو الحال مع جانب الكوميديا الهادفة .
يحسب لهذا العرض أيضا الإتقان وبنسبة لابأس بها في ضبط اللغة العربية مع الابتعاد على اللفظ الشعبي الذي صار سمة لأغلب العروض من أجل التحايل لكسب تلقي جماهيري عريض، رغم التأكيد من لجان النقد والحكم بالضد من هذه الظاهرة .. التوظيف الفني للموسيقى أعطى للعرض قبولا في التلقي .
وربما أجد أن الإضاءة في هذا العرض حققت غاياتها المعرفية والجمالية مع بعض الهنات التي لم تأكل من جرف العرض. قدرات التمثيل جيدة في أداء شخصيتي الوحش وشطور.. فقد حقق المخرج قدرة كبيرة في صناعة ممثل يحقق الوسطية في القبول بين الكبار والصغار، بين النخب وعموم الجماهير ليجسد الممثل هنا بما لديه من مهارات مكتسبة فعلا جماليا معتمدا على خفة الدم ورشاقة وخصوصا الممثل سعد شعبان الذي قاد المشهد المسرحي إلى فعل الشراكة مع الاطفال وكذلك تحول طبقة الصوت لدى الوحش. كانت لمحة ادائية غاية في الروعة والذكاء تحسب لصناعة العرض اخراجا وتمثيلا . وكذلك الجانب التعليمي للأطفال في معرفة صوت الحيوان وفي التمارين الرياضية وهي تخاطب إعمار مبكرة لدى الأطفال وكان ينبغي الانتقال إلى معلومات أكثر أهمية لاستثمار استجابة الأطفال لان عموم العرض كان يخاطب أعمار متوسطة بين سن 8 و 10 سنوات وهذا الخلل مرده لسقوط المخرج في فخ النص الذي لم يضع حدود لفئة عمرية بعينها…
ومن سلبيات مسرحية “عشرة من عشرة” ومردها إلى أفقية النص التي انسحبت على جسد العرض هي الانتقالة السريعة وغير المبررة لتحول شخصية الوحش من السلب إلى الإيجاب .. ولكن مايحسب لهذا العرض ابتعاده عن كلائشيات مسرح الطفل في اعتماد المجاميع والبهرجة في تشكلات السينوغرافيا فقد اعتمد على شخصيتين ملأت المكان وكانهما مجموعة ممثلين ، وكنت أتمنى أن يبقى العرض محافظا على الشخصيتين وعدم إدخال عامل النظافة وخصوصا أن المشهد الأخير اعتمد مادة التمثيل. فكان بإمكان الوحش ان يمثل دور عامل النظافة ويكون هو الناصح للطفل في لعبة جميلة لتبادل الادوار وهنا يحقق العرض مفارقة جميلة . . . إشارة هنا لطيفة تحسب للمخرج وللسينوغراف، فلقد كنت أتمنى أن اقود حركة لمناهضة جهاز الدخان في مسرح الطفل فأن هذا الجهاز أصبح لازمة لكل العروض واسميه السهل المباح المستباح. حسنا فعل المخرج حسين علي صالح انه تجاوز هذه العقدة .
وأخيرا حقق هذا العرض متعة كبيرة لصادق مرزوق الطفل فقد تفاعلت كما تفاعلت مجاميع الأطفال مع مجريات العرض وخصوصا في النهاية بالرغم من أن هذا العرض انساق لمهارة المخرج وحرفته المعهودة ولم يكسر المتوقع والقفز على مرجعيات المخرج . فلم تكن تحولات العرض تنم عن حفرا شاقوليا بل ظلت رهينة الحرفة . ويشفع لهذا العرض التفاعل مع الآخر. وأنه كان عرض اختزل السرد ليعتمد على تحولات الممثل بالرغم من جمود المنظر المسرحي واعتماده لتحريك الجانب الأيسر من ضفة العرض وإهمال الضفة الأخرى. وكان ختام المسرحية بالمطلع. فمثلما كانت البداية جميلة بالمنظر المسرحي الجميل وانتهت بمشهدية مسرحية تفاعلية غاية في الروعة المتمثلة بجر الأطفال إلى ساحة اللعب المسرحي