هل يقف المسرح المغربي عند مفترق طرق
بقلم : رشيد بناني
1 ـ لأول مرة مند تأسيس حكومة التناوب الأولى سنة 1998، إي مند 20 سنة، تسند حقيبة الثقافة إلى وزير من غير أحزاب اليسار، وهذه قد تبدو مسألة عادية في ظل التنوع في الائتلافات الحكومية التي اتسمت بها هذه التجربة السياسية مند بدايتها؛ غير أن من الضروري الإشارة مع ذلك إلى هذا المتغير، لأن من المحتمل أن يكون الوزير الجديد، الذي يمثل تيارا حزبا وسياسيا آخر، قد أتى حاملا في جعبته ـ أو ستتكون لديه تدريجيا ـ رؤية جديدة في تدبير بعض برامج الوزارة ومن بينها الطريقة التي يدعم بها المسرح والتي تعود عليها العاملون في الميدان.
فقد افتتح الوزير الجديد سنته الأولى في المسؤولية بوقف مؤقت لعملية الدعم بعد أن كانت قد انطلقت فعالياتها واجتمعت لجانها وأعلنت نتائجها التي تعتبر في حد ذاتها التزاما من طرف المؤسسة الحكومية؛ وقد أحدث هذا التوقيف المؤقت، بدون شك، ارتباكا في عمل الجمعيات الثقافية والفرق المسرحية… وهذه مسألة قد تبدو شكلية يقصد منها التثبت من احترام المساطر ومن حضور معيار الاستحقاق وتساوي الفرص بين الحاصلين على الدعم… غير أنها تشكل أيضا تنبيها للذين يعتبرون محترفين؛ ومن الممكن النظر إلى الموضوع من زاوية أخرى لا تتعلق بالمساطر والاستحقاقات بقدر ما تتعلق بتوقف من طرف الوزارة من أجل فحص برامجها وتوجهاتها الثقافية، وربما التمهيد لتغييرات ـ صغيرة أو كبيرة ـ محتملة قد تظهر لاحقا.
2 ـ أن سياسة الدعم، وفي مركزها دعم المسرح المسمى احترافيا، قد تم إطلاقها عمليا مند 20 سنة على عهد أول وزير في حكومة التناوب، وأن مرور عقدين على هذه التجربة يجعل من المشروع تقييم نتائجها، وتقدير حجم ونوعية ما أضافته إلى الوجدان الفني والثقافي المغربي، إذا توفرت الرغبة حقا في تثمين هذه التجربة وتطوير نتائجها.
ومعلوم أن عملية التقويم هذه قد انطلقت فعلا في الصحافة الثقافية المغربية؛ إن عددا من الكتابات قد تعرضت خلال السنة الماضية لتقويم سياسة دعم الفرق المسرحية التي اتبعتها الوزارة مند عقدين، وتقول بعض هذه الكتابات أن السياسة المسرحية المتبعة حاليا لم تأت بما يتجاوز ـ بل حتى بما يعادل ـ غنى وتنوع التجربة المسرحية التي أبدعها الجيل السابق (1956 ـ 1986) سواء من الهواة أو من المحترفين تحت إشراف وزارة الشبيبة والرياضة.
3 ـ من علامات الترقب وإرهاصات التحول أيضا الانشطار والتعدد في صفوف التنظيمات المسرحية وظهور تنظيمات بمسميات جديدة؛ فبعد أن كانت هناك نقابة واحدة هي (النقابة المغربية لمحترفي المسرح) بالإضافة إلى (الاتحاد العام المغربي للمهن الفنية)، أصبحت تمثيلية هذا القطاع موزعة على تنظيمات أخرى نذكر منها (الفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة) و(الاتحاد المغربي لمهن الدراما)… بالإضافة إلى تنظيم غامض يطلق على نفسه اسم (الاتحاد المغاربي للفنانين المسرحيين) (المكتب التنفيدي) الذي لا يملك عنه المسرحيون المغاربة معلومات واضحة.
ومن المؤكد أن مستوى المصداقية والتمثيلية ليس متساويا لدى كل هذه التنظيمات، ولكن الواقع لا يرتفع، وظهور كل هذه التنظيمات أو انشطارها عن بعضها وتكوينها لمكاتبها الجديدة في أوقات متقاربة يدعو إلى التساؤل عن أسباب هذا التكاثر وعن جدواه وعن آثاره الممكنة. إن قوانين المجتمع المدني لا تنكر أو تخالف هذا التعدد، بل تعتبره دليلا على تعدد للرؤى واختلاف زوايا النظر التي حين تعمل متضافرة أو متنافسة، وحين تتصف بالمصداقية والجدية في العمل، فإنها تكون مصدر إغناء، بعكس التنظيم الوحيد الذي قد يتحول مع الزمن إلى عقبة أمام الحوار والاختلاف والتغيير.
ومع ذلك فإن أعطاب الديمقراطية لدينا تدعو إلى الريبة والتوجس، لاسيما حين ننظر إلى الوراء ونتذكر الأدوار التي لعبتها (الجامعة الوطنية لمسرح الهواة) كما لعبتها الكثير من (الاتحادات المسرحية) في تفكيك أواصر مسرح الهواة الذي كان واحدا من أهم القوى الثقافية في المغرب.
وباختصار فإن كل تغيير، حين يكون في مصلحة الحركة الفنية والثقافية التي يمثلها المسرح، هو مسألة إيجابية ينبغي الترحيب بها؛ غير أن من الصعب التفريط في المكتسبات الملموسة من أجل تغيير لا نعرف معالمه.
رشيد بناني
أحدث التعليقات